رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

متطرفون ننبذهم.. وإعلام انتهازى


أرى ــ فى الغالب ــ أن صاحب الشخصية المتطرفة يُعانى من ضحالة المعرفة بتعاليم وثوابت دينه، بل تصله فى تفاصيلها، أو مجملها مشوهة أو منقوصة، والأستاذ متطرف له قراءة أحادية الرؤية عند الحكم على واقع ما يتعامل معه من أحداث لو حاول تقييم قدرها، والباشا مُتشدد يرى أنه وحده الذى ينبغى أن يتمتع بحرية التعبير والبوح والقول، وبمجرد الدخول فى جدل مع الآخر ترتفع لديه وتيرة الغضب تدفعه إلى القيام بتصرفات تتسم بالرعونة ورفض وجود مُجادله...

.... وهو فى النهاية لا يقيم وزناً لأجواء ومعطيات الواقع، ولا يحاول استشراف تبعات ما يطرحه من آراء إن كانت إيجابية أو سلبية. وعلى سبيل المثال، ونحن نعيش الآن أزمة المواطن الفلسطينى فى المناطق المقدسة، وما يعانيه من بطش جنونى من جانب قوى العدو الصهيونى، أتذكر مقولة الشيخ نبيل نعيم القيادى السابق للجماعات الجهادية «لقد أفتى مفتى حماس بتاريخ 13 يونيه 2007 أن من قتل فتحاوياً يدخل الجنة، فقُتل فى ذات نفس اليوم 700 فتحاوى، وتم الإلقاء بهم من أعلى العمارات، وهو عدد لم تحصده قيادات الغدر الإسرائيلية بتلك السرعة فى أى عدوان على حماس».. وبالطبع لا أذكر تلك المقولة تبريراً لبشاعات ممارسات عدو مستعمر، ولكن لأصل لفكرة أنه بفتاوى ينسبها أهل التشدد كذباً لتعاليم الدين، بات أمر بعض من يتعامل الناس معهم على أساس أنهم رموز دينية يمثل كارثة، وبدلاً من توحيد القوى الفلسطينية لمقاومة العدو سادت مفاهيم التطرف فطمست العقول، وضيعتهم الصراعات البينية!! وفى التعامل الإعلامى مع قضايا ظاهرة التطرف ومثل الكارثة التى أشار إليها الشيخ نعيم على سبيل المثال وغيرها ، قد غاب عنه فى الفترة الأخيرة إعمال معاييرالكفاءة، وعليه تراجع أداؤه، وأصبحت هناك قيم نبحث عنها ولانجدها فيه، كالموضوعية والمصداقية، وسماع وجهة نظر مختلفة، فالإعلام الآن يُعبِّر فقط عن رأى مؤسساته الرأسمالية للأسف!! هانحن كل يوم نتابع أخبار أهل التشدد والتطرف، منذ أكد الشيخ عبدالمنعم الشحات المتحدث الإعلامى باسم الدعوة السلفية أن قضية عضوية مجلس الشعب لغير المسلم تحتاج إلى دراسة، فالبرلمان يجمع بين التشريع والرقابة على الحكومة.ومن حق غير المسلم ممارسة الرقابة على الحكومة، لكن فى التشريع أرى أنه غير مناسب لهذا الدور. فهل هو ملزم بدراسة الشريعة الإسلامية لأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، ولذلك هناك إشكالية، مضيفاً أن تعيين وزراء أقباط يحتاج دراسة أيضاً. إن الأقباط يصلحون للمهام الاستشارية والتنفيذية مثل كبير الأطباء أو كبير أى مهنة وأى منصب تنفيذى. وأضاف أن دخول المرأة البرلمان «مفسدة» وميدانها الرئيسى البيت، وأن تنشغل فقط بتربية الأولاد...».. وبالطبع تغيرت تلك اللهجة وتلك الثوابت السلفية الآن مع دخول «حزب النور» بعد أن تلونوا وارتدوا قناع ثورة لم يشاركوا فيها!!. أما بمناسبة فشل الشحات فى الانتخابات قبل الأخيرة، فكان الخبر التالى «احتفل العشرات من الشباب أمام لجنة الفرز بالإسكندرية بسقوط الشحات، ورفعوا فى وجهه لحظة خروجه من لجنة الفرز صور نجيب محفوظ الذى اعتبر الشحات أدبه يحض على الرذيلة وينشر الدعارة»!!. أرى أن على الإعلام فى متابعته لمثل تلك الفتاوى والأحداث المثيرة من جانب ميليشيات التطرف أن يُبيِّن ويركز على مدى أثر وجرم تطرفها، وأنها ليست من صحيح الدين، لا أن يتوقف دوره على نقلها فقط للإثارة ولزوم البيزنس، فالإعلام يعتبر مرآة للمجتمع، فإذا كان المجتمع متشدداً أو متطرفاً، فسيفرز عنه إعلام مثله، يحمل التشدد والتطرف.. على الإعلام أن يجعل رموز التطرف يخجلون من أنفسهم ومن رد فعل مجتمعاتهم.. رحم الله الشاعر الرائع نزار قبانى عندما قال فى الطائفية: خرجتُ اليوم للشّرفة على الشّباك جارتنا المسيحيّة تحيّينى / فرحتُ لأنّ إنساناً يحيّينى / لأنّ يداً صباحيّة.. يداً كمياهِ تشرينِ / تلــوّحُ لى.. تنــادينى / أيا ربّى متى نُشفى تُرى من عقدةِ الدّينِ؟ / أليسَ الدّين كلّ الدّين إنساناً يحيّينى /ويفتحُ لى ذراعيهِ ويحملُ غُصنَ زيتونِ.