رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأرمن وكنيستهم


فى الليلة الفاصلة بين الرابع والعشرين والخامس والعشرين من شهر أبريل 1915، تم إلقاء القبض على النُخب المُثقفة الأرمينية وإعدامها فى مدينة إسطنبول، والذين بلغ عددهم ما يُقارب مليوناً وثلاثمائة ألف شخص، وفى ذكرى تلك الجريمة الدولية يليق بى أن ألقى الضوء على تاريخ الكنيسة الأرمينية التى تشترك فى الإيمان مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، حتى أن الكنيسة القبطية تذكر فى قداساتها اسم القديس «غريغوريوس الأرمنى».

فى سنة 37 م وصل إلى أرمينيا القديس تداوس أحد تلاميذ السيد المسيح للكرازة بالإنجيل بين شعب أرمينيا والتى استمرت كرازته بها حتى سنة 45م، ثم حضر القديس برثلماؤس أيضاً أحد تلاميذ السيد المسيح واستمر فى كرازته بها حتى سنة 60 م. وبذلك تكون المسيحية قد انتشرت فى أرمينيا ووجدت بها كنيسة مُنَظمة لها أساقفتها وخدامها منذ القرن الأول الميلادى. فالعديد من المخطوطات تضم أسماء أساقفة أرمن فى منطقة «أرداز» والذى سُمى كرسيها «كرسى القديس تداوس»، فضلاً عن وجود شهداء مسيحيين أرمن من القرن الأول الميلادى ما تزال الكنيسة الأرمينية تحتفل بذكرى استشهادهم مثل القديسة «سانتوخد» ابنة الملك «سانادروك»، والألف شهيد الذين استُشهدوا مع القديس برثلماؤس، واضعين بدمائهم الطاهرة أساس الكنيسة الأرمينية المقدسة.

لقد أطلقت الكنيسة الأرمينية على القديسين تداوس وبرثلماؤس لقب «المُنوران الأولان»، وتحول مدفن القديس تداوس فى «أرداز» «ماكو حالياً» والقديس برثلماؤس فى «أغباك» «فاسبوراكان حاليًا» إلى مزار مُقدس يقصده الزوار المؤمنون من كل مكان للتبرك والصلاة وإيقاد الشموع. وحسب التقاليد الموروثة بالكنيسة الأرمينية، فإن القديس تداوس أحضر معه إلى أرمينيا الحربة المُقدسة التى طعن بها الجندى الرومانى جنب السيد المسيح على الصليب للتأكد من موته «كما ورد فى أنجيل القديس يوحنا 19: 31 37»، والمنديل المُقدس الذى عليه طُبعت صورة وجه السيد المسيح. أما القديس برثلماؤس فقد أحضر معه صورة السيدة العذراء مرسومة على الخشب.

ثم بعد استشهاد الرسولين، أكمل عملهما الكرازى تلامذتهما والأساقفة، وانتشرت المسيحية فى أرمينيا - بشكل سرى خلال القرون الثلاثة الأولى، وانتشرت المسيحية فى كل مدن أرمينيا مع زيادة الاضطهادات، ويذكر المؤرخ الكنسى «أوسابيوس القيصرى» اسم الأسقف الأرمنى «ميهروجان»، الذى كان من الوجوه البارزة والمعروفة فى الإسكندرية «مركز كرازة واستشهاد القديس مرقس الرسول» فى النصف الثانى من القرن الثالث الميلادى، وقد بعث أسقف الإسكندرية «الذى يحمل لقب بطريرك» «ديونيسيوس» عام 254م برسالة إلى الأسقف «ميهروجان» تتناول موضوع التوبة. ففى خلال القرون الثلاثة الأولى صارت المسيحية دين الدولة والشعب على يد «كريكور» المنّور والملك «درتاد» الثالث عام 301م. فى «فاغارشاباد» عاصمة أرمينيا آنذاك، شرع «كريكور» المنّور فى بناء أول كاتدرائية مسيحية فى العالم هى كاتدرائية «إيتشميادزين» التى تعنى فى اللغة الأرمنية «موضع نزول الابن الوحيد». وهكذا أصبحت «إيتشميادزين» مقراً للكنيسة الأرمنية لكنه تنقل لعدة أماكن بسبب الاضطرابات - وأصبح القديس «كريكور» الكاثوليكوس «الجاثليق» الأول لأرمينيا على كرسى القديس تداوس. وقد منحته الكنيسة الأرمينية لقب «لوسافوريج» أى المنّور لأنه قام بتنوير الأرمن بنور الإيمان المسيحى. ثم خلفه القديس «أريستاكيس» الذى مثّل الكنيسة الأرمينية فى مجمع نيقية المسكونى عام 325م.

أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الإسكندرية