رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حول المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية «2»


وسط ترقب نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، ووسط التخوف الذى يسود المشهد من كل جوانبه حول لعب المال السياسى الدور الأساسى فى المشهد، وإحقاقاً للحق، تأكدت كل الظنون والتخوفات، ووسط التخوف من أن تلعب الرشى الانتخابية بأنواعها المختلفة، من شراء الأصوات بالمال أو بالمواد العينية استغلالاً لفقراء الشعب المصرى وحاجتهم للغذاء والدواء والملابس والبطاطين، ومع عزوف المواطنين عن المشاركة للعديد من الأسباب، كل ذلك مع مقاطعة بعض أحزاب التيار المدنى الديمقراطى وأحزاب الإخوان بمختلف مسمياتها، هذا بجانب انقسام التيار السلفى كما أوضحنا فى المقال السابق، من أن معظم قواعده لا تؤمن بالديمقراطية والسياسة وتكتفى بالدعوة امتثالاً لفتاوى شيوخهم.

كما تصدرت رموز نظام مبارك المستبد الفاسد نفس المشهد سواء بخوض الانتخابات فردياً معتمدة على الخبرة والنفوذ والعائلات والمال، أو سواء من انضم منهم إلى القوائم والأحزاب الموجودة كما صرحت هذه الأحزاب بأنها تضم عدداً من أعضاء الحزب الوطنى المنحل ورجال أعماله بدعوى أنهم ليسوا فاسدين. وكأن الوجود داخل الهيئات العليا للحزب الوطنى ولجنة السياسات فى عصر مبارك، والتى وضعت سياسات أدت إلى خراب البلاد مع صمتهم على ذلك، ليس دليلاً كافياً على مشاركتهم فى سياسات الفساد التى ثار عليها الشعب المصرى. جاءت النتائج الأخيرة للجولة الأولى بعدد كبير من فلول نظام مبارك يصل كما تقول جريدة الوطن، إلى ما يقارب 70 نائباً من 226 نائباً فى المرحلة الأولى، 25 منهم فى قوائم حب مصر فى الصعيد وغرب الدلتا، و47 فردى. بدأ التصويت فى المرحلة الأولى للانتخابات يومى 17 و18 أكتوبر فى الخارج، و18 و19 أكتوبر داخل مصر، فى 14 محافظة من أصل 27 محافظة بالجمهورية. وكانت هناك مراقبة ومتابعة 87 منظمة منها 81 منظمة محلية، و6 منظمات أجنبية غير حكومية، بالإضافة إلى خمس منظمات حكومية أجنبية.

جرت الانتخابات وسط إجراءات أمنية مشددة فى وجود 185 ألف جندى بالجيش غير رجال الشرطة، مما أدى إلى سير العملية الانتخابية بشكل آمن، وحال دون وقوع حوادث تذكر.

ينبغى التأكيد على أن مشاركة الناخبين كانت ضعيفة نسبياً فى اليوم الأول مما اضطر الحكومة إلى إصدار قرار بإعطاء نصف اليوم الثانى أجازة للعاملين بالدولة لتمكينهم من الذهاب إلى صناديق الاقتراع. ونتيجة لضعف الإقبال بدأ الكثير من المرشحين من كل الأطراف فى شراء الأصوات وحث الناخبين على الذهاب وتسهيل نقلهم إلى المقار الانتخابية. تبارى فى ذلك الأحزاب المدنية وحزب «النور» الدينى. كل منهم ارتكب مخالفات انتخابية، وكل منهم ألقى اللوم على الآخر.

أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أنه فى الجولة الأولى من المرحلة الأولى أن عدد الناخبين فى تلك المحافظات يبلغ ما يقارب 27 مليوناً ونصف المليون. والذين أدلوا بأصواتهم 7287000 ناخب بنسبة 26.5%، وأن عدد الأصوات الباطلة 694 ألف صوت بنسبة 9.5% ممن انتخبوا.

وأقف هنا عند هذه النسبة لأنها تشير إلى نظام التصويت المعقد بالنسبة لمعظم المصريين، خاصة فى الريف المصرى وبعض المدن نظراً لتعود هؤلاء ولفترة كبيرة على الاختيار فى كل دائرة اثنين من المرشحين فقط، ولم يتم شرح كاف للنظام الجديد سواء من قبل منظمات المجتمع المدنى والأحزاب والإعلام واللجنة العليا للانتخابات والمرشحين أنفسهم. لم يقم أحد منهم بشرح واف وتوعية للناخبين والناخبات، حول نظام التصويت الذى يشتمل على القوائم من جهة، واختيار عدد من المرشحين الفرديين يختلف من دائرة لأخرى بين فرد واحد وأربعة أفراد حسب عدد سكان الدئرة.

كانت فترة الدعاية قصيرة وغير كافية، وبدلاً من أن يستغلها المرشحون فى تعريف الناخب ببرامجهم انشغلوا بالتلاسن والهجوم على بعضهم البعض، وساد الاتهام المتبادل بين من يؤمنون بالدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة، ومن يخلطون الدين بالسياسة ويحاولون التأثير على المصريين باعتبارهم شعباً متديناً بطبيعته.

كما قدم أعضاء الحزب الوطنى المنحل أنفسهم على أنهم النواب الذين يتمتعون بالخبرة ويخدمون الشعب، وأنهم سيوفرون لهم الخدمات كما تعودوا فى الانتخابات السابقة. بينما لم ينتشر الوعى الكامل حول دور النائب فى تشريع القوانين والعمل على تفعيلها ومراقبة أداء الحكومة. لقد أصبح لأعضاء البرلمان وفقا لدستورنا الجديد صلاحيات كبيرة فى مشاركة السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية فى إقرار خطة الحكومة والموازنة العامة للدولة وإقرار المعاهدات والاتفاقيات الدولية. تخلل هذا المشهد الانتخابى عزوف فئة كبيرة من الشباب الذى قدم الكثير فى ثورتى يناير ويونيه آملين فى تحقيق أحلامهم فى الحريات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وتخفيف المعاناة عن أهاليهم وتوفير المعيشة الكريمة كما نادوا وحلموا بالكرامة الإنسانية واستقلال الإرادة الوطنية، هؤلاء الشباب الذين انزعجوا ووجدوا أنفسهم فى مواجهة محاولة رجال نظام مبارك العودة مرة أخرى لتصدر الحياة السياسية. كما أنهم وجدوا أن القوانين الصادرة منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن ومنها قانون التظاهر «المخالف للدستور، والذى وقع ظلمه على الكثير من زملائه وزميلاتهم الذين يقبعون خلف القضبان لمجرد ممارسة حقهم فى التعبير السلمى» فى نفس الوقت الذى يرتع فيه الفاسدون خارج البلاد دون عقاب.

كما تم سن قوانين تنحاز للأثرياء على حساب الفقراء مع ازدياد المعاناة وارتفاع الأسعار وتردى الخدمات وانهيار المرافق دون وضع خطة متكاملة بعيدة المدى وقصيرة المدى للإصلاح يشارك فيها كل أبناء مصر، مما زاد الفجوة بين النظام الحاكم والشباب.