رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غياب الرؤية الشاملة.. لا يبنى بلداً


سألنى البعض: على أى أساس يتم اختيار الوزراء؟ وعلى أى أساس تتم مساءلتهم؟ وهل خرج علينا أى وزير بخطة ذات رؤية كاملة وشاملة للوزارة المسئول عنها؟ خطة تشمل الرؤية والأهداف وأساليب تحقيقها وتدبير الموارد المالية والموارد البشرية المؤهلة والمدربة لتنفيذ هذه الخطة، والمدة الزمنية لتحقيقها، وأهم المعوقات وسبل التغلب عليها وتحقيق الخطة كاملة؟...

... هل كل الحكومات التى جاءت بعد 25 يناير 2011 خرجت على الشعب المصرى وعرضت عليه من خلال الصحافة ووسائل الإعلام والعرض على نواب الشعب، لتوضح ما الرؤية الشاملة لحل أزمات مصر، ولبداية حقيقية لإعادة بنائها داخلياً وإعادة دورها العربى والأفريقى والدولى؟

هل قدم أى رئيس وزراء فى أى حكومة جاءت، رؤية متكاملة شاملة تعمل على ضوئها كل الوزارات، كل فى مجاله، اقتصادياً كان أو خدمياً، داخلياً أو خارجياً؟ هل خرجت علينا حكومات ما بعد 30 يونيه 2013 بخطة واضحة لمواجهة الأزمات التى ورثتها مصر فى كل المجالات فى الصناعة والزراعة؟ هل وضعت خطة لتشغيل قوة العمل المصرية بكامل طاقتها للقضاء على البطالة؟

للأسف الشديد، كانت كل حكومة تتحرك وفق خطة العمل يوم بيوم، أو ينظر البعض من الوزراء تحت قدميه ويتحرك خطوة بخطوة، بل ويتحرك كل وزير فى جزيرة منعزلة عن الوزارات الأخرى، وليس وفق استراتيجية متكاملة وخطة زمنية محددة.

هل تتذكرون جميعاً حينما كان يصحو الشعب المصرى فى أى مدينة أو حى أو شارع ليجد الشارع محفوراً لإمداد مواسير المياه النقية، ثم يتم رصف الشارع. وبعد بضعة أيام يتم حفره مرة أخرى لمد كابلات الكهرباء، ثم يتم رصف الشارع. ثم بعد بضعة أيام يتم حفره مرة ثالثة لمد أسلاك التليفونات، ثم يتم رصف الشارع! ثم وللمرة الرابعة يتم حفره من أجل مواسير الصرف الصحى، ثم يتم رصفه أو لا يتم، «مش مهم»، فلقد تعودنا نحن المصريين على الحفر والمطبات والبالوعات المفتوحة بلا غطاء التى تبتلع العشرات من فلذات أكبادنا ورجالنا ونسائنا.

ألا يعنى هذا المشهد الجنونى العبثى أن كل وزارة تعمل وحدها فى جزيرة منعزلة عن الأخرى؟ هذا يعمل بنية حسنة تجاه رجال المال والأعمال، وتجاه اتحاد الصناعات، على حساب المنتجين الحقيقيين، وعلى حساب المصانع المغلقة التى لا يتم فتحها وتشغيلها.

وهناك مشهد عبثى آخر: إصدار عدد من القوانين دون مناقشة مجتمعية مع المعنيين بهذا القانون، مثل قانون الخدمة المدنية، الذى لم تتم مناقشته مع ستة ملايين ونصف مليون من الموظفين بالدولة، مما أثار أزمة كبيرة لم تحل حتى الآن.

هذه الدولة التى ورث وزراؤها فكرة أن لكل وزير عزبته يصدر ما يشاء وينفذ ما يشاء، «وعلى المتضرر أن يخبط دماغه فى الحيط»! فنحن الدولة ولا يمكن مراجعة أى قانون لأن ذلك يقلل من هيبة الدولة، ولا يستطيع أى أحد من عامة الشعب أن يلوى ذراع الوزير أو الدولة!

وزير آخر يصدر قراراً يخص قطاع الزراعة فى مصر دون دراسة سلبياته على الفلاح المصرى، وعلى المصانع التى تستخدم هذه المحاصيل كمادة خام، ودون دراسة تأثيره على التصدير والاستيراد، أو إغراق السوق بسلع تضر بمنتجاتنا المحلية، أو ترفع أسعار السلع. أو مثل من صرح بأن الحكومة تنوى تخفيض قيمة الجنيه المصرى أمام الدولار، دون دراسة كاملة للآثار السلبية على السياسة النقدية.

هل يمكن أن تقدم لنا الحكومة الجديدة رؤية وخطة شاملة استراتيجية يتم مناقشتها من أجل صالح الشعب وبلدنا مصر؟ أم إنها ستتعامل معنا على أنها حكومة انتقالية مثل كل الحكومات السابقة، تعمل يوماً بيوم؟

فى البلاد التى تريد التقدم والبناء والخروج من الأزمات الخانقة والعمل على زيادة وتنمية مواردها الطبيعية والبشرية، لابد من هذه الرؤية الواضحة ولا بد من الحرب على الفساد، حرب لا هوادة فيها، تعمل على تطهير الفاسدين واقتلاع الأسس والقوانين واللوائح التى مكنت من نمو الفساد حتى أصبح اخطبوطاً تلف أذرعه كل مؤسسات الدولة.

فى البلاد التى تريد التقدم والبناء لابد من الاهتمام وزيادة ميزانية التعليم والبحث العلمى والصحة، فتقدم الأمم يقاس الآن بحجم إنفاقها على الصحة والتعليم. فى البلاد التى تريد التقدم والبناء لابد من القضاء على الفجوة بين الجنسين، والعمل على إدماج المرأة فى الاقتصاد وفى كل المجالات وفى مواقع صنع القرار، حتى تنهض البلاد.

فى البلاد التى تريد التقدم والبناء لابد من أسس لتوفير مواردها وعلى رأسها الضرائب التصاعدية مثل كل بلدان العالم، ولا تتعامل بحسن نية مع كبارات المحتكرين الأثرياء الذين يتهربون من دفع الضرائب، والتى هى حق البلد الذى نعيش فيه جميعاً.

البلاد التى تريد التقدم والبناء تعمل على خطة تنمية إنتاجية شاملة تصل بالبلاد إلى الاكتفاء الذاتى أولاً ثم التصدير، فاستقلال الإرادة الوطنية وعدم التبعية يعنى الاستقلال الاقتصادى والبناء والتنمية.

البلاد التى تريد التقدم والبناء لابد من أن يكون لها منظومة ثقافية وإعلامية تكرس ثقافة وقيم الحريات والإبداع والتنوير والمواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص، وعدم التمييز. ثقافة تعلى من قيمة العمل والشرف والضمير.

الحرب على الإرهاب، الحرب على الفساد، الحرب على الفقر، الحرب على الجهل والأفكار المتطرفة الظلامية، كلها مهام للحكومة القادمة. هل من مجيب؟