رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ياسر عرفات.. أيقونة النضال الفلسطيني الذي مات دون أن يسقط الغصن الأخضر من يده

ياسر عرفات
ياسر عرفات

"من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه".. آية قرآنية تتردد في الآذان كل عام مع حلول ذكرى ميلاد أسطورة فلسطينية، بطلها رجل من أغلى الرجال المناضلين، أمضى حياته فارسًا مغوارًا، ومناضلًا محنكًا وبطلًا سياسيًا، كان نضاله بمثابة البركان الثائر وهو مارده الغاضب في وجه الاحتلال.

اليوم هو ذكرى ميلاد المناضل الفلسطيني "ياسر عرفات".. الذي مثل أيقونة المقاومة الفلسطينية وقائدها، وخاض صولات وجولات في وجه الاحتلال الإسرائيلي، منذ أن كان إحد أعضاء منظمة التحرير الفلسطينية.

ولد ياسر عرفات في القاهرة عام 1929 لأسرة فلسطينية، وتلقى تعليمه الأساسى والمتوسط في مدارس القاهرة، وبعد ذلك قرر الدراسة في جامعة القاهرة ودخل كلية الهندسة، وأثناء حرب فلسطين سافر مع عدد من زملائه لمحاربة اليهود، وانضم إلى الجيش المصرى أثناء حروبه في غزة ليعود بعد قضاء فترة من الوقت بسبب نقص الدعم اللوجستى.

ترأس "ياسر عرفات" منظمة التحرير الفلسطينية عام 1969، وكان ثالث من تقلد هذا المنصب منذ تأسيس المنظمة عام 1964 بعد "أحمد الشقيري ويحيى حمودة"، وقبل ذلك أسس مع رفاقه في حركة فتح، أكبر الحركات في منظمة التحرير الفلسطينية عام 1957 وتولى قيادتها بشكل عام.

كما أسس "عرفات" في أعقاب حرب 1967، حلقات تدريبية لعدد من الشباب الفلسطيني على عمليات المقاومة ضد الكيان الصهيوني من خلال التسلل لنهر الأردن عبر الحدود، ومن خلالها تم توجيه ضربات قاتلة لأسرائيل.

الأمر الذي لاقى هجومًا عنيفًا من العدو الإسرائيلي، بعدد من الدبابات والأسلحة الإسرائيلية لتفتيت قواعد المقاومة الفلسطينية، ولكنها بائت بالفشل وظهر من خلالها قوة وبطولة المقاومة الفلسطينية وتصديها لضربات العدو بأقل الإمكانيات.

أطلق الراحل عام 1988، أول مبادرة سلام فلسطينية داخل أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، تمهيدًا لبدء المسار السياسي لحل القضية الفلسطينية، ووقّع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "إسحاق رابين" عام 1993 اتفاق إعلان المبادئ المسمى باتفاقية "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية.

وفي عام 1996 انتخب رئيسًا للسلطة الوطنية الفلسطينية، وبدأ مشوار بناء الدولة الفلسطينية، عمل كل ما بوسعه لتجسيد "استقلال فلسطين"، الذي أعلنه في الجزائر عام 1988، ورحل بعد أن أنجز الكثير في ظروف معقدة محلية وإقليمية ودولية.

ويظل ياسر عرفات على الرغم من النكسات الكبيرة التي تواجهها المسيرة السلمية في الشرق الأوسط رمزًا فريدا للنضال الفلسطيني، وقائدًا ترك غيابه فراغًا كبيرًا يرجع إليه البعض بدرجة كبيرة حدوث انقسام فلسطيني داخلي بين رام الله وغزة منذ عام 2007 وحتى العام الحالي.

"غصن الزيتون في يدي وبندقية الثائر في يدي، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، كلمات رنانة للزعيم الراحل ياسر عرفات رجت جدارن الأمم المتحدة حينما ألقى كلمة فلسطين بها عام 1974، رافعًا غصن الزيتون.

ولم تكن المرة الأخيرة التي نادى فيها البطل وتمسك بالسلام والغصن الأخضر، فحدثت مرة أخرى عام 1993، حينما نادى للعمل من أجل سلام الشجعان عندما تم توقيع اتفاقية إعلان المبادئ في واشنطن، داعيًا للعمل من أجل إحلال السلام القائم على العدل، لا السلام القائم على الظلم والاضطهاد.

وعى الزعيم الراحل عرفات أبعاد النكبة التي حلت بشعبه عام 1948، فقرر أن يسخر حياته لإزالة أثارها وعودة الحقوق إلى أصحابها، رافعا شعلة أضاءت للشعب الفلسطيني طوال واحد أربعين عامًا طريقًا حالك الظلام نحو فلسطين، استطاع أن يعيد القضية الفلسطينية إلى فلسطينيتها.

وفي عام 2001 فرضت الحكومة الإسرائيلية برئاسة "ارئيل شارون" عليه الحصار في المقاطعة في رام الله، وهذا الحصار دام حتى ساعة استشهاده، وحينها دمرت قوات الاحتلال أجزاء كبير من مبنى المقاطعة، وقصفت المبنى وبداخله الرئيس "ياسر عرفات" ورفاقه ومعاونيه مرات عديدة بقذائف الدبابات والطائرات، وهددت أكثر من مرة بتدمير المبنى على رؤوس من بداخله.

ليس هذا فحسب بل قصفت قوات الاحتلال جميع مقرات الرئيس في قطاع غزة والضفة الغربية، كما دمرت مطار غزة الدولي وطائرات الرئاسة المروحية لمنع تنقل الزعيم ومتابعته لأمور شعبه.

ورحل المناضل "عرفات" تاركًا الغصن الأخضر ملوثا بدماء شهداء فلسطين وغزة، تاركًا جرحًا لم يندمل فقد كان طبيبًا لكل الجروح، وظلامًا لم ينقشع فكان الشمعة التي أضاءت سواد الاحتلال طوال 40 عامًا.