رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وفى الليلة الظلماءِ يفتقدُ البدر


سيذْكُرنى قَومى إذا الخيْلُ أقْبلت / وفى الليلة الظلماءِ يفتقدُ البدر.. نعم صدق الشاعر الجاهلى، ففى الأيام المعتمة بقبحها وتراجع الفكر المستنير نفتقد بدر الإبداع، وجماليات الفنون.. ولعل المشاهد المتابع لنسبة كبيرة من أعمال دراما رمضان، يفتقد أسماء كتاب الدراما الرواد أصحاب الدراية والدربة المهنية بفنونها.. لاشك أن الأصالة والانتماء الوطنى والتفهم الرائع للشخصية المصرية، والرؤية السياسية والتاريخية والنقدية الملتزمة بمصالح الوطن العليا والمرتبطة بأحلام البسطاء وآمالهم، كلها كانت ركائز رائعة لدراما المبدع القدير أسامة أنور عكاشة.. ونحن نعيش زخم دراما رمضان التليفزيونية خلال الأعوام الأخيرة، والتى اتسمت فى معظم أحوالها ومكوناتها ــ للأسف ــ بتفهم غريب يبتعد تماماً عن أبجديات وأصول الكتابة الدرامية وحرفية نقل الواقع وفق رؤى فنية لا تزيف صورته أو تنقله «بعبله» كما نقول بعاميتنا المتعارف عليها.. إما دراما كوميدية مفتعلة ساذجة لا تقدم سوى اسكتشات غير مرتبطة وتتسم بثقل ظل فاق كل توقعات كل من تابعها، ودراما بوليسية سوقية لاستعراض عروض إشهار المطاوى والسيوف ورماة «المولوتوف».... والكلام لا ينتهى عن معاناة المشاهد مع دراما «الرداءة والتخلف».. وكنت قبل وفاة كاتبنا الكبير أسامة عكاشة بشهور قليلة قد التقيته على صفحات مجلة «المصور»، وأجد من المناسب أن نعرض بعض من رؤاه لنقترب من فكر المفكر الراحل..

قال عكاشة عن حال الإبداع فى مصر المحروسة «على مستوى الإبداع الأدبى والفنى، الأمر ليس له علاقة بالوضع السياسى أياً كان إيجابياً أو سلبياً، فالمبدع يبدع معارضاً أو مشايعاً أياً كان موقفه السياسى ولدينا مثال رائع فى الراحل العظيم نجيب محفوظ فقد ظلت كتاباته عبر أربعة عصور من عهد الملكية وحتى عهد عبدالناصر والسادات وعهدنا الحالى، ولم يثنه عن إبداعه وطرح فكره أى ظروف تاريخى أو متغير ما طرأ على البلاد، المجيدون يبدعون ويكملون رحلات إبداعهم فى كل الظروف.. لكن يمكن القول إنه ـ وللأسف ـ تزايدت فى الفترة الأخيرة أشكال الإنتاج الردىء، حيث النماذج الفنية الرديئة غالبة والمزاج العام للمتلقى صار مزاجاً ـ للأسف ـ متخلفاً وبشكل خاص فى مجال الفنون الغنائية وبعض النماذج السينمائية والتليفزيونية.. هناك قلة من المبدعين الجادين.. وأرى أن الظرف الاقتصادى والاجتماعى الضاغط أسهم فى أعراض تلك الأمراض فإذا كان المرض يعلن عن وجوده فى المرضى بأعراض ارتفاع درجة الحرارة أو ظهور بثور وطفح جلدى، فإن الفنون الرديئة هى بمثابة الطفح الجلدى الذى شوه جسد المريض والوطن».

وعن أهمية إقامة حوار وطنى قال عكاشة «لا يمكن أن نُقبل على حوار وطنى إلا إذا خطونا خطوة أولى لابد منها وهى الاعتراف لأنه من حق الجميع وبشكل يتساوى فيه كل الناس فى التعبير عن ذواتهم بمعنى تطبيق كلمفاهيم الحرية وتطبيقاتها الديمقراطية المتعارف عليها فى كل الدنيا.. قد لا نتفق فيما بيننا على الشكل.. جمهورى برلمانى أو رئاسى فهذه مجرد تفاصيل يمكن الاتفاق عليها فى مجال تحديد شكل الديمقراطية فى مرحلة تالية، وعندما نخطو هذه الخطوة نستطيع أن نجلس ونتحاور.. قبل تحقيق تلك الخطوة سيبدو أننا نضع العربة أمام الحصان، وهذا لا يوجد حالة حوار أو حالة تفاهم مجتمعى أو قومى على أى أمر من الأمور، وبالتالى لا يمكن الوصول إلى تحديد ملامح مشروع قومى.. فى البدء كانت الحرية وفى الحرية البدء بوجود آليات الديمقراطية، وهى ليست مجرد شعار بل هى حالة يجب أن يعيشها الناس بلا محاذير أو بناء تدريجى، أو القول والادعاء بأن الجماهير لم تبلغ بعد من الوعى والإدراك ما يؤهلهم للتواصل مع حلم الديمقراطية وممارستها وتحمل تبعاتها.. إنه أمر غير مقبول».