رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفن الراقى.. يجتذب الجمهور


الفن الراقى يجتذب الجمهور رغم أنف كل المفسدين والمغرضين والمتآمرين عليه، والذين يروجون تلك العبارة الركيكة الشهيرة «الجمهور عايز كده»، يا سادة عذراً الجمهور يقبل على الفن الراقى والفن الجميل الذى يقدم إليه بشكل متقن ومبدع ،،الجمهور المصرى لا يجد أمامه منذ سنوات سوى أعمال ودراما معظمها سطحية وسوقية ومليئة بالابتذال وبالألفاظ البذيئة والقبح والعنف بلا هدف سوى مخاطبة الغرائز والتدنى بالمستوى الأخلاقى، وسادت موجات متتالية من الكوميديا البذيئة والسوداء المليئه بأسوأ العبارات، وكأن المقصود هو تشويه المجتمع المصرى والهبوط بمستوى السلوكيات والأخلاق، وتقديم مسخ للمجتمع المصرى بحيث أن المشاهد يخرج بانطباع يسيء عن المجتمع وبلا مضمون أو متعة، وحتى الكوميدى أصبحنا نفتقد فيه القيم المصرية الأصيلة والسلوك الراقى، والضحكة من القلب، بل قليلة هى الأفلام والدراما الكوميدية التى تضحكنا من القلب ودون ألفاظ جارحة، إننى أحياناً ولست فى هذا وحدى بل أعتقد ملايين مازالوا يبحثون عن مشاهدة فيلم لنجيب الريحانى أو إسماعيل يس، ومسرحيات فؤاد المهندس وشويكار وبديع خيرى، ولم ننس مسلسلات مصرية ناجحة مازالت تعرض فى بعض القنوات ويقبل عليها المشاهدون مثل ليالى الحلمية ورأفت الهجان و القاهرة والناس، وغيرها من الأعمال الفنية الناجحة.

إن دليلى على أن الجمهور يجتذبه العمل الفنى الراقى هو ما رأيته فى المسرح القومى كل ليلة فالمسرح يعلق لافتة «كامل العدد» كل ليلة مع عرض مسرحية «ليلة من ألف ليلة» التى يقوم ببطولتها الفنان المبدع يحيى الفخرانى، والتى أضاءت خشبة القومى وأعادت الجمهور الغفير العاشق للفن إلى المسرح مرة أخرى.

إن المسرحية هى حكاية ممتعة من حكايات ألف ليلة وليلة فى زمن احد الخلفاء العباسيين، وتدور أحداثها فى مدينة بغداد العراقية حول شحاذ يدعى فقدان البصر ليتسول لقمة عيشه ولكنه يعيش من أجل إسعاد ابنته الوحيدة الجمى، ويدخل فى سلسلة مغامرات خطيرة لكنها طريفة تكاد تودى به إلى السجن وإلى الموت بسبب السرقة، ونرى سلسلة من التابلوهات الفنية الغنائية التى يغنى فيها الفخرانى بصوته ومن خلال تقمصه الشديد للشخصية ينجح فى شد انتباه الجمهور منذ اللحظه الأولى لظهوره على المسرح، وليؤكد لنا أن العمل الراقى والجذاب الممتع والهادف يمكن أن يجتذب الجماهير العريضة رغم كل شىء، ورغم موجة الهبوط الفنى والتى أعتقد أنها يمكن أن تنحسر لو اتجه المنتجون والفنانون إلى الأعمال الفنية التى ترتقى بالفن المصرى والتى يمكن أنتعيد لنا أمجاده كدور وكريادة، وبأرباح تعود على المنتج وعلى أسرة العمل، وعلى صناعة الفن المصرى ككل.

لقد نجحت مسرحية ليلة من ألف ليلة بسبب الاتقان والرغبة فى إنجاح العمل بكل عناصره ودون كلمة إسفاف واحدة أو عرى أو خدش لحياء المشاهدين، مما يؤكد أن مسرح الدولة يمكن أن يعود دوره وبقوة وبنجاح، فالمسرحية من تأليف الشاعر العبقرى المصرى بيرم التونسى، قدم لنا نصاً رائعاً و وصلات غنائية ممتعة بكلمات بسيطة، فيها رقى وفيها موسيقى تمتع الأذن، أما الإخراج والديكور والاستعراضات الفنية والتمثيل والموسيقى فكلها اجتمعت لتقدم عملاً فنياً رائعاً أمتعنا وأسعدنا فى زمن شح فيه وندر الفن الجميل، أما الحضور الطاغى ليحيى الفخرانى وإبداعه السهل الممتنع فتصدر المشهد، وكان العنصر الأول والأهم فى إنجاح هذا العرض، بهذا النجاح الجميل والذى أدعو كل الجمهور للذهاب لمشاهدته، وأستطيع بعد مشاهدة هذه المسرحية الرائعة للقدير يحيى الفخرانى أن أقول وبكل ثقة «الجمهور عايز فن راقى». وللحديث بقية غداً الجمعة.