رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصورة الحالية فى الانتخابات البرلمانية


كان لى شرف المشاركة فى بعض المؤتمرات الانتخابية خلال الأسبوع الماضى فى البحيرة الإسكندرية أقامها عدد من المرشحين الذين يحملون هموم الوطن وهموم فقراء الشعب المصرى، حالمين بالدخول إلى البرلمان للدفاع عن مصالح هذا الشعب العظيم، وتشريع قوانين تترجم مبادئ الدستور المصرى فى إرساء دولة القانون والعدالة، إرساء دولة مصر القوية الحرة الأبية لتعود من جديد قلب ونبض الأمة العربية، وتشريع قوانين للتنمية الشاملة وتوفير فرص العمل والوظيفة للقضاء على البطالة...

... فالعمل حق من حقوق المواطنين والمواطنات، تشريع قوانين لتجريم التمييز ومعاقبة من يرتكب هذه الجريمة وفقاً للمادة 53 من الدستور المصرى. كما تناولت برامج هؤلاء المرشحين:

محاربة الفقر والجهل والمرض للقضاء على التطرف والمتاجرة بمشاعر المواطنين..محاربة الفساد فى كل مؤسسات الدولة، وتطبيق القانون على الجميع دون تمييز.. وقف الضغط على الفقراء، ووقف تحميلهم أعباء الأزمة الاقتصادية لصالح الأغنياء والحيتان الذين يكنزون المال ويهرّبون الثروة للخارج.

وكان بين المرشحين عدد من الشباب الواعد الحامل لراية المستقبل، الشباب الذين شاركوا فى ثورتى يناير ويونيه، وما زالوا يدافعون عن تحقيق مبادئ الثورتين فى الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والدفاع عن حق المواطن فى تطبيق قانون التأمين الصحى الاجتماعى الشامل لكل المواطنين وضد كل الأمراض، وحق المواطن فى تعليم ينمى المعرفة والمهارات والانتماءويواكب التقدم العلمى والتكنولوجى فى العالم، وليس التعليم الحالى الذى يقوم على الحفظ والتلقين والانغلاق، مما يساعد على نشر الأفكار المتطرفة. نريد جميعاً حق الشعب فى الصحة والتعليم والسكن والمياه النظيفة والصرف الصحى.

دعونى فى السطور القادمة أضع أمام الجميع بعضاً من مكونات الصورة الحالية فى الانتخابات البرلمانية. يتصدر الصورة عودة هائلة للمرشحين الممثلين للنظامين اللذين ثار عليهما الشعب المصرى بثورتين. ثورة يناير 2011 على نظام الفساد والاستبداد والتبعية وعدم استقلال الإرادة الوطنية، نظام تزاوج رأس المال بالسلطة، نظام أدت سياساته إلى خراب البلاد وتجريفها اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً، نظام تاجر بكل شىء وأى شىء من أجل نهب ثروات البلاد وتكنيزها لصالح 1% من الشعب المصرى، نظام عمل على تقزيم دور مصر فى محيطها العربى والإفريقى والدولى، نظام الرئيس المخلوع مبارك. وثورة يونيه 2013 لإسقاط نظام لم تختلف مصالحه عن سلفه كثيرًا، بل فاقه جرماً بالمتاجرة بالدين والتفريق بين فئات الشعب المصرى، وإشعال الفتن الطائفية والمذهبية، وحاول سرقة مصر وتغيير هويتها، فكان جزاؤه خروج الشعب المصرى بالملايين لعزله واستعادة مصر الحبيبة إلى شعبها.

للأسف، الصورة هكذا، تشمل مساهمة نشطة لكثير من الرموز التى ثار الشعب عليها، ويتم استخدام جميع الوسائل التى كانت تستخدم فى العهود السابقة، والتى كانت تعتمد على الارتباطات العائلية والقبلية والاعتبارات النفعية، وماذا سيقدم المرشح لدائرته من خدمات، لأن الناخبين والناخبات، فى السنوات السابقة تعودوا على أن دور النائب هو الخدمات، رغم أن الخدمات مكانها الحقيقى فى المجالس المحلية التى تحولت إلى أماكن تربع وعشش فيها الفساد لغياب دور الدولة فى المرحلة السابقة فى تقديم الخدمات وغياب الرقابة والمحاسبة والمساءلة. كما يتم استخدام المال السياسى، سواء من جانب كبار الاحتكاريين والتجار الرأسماليين الكبار أصحاب المال والجاه والحسب والنسب، ويستخدم المال إما مباشرة أو فى صورة مواد غذائية ومنتجات عينية من زيت وسكر ولحوم وبطاطين وأدوية، فى استغلال مذل لحاجة المواطن ومعاناته. والكارثة أيضاً استخدام الدين لجذب أصوات المواطنين، ناسين أن الشعب المصرى الواعى الذى اعتاد الثقة فيهم وإعطاءهم صوته من قبل، لن يثق فيهم مرة أخرى بعد أن انكشفوا أمامه بدعاويهم التى تقوم على الكذب لتحقيق مصلحتهم.

وبالتأكيد هذه الصورة القاتمة ستكون من الأسباب لعزوف قطاعات كبيرة من الشعب المصرى عن المشاركة فى الإدلاء بصوتهم تشمل قطاعات من الطبقة الوسطى، وفئات من الشعب المصرى ومنها الشباب الذى تخيل أنه بمجرد قيام الثورة ستنتهى كل المشاكل وسيتحقق مجتمع الخير والعدل والحرية والمساواة. هؤلاء الشباب الذين قدموا الكثير ومنها دم زملائهم الشباب، ولم يزل الحال هو الحال، والسياسات هى السياسات، والمعاناة كما هى، بل وتزداد بالغلاء الفاحش وارتفاع الأسعار يوماً بعد يوم، وتوالى صدور القوانين التى تكرس الامتيازات لقلة من الكبار على حساب فقراء الشعب، وهم الأغلبية. الشباب ينظر إلى هذه الصورة فيحبط ويعزف الكثيرون منه عن المشاركة.

ولكننى وبالرغم من هذه الصورة أدعو الشعب المصرى وشبابه إلى المشاركة فى الانتخابات، فالتغيير يبدأ بخطوات بدأناها جميعاً، ولابد من استكمالها، ولابد من الخروج للمشاركة وبكل قوة فى الانتخابات البرلمانية لإنجاح من يعبرون عن الشعب المصرى وعن مصالحه الحقيقية، لأن قوى اليمين المتاجرة بالدين وبالمال ستعمل بكل همة لحشد جمهورها من الناخبين فى صناديق الانتخابات برفع سعر الصوت الانتخابى، وتوفير وسائل الانتقال إلى المقار الانتخابية.

عودتنا البرلمانات المتوالية أن وجود عدد ولو قليل من الذين يحملون هموم الشعب ويدافعون عنها بقوة أمام البرلمان، ويتحلون بالشجاعة والجسارة لمراقبة الحكومة ومحاسبتها، يلعب دورا مهماً فى فضح القوانين المعادية للشعب، بل وإيقافها أو إلغائها، وخصوصاً مع تصاعد الحركة الشعبية الواعية بمصالحها من خارج البرلمان.

إن الاستسلام للأمر الواقع معناه الرجوع إلى الخلف، وهذا هو المستحيل بعينه، فالمقاومة السلمية يجب أن تستمر من أجل التغيير.