رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العبء القيادى

فن الزعامة ومهارة السيادة مرهونة بالقدرات الذاتية والخصائص والسمات الشخصية، ويُشكل الأتباع محور منطلقها، ومرجعية احتياجها.

لأهمية وجود من يحشد قدراتهم، ويوجيه طاقاتهم نحو أهدافهم التي غالبًا ما تأخذ مساحة كبيرة من تفكيرهم، وتشغل بالهم إلى درجة بقائهم في دائرة التفكير المستمر والصراع الذهني والعاطفي الذي يمتلك عقولهم ويستحوذ على مشاعرهم، ويثقل كاهلهم، حتى إنها في بعض الحالات تُصبح عبئًا ثقيلًا، الاستمرار في احتماله يعد تحديًا.

حياة الإنسان مثقلة بالأعباء ومليئة بالتحديات، والمصاعب وقد يكون ذلك دافع رقيه وتقدمه. فالشعور بالعبء والرغبة في التخلص منه يجعل الناس في حالة تأهب واستعداد دائم، والذي بدوره يعصف الفكر، ويُحفز التفكير، ويصقل المهارات، ويُفجر الطاقات، ويُبرز المواهب.  ويجعل من الفشل نجاح، ومن الانتكاسة ريادة، وغالبًا ما يُحيل الأعباء والمتاعب إلى مكاسب.

العبء بمثابة الحمل الثقيل الذي يُثقل الكاهل، ويُزعج، ويُقلق، ويقض المضاجع. فالنهوض بالعبء والقيام بمتطلباته، وتحمل تبعاته يتفاوت فيه الناس بحسب استعداداتهم وقدراتهم الجسدية والنفسية، وسماتهم وخصائصهم القيادية الوراثية منها والمكتسبة.

بمقدار هذا التمايز يكتسب القادة مواقعهم في أوساطهم الاجتماعية وبيئاتهم الجغرافية، وتتفاوت فرصهم في الزعامة والسيادة.‏ القيادة اليوم تواجه مصاعب وتحديات كبيرة، مجملها أن مواكبة التغيرات والتحولات المفاجئة تحد كبير، وعبءً ثقيل يهز عناصر القيادة ويتقهقر القادة أمام تقلباته.

يبدو أن القيادة اليوم أمام نقطة مفصلية في التغير والتحول الذي أضحى كأنه يجري طواعية. ليجعل مهمة القيادة أمام تحد يجعل من استحضار النضج القيادي ضرورة، لإدراك عملية التحول، ومواكبة التطور بما يتيح للناس تحولهم للأفضل وليس العكس على المستوى الفردي والجماعي.‏

واعتماد فكر وأدوات تفكير وقدرات ومهارات ومناهج مواكبة للمشاركة في طرح وتقديم تعريفات جديدة لأدوار القادة ومهمة القيادة، والمسارات الوظيفية، والأجور، والحوافز، وإدارة المهام، وتقييم الأداء التي لها أن تُركز على العمل كشبكة من فرق القيادة، لإعادة تصور كياناتهم وأعمالهم وأنظمتهم وسبل تحقيق أهدافهم بمناهج راسخة تأخذ في الاعتبار توسيع دائرة الأداء، وزيادة حجم التأثير.

‏التحولات في تفكير وسلوك الإنسان، في مضمونها ترجمة لعقلية النمو التلقائي الذي سمح بتغيير أنماط سلوك الناس للتخلص من المعتقدات المقيدة، وتعويضها بالعاطفة العميقة المستلهمة لعوامل الدفع والتحفيز والإبداع والشراكة لإحداث مزيد من التفاعل والتسريع في الإنجاز والتميز والريادة الصامدة التي لها أن تبقى وتستمر باستشراف واع لتحديات المستقبل، وتحفيز مدرك لمعطيات الحاضر دون الاستدارة التامة للخلف واستجراره كما هو سائد في الوطن العربي من ثقافة استرجاع الماضي باستمرار.

فالثقافة السائدة وأسلوب القيادة التقليدي يُعوق بناء ثقة القادة بأنفسهم، ويحول دون مواكبتهم مستجدات القيادة، وكأنهم رهن أسلوب مغلق قياديًا ومنطويًا على ذاته، فالنجاح والتميز يعدي. والقادة الملهمون سياساتهم تحفيز من حولهم؛ ببث روح القيادة والتمكين، وتفعيل الاستعدادات القيادية.

فالاستراتيجية العمرية للقيادة يُشير فيها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- لأهمية التأهب والاستعداد القيادي بمقولة راسخة "لست بالخب ولا الخب يخدعني"؛ ليظل القائد مصدر إلهام للآخرين وأسوة لهم بالاحتياط والتأهب. فتعزيز الثقة بالنفس والتأثير في الآخرين مهارات تُبنى وتنمو بالاستعدادت الفطرية القيادية والتأسي بالقدوة القيادية الناجحة، التي تصقل مهارات قادة مواكبين التحولات والتغيرات باستمرار، مستلهمين المستقبل بكل معطياته ومحفزاته التي تجعل من القيادة ريادة باقية ومستمرة برمز القائد ورمزية القيادة.

الكوتش القيادي أو علم "الكوتشنج" مفهوم جديد بدأت تنتشر علومه ومعارفه حول العالم، وفي العديد من الجامعات والأكاديميات والكليات. والذي يتمحور مفهومه، في محتوى معاصر للقيادة يجعلها عملية تشاركية بين المستفيد والقائد الكوتش لإثارة الأفكار والتفكير الإبداعي وصولًا إلى تعزيز الإمكانات الشخصية والمهنية لأقصى درجاتها، من خلال التمكين الموجه للقادة في الكيانات والهيئات والمنظمات لشحذ قدراتهم القيادية ليصبحوا أكثر كفاءة وقدرة وتأهيل لتأدية المهام القيادية بمهارات قيادية تراكمية تمكن مُكتسبها من القدرة على تنظيم جهود الآخرين وتحفيزهم لبناء فريق متماسك وقوي، للعمل معهم من أجل تحقيق هدف مشترك، بإثارة حماسهم  لإتمام سلسلة من الأهداف والمهام خلال فترة زمنية محددة على أكمل وجه وأفضل إنجاز.

في إشارة صريحة لضرورة تلقي القادة معطيات تعليم وتدريب مستمر مهما علت مراكزهم الوظيفية، ومهامهم القيادية لتطوير مهاراتهم للعمل كفريق واحد، يُساعد فيه القائد الأعضاء على تحديد نقاط قوتهم والعمل على تعزيزها، وفهم تحدياتهم والعمل على تجاوزها.

وتعزيز سبل استغلال الفرص والارتقاء بالأداء من خلال التمكين عوضًا عن إلقاء اللوم والإنشغال في أثر الأخطاء، أو محاولة البحث عن الحلول بذاته، وبالتالي يصنع من خلال هذه السمات فريق عمل متكافئ ومنتج يُدرك أهمية التفاعل البناء، والقدرة على ابتكار الحلول وإنجاز المهام دون الاعتماد على القائد.

السلوك القيادي الدولي مأزوم بين جباية المال وتخصيص الموارد بوسائل متعددة أبرزها الحروب والشذوذ، فحرب أوكرانيا تتزعمها روسيا والغرب يتأرجح بين هايب ومستثمر في إستمرارها، وتلوح أزمة في الأفق نحو بحر الصين الشمالي، ونزعة عدائية تثور وتخبو في كوريا الشمالية بين حين وآخر. وبين ذلك وذاك حروب ماضية، وأخرى قائمة توقدها إسرائيل على أرض فلسطين وضد شعب فلسطين الأعزل المحال بينه وبين التزود بالسلاح.

ومع هذا، وفي 30 سبتمبر  2000م، من اليوم الثاني لانتفاضة الأقصى يُقدم نموذجًا فريدًا في الصبر والمقاومة ويصمد ببسالة تحت وابل الرصاص ذاك الصبي الشهيد "محمد الدرة"، ويرصد صموده المصور الفرنسي شارل إندرلان؛ ليجسد سلوك إسرائيل الوحشي المشبع بجرائم الحرب الدموية، والإبادة الجماعية.

ليرسخ رمزية وطنية أرضخت الخصم للتفاوض والاتفاق، وعلى العالم الحر ألا  ينساه لتبقى رمزيته القيادية في التأثير والتحفيز خالدة في النضال وحق الشعوب في تقرير مصيرها، لبطولة يسطرها براعم الشباب لشعب فلسطين على أرض فلسطين بعيدًا عن إرجاف الإعلام الإسرائيلي وأذرعها من الإعلام الغربي، وفي سياقها الإعلام العربي  الذي يُكرس الأحداث بغزة لتنسى فلسطين والقدس، ويصبح التفاوض والحديث عن غزة فقط وتطوى صفحة نضال الانتفاضة الفلسطينية.

مع زيف الحقيقة وتزييف الواقع بين الخب والمخبوب تمضي الحجارة الفلسطينية وتستمر برمزية شعرية للشاعر السوري فخري البارودي في منتصف القرن العشرين "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان"؛ لتؤكد منظومة الوطن العربي رمزية القدس المبارك والأقصى الشريف في النفوس، وأنها لن تُنتزع من القلوب قصر أو طال الزمن. لتظل الاستراتيجية العمرية ماضية بين متعظ بغيره وآخر بنفسه "فلست بالخب ولا الخب يخدعني". 

  • رئيس مركز المعرفة العربية للاستشارات