رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المخترع الصغير.. بين تجاهل الإعلام واهتمام الرئاسة


بالتأكيد.. شاهدنا وسمعنا وقرأنا عن آخر تابلوهات الفنانة اللولبية صاحبة الشهرة المحلية والعالمية وصاحبة أعلى معدلات المشاهدة وبصمات الإعجاب والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعى وغير الاجتماعى و«اليو تيوب»، واحتلالها الغلاف الخارجى للمجلات الفنية فى كل الأوضاع التى تحقق القوة الشرائية، والتى هى الهدف والأساس فى كل الإصدارات التى تعمل على تغييب العقل والوجدان وتعبث فى تشكيل الإحساس الجمعى فى المجتمع المصرى.

ولكن.. هل سمعت عن المخترع المصرى الصغير وليد محمد عبادى طالب الإعدادى فى مدينة كفر الدوار إحدى مدن محافظة البحيرة؛ والذى اقتنص لقب «أصغر عالِـم فى العالم» لابتكاره منظومة مضادات مغناطيسية لمنع وصول الصواريخ للطائرات الحربية فى مسابقة عالمية فى تخصص Nanotechnology، والتى أقيمت فى إيطاليا الأسبوع الماضى؛ وتفوق هذا الطالب على ممثلين من مائة وعشرين دولة حول العالم، أبرزها الهند والصين وكوريا، كما تم منحه وسامى العبقرية والشرف من الكلية الفنية العسكرية!

كل هذا والإعلام المصرى المفترض أن يكون أول من يهتم بهذا الأمر، لم ينطق ببنت شفة ولم يشر من قريب أو من بعيد عن هذا الخبر، لأن الدورى الكروى قد بدأ ويشغل كل الوقت، وعرض «شوطة» عشوائية دخلت إلى المرمى الخالى من حارسه أجدى وأنفع فى نظرهم من الإضاءة الواجبة على هذا المخترع الصغير الذى خرج من غياهب الكفور والنجوع فى محافظة البحيرة، وكأن المسألة برمتها لا تهم أحدًا من العاملين بحقل الإعلام حتى الآن، والأمل كل الأمل أن ينتبه السادة الإعلاميون إلى هذا الحدث الجلل ويتم تسليط الأضواء عليه، ليكون حافزًا لأجيالنا الجديدة التى

تشاهد وتسمع وتتأثر وجدانيًا بكل الأحداث على الساحة، وربما تكون مبادرة رئاسة الجمهورية باستضافة المخترع الصغير لمدة أربعة أيام بقصر الرئاسة على نفقة الدولة، تكون حافزًا إيجابيًا للتليفزيون المصرى وكل وسائل الإعلام؛ للاهتمام الواجب بكل البراعم الصاعدة الواعدة فى عالم الاختراعات الجديدة التى تسهم فى صنع مستقبل أفضل لكل منجزاتنا، واحترامًا لكل العقول الشابة التى تفكر فى صالح الوطن.

واقع مرير يكاد يُبكينا ويزيدنا حسرة فى كل لحظة، وما قد يخفف بعضَا من الألم والمرارة هو هذا الاهتمام الذى بدأ من الرئاسة، ولكن ومع كل الاحترام لهذا الاهتمام فهو غير كاف، لأن مؤسسة الرئاسة لها استراتيجيتها العليا وأن هذا الشأن يخص المؤسسات العلمية والبحثية التى يجب أن تتبنى هذه العقول، وحتى لاتضيع المواهب فى زحمة الحياة وكأنها تحرث فى البحر، ومن المؤكد أن مؤسسة الرئاسة بكل مالها من ثقل واحترام أرادت أن تعطى المثل والقدوة وإطلاق جرس التنبيه وربما التحذير لكل المراكز العلمية والبحثية بأن تضطلع بالمهام المنوطة بها وعليها.

يقع عبء الأخذ بيد كل العقول العبقرية المتفردة لتخرج إلى الوجود لتخدم المجتمع فى كل المجالات الحياتية ومجابهة كل المشاكل التى تتراكم على سطح حياتنا الآنية.

وبما أن الشىء بالشىء يذكر، فلقد كانت النوادى الرياضية الكبرى فى مصر تعتمد اعتمادًا كليًا على انتشار «الكشافين» الذين يجوبون كل أنحاء مصر؛ للبحث عن أصحاب المواهب الكروية وغير الكروية الذين يمارسون اللعب فى الشوارع والطرقات، ليلتقطوا بالعين الخبيرة أصحاب اللمسات الفذة والبنيان القوي؛ والقيام بضمهم إلى صفوفهم برعاية كاملة وإخضاعهم لبرامج مكثفة من حيث التغذية والتدريب والعلاج على أسس علمية بحتة، ثم يدفعون بهم بعد صقلهم المنشود إلى صفوف الفرق الرياضية المختلفة ليحصدوا عن طريقهم البطولات المحلية والقارية.

أليس الأجدر بمؤسساتنا العلمية والبحثية أن تكون لها الريادة فى القيام بمثل هذا الدور الخلاق، والبدء فى تكوين فرق بحث جادة لتكتشف هذه المواهب الشابة فى كل المجالات العلمية، لتبدأ حلقات المناقشة والتحليل مع كل من يتقدم باختراع ليس موجودًا على الساحة، ولا يجب أن يكتفى بقبول الاختراع فقط، ولكن المهم هو البدء فى رصد الميزانية المالية اللازمة لخروج هذه المبتكرات إلى حيز التنفيذ العملى فى أركان المجتمع للاستفادة الحقيقية بكل اختراع قدمته هذه العقول التى أنفقت عليهم الدولة فى كل المراحل التعليمية، ونكون بهذا قد حققنا الاستثمار.

المنتظر فى العنصر البشرى الذى يعتبر عصب الأمة وعمادها، ننتظر البداية الجادة لتخرج ملايين الأبحاث والرسائل العلمية الموجودة فى الأدراج إلى حيز التنفيذ، وحتى لا يهرب شبابنا بعقولهم إلى الخارج ويمنحون موهبتهم الفذة لدول أخرى تقوم على رعايتهم والتكفل بإنتاج ما أبدعته قريحتهم العلمية، ثم إعادة تصديرها إلينا بأغلى الأثمان، ويصدرون معها الحسرة إلى قلوبنا وعقولنا لنعض على النواجز ندمًا على هروب عقولنا إلى خارج الحدود.. ترى هل من مجيب أم سأكون ممن يرفعون «الأذان» فى مالطة؟