رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعلان شرم الشيخ.. والعدالة الاجتماعية


أشار إعلان شرم الشيخ فى نهاية القمة العربية السادسة والعشرين إلى أن مفهوم الأمن القومى العربى ينصرف إلى معناه الشامل وأبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية لصيانة استقلال الدول وسيادتها وسلامة أراضيها، وأشار أيضاً إلى المضى قدماً فى مسيرة التطوير والتنوير وترسيخ حقوق المواطنة وصون الحريات الأساسية والكرامة الإنسانية وحقوق المرأة العربية وتحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية.

... وجودة التعليم، كما أشار إلى دور المثقفين العرب ووسائل الإعلام ودور التعليم فى نشر الاعتدال والتسامح والتصدى للأفكار المتطرفة التى التى تنتشر ويكون نتيجتها تقسيم الدول على أساس عرقى ودينى وطائفى.

وفى الوقت الذى تم فيه ولأول مرة تفعيل مطلب قوة عربية عسكرية مشتركة للدفاع عن الأمن القومى العربى ووضع آليات لتنفيذها وخطة زمنية محددة وتشكيل قوة لحفظ السلم والأمن العربى لم يتم وضع خطط للبعد الاقتصادى لتحقيق تنمية اقتصادية تعتمد على الموارد العربية البشرية والمالية والثروات الطبيعية والتعدينية والتى تكفى إذا ما أحسن استخدامها لوضع الأمة العربية فى مصاف الدول الكبرى وتحقيق الرخا ء للشعوب العربية وتقليل الفجوة الفاحشة بين القلة التى تستحوذ على السلطة والمال والأغلبية العظمى التى تقع تحت خط الفقر فى جميع البلدان العربية.

إن الأمن القومى العربى لا ينصب فقط على مواجهة الدول المعادية الكبرى وأدواتها فى الداخل التى تشعل الفتن والدمار ولكن أيضاً وكما قيل فى القمة بتحقيق مطالب الشعوب فى الحياة الكريمة وحق الصحة والتعليم والسكن والغذاء وحق العمل وتشغيل ما يزيد على 17 مليون عاطل عربى وفقاً للإحصاءات الرسمية. لقد قامت الثورات العربية نتيجة لظروف متشابهة فى كل البلدان وهى استمرار النظم الحاكمة لعشرات السنوات والتى تقوم على الاستبداد والفساد وعدم الشفافية والاستئثار بالسلطة ورأس المال ولاتقوم بأى تنمية حقيقية وتخضع لشروط البنك الدولى وصندوق النقد الدولى فى إعادة هيكلة الاقتصاد الذى يقوم على السوق الحر وعلى خصخصة الشركات والمرافق والخدمات. نظم تقوم بنهب المال العام وانتهاك الحريات ومواجهة المعارضة الفعلية والحقيقية فى بلدانها، ونظم تابعة للدول الاستعمارية الكبرى تنفذ ما تريده هذه الدول من العبث بمقدرات الوطن العربى وقضاياه وثرواته مقابل السماح لهذه النظم الاستبدادية بالاستمرار فى الحكم. قامت الثورات العربية على الفساد والاستبداد والتبعية وهتفت فى كل الثورات «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية». ولن تهدأ الشعوب إلا بعد تحقيق أهداف ثورتها التى قدمت فيها دماء آلاف من الشهداء من أبناء الوطن العربى. الشعوب تعرف جيداً أن لا كرامة دون استقلال للإرادة الوطنية، وأن لا استقلال للإرادة الوطنية دون تنمية اقتصادية حقيقية تؤدى إلى الاكتفاء الذاتى والتصدير لما يزيد عن حاجتها، تقوم على حسن استخدام موارد الوطن العربى فيما بينها من ثروة بشرية وطبيعية ومادية. ثروة بشرية لابد من تنميتها وتأهيلها وتدريبها وتنمية مهاراتها، ثروة بشرية تنهض بالتعليم الذى ينمى الانتماء والمعرفة والمهارات. ثروة بشرية من العاطلين تنتظر المشروعات العملاقة والمتوسطة والصغيرة لتوفير فرص العمل. ثروة بشرية تريد خطة زمنية للقضاء على الأمية. ثروة مادية تحتاج إلى خطة لضخ الأموال والاستثمارات فيما بين الدول العربية بدلاً من تكديسها فى بنوك الدول الاستعمارية الكبرى.

ثروة طبيعية وعلى رأسها النفط غير الثروة التعدينية فى بلدان الوطن العربى، غير ثروة الشواطئ والبحار والأنهار. كل هذه الثروة تحتاج إلى من يحسن استخدامها وتنميتها والاستفادة منها لوضع خطة اقتصادية مشتركة وتفعيل ما يسمى بمكتب الوحدة الاقتصادية والذى تم إنشاؤه عام 1957 ليصبح الوطن العربى فى مصاف الدول الكبرى، بل وقادر على تحدى ومنافسة الاتحاد الأوروبى والدول الصناعية الكبرى.

سيقول من يقرأ هذه السطور إننى أحلم لأن كل دولة يحكمها نظام يبحث عن مصلحته فقط، بل وينظر تحت قدميه عند وضع خطته ولا ينظر إلى محيطه العربى والإقليمى والدولى. نعم أنا أحلم ولكن حلم الشعوب يتحول دائماً إلى حقيقة، لأن الشعوب لا تستكين، بل تعمل لتحسين أحوالها وتنتفض إذا ما طفح الكيل ولا ترضى بالذل أو التبعية. نعم أحلم وأنا كلى يقين بتحقيق الحلم ولو بعد حين على يد الأبناء والأحفاد. أحلم وأنا كلى يقين بأن الشعوب تقدر وتستطيع عندما تريد. أحلم وأنا كلى يقين من أن النظم التى لا تستجيب إلى طموحات ومطالب وحقوق شعوبها إلى زوال، وأن الباقى هو الشعب. أحلم وأطالب فى مصر بحكومة تؤمن بأن التنمية الحقيقية ليست فقط فى تدفق استثمارات من الخارج ولكن بالاعتماد على الذات والثروات الداخلية وعلى رأسها الثروة البشرية. التنمية الاقتصادية الشاملة تبدأ ببناء بلدنا صناعياً وزراعياً وتجارياً أولاً وثانياً وثالثاً. تبدأ بفتح مصانعنا المغلقة واستعادة مصانعنا التى رجعت لنا بحكم نهائى، وضخ الأموال لصيانتها وإعادة تشغيلها وإعادة عمالها مع تدريبهم ورفع كفاءتهم ومهارتهم.

تبدأ باستعادة الرقعة الزراعية ممن عبثوا بها والاهتمام بالفلاح المصرى. تبدأ بالمجىء بحكومة يتوافر لديها الإرادة السياسية للنهوض بالبلاد وليس باستخدام نفس السياسات القديمة للنظام القديم الذى ثار عليه الشعب وخلعه، والذى أدت سياساته إلى الخراب والدمار بمصر، وإلى تركيز الثروات والرجوع إلى مجتمع النصف فى المائة.. التغيير يبدأ بالحلم، وينتهى بتحقيقه