رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الثروة البشرية.. والعدالة الاجتماعية


اللى بنى مصر، واللى هايعيد بنائها هو سواعد وعقول المصريين. اللى بنى مصر واللى هايعيد بنائها هو أموال المصريين أولا ًوثانياً، ثم تأتى بعد ذلك أموال المستثمرين العرب والأجانب. مصر يبنيها ولادها، حيث قوة العمل المصرية من سن 15 إلى أقل من 65 سنة يصل عددهم إلى ثلثى المصريين، كما يصل شبابها منذ الولادة حتى سن الأربعين إلى 30 مليوناً.
مصر فى عز شبابها، قادرة على بذل الجهد والعمل والعطاء، مصر تملك ثروة بشرية، وحينما نحسن استثمارها فإننا نضع مصر على خطوات التقدم وفى مصاف الدول الأولى.

إن تنمية الثروة البشرية تحتاج إلى تبنى هذه الثروة منذ بداية نشأتها بالتعليم والصحة وتوفير حياة كريمة، والاهتمام بتوفير سكن صحى ملائم للفقراء ومحدودى الدخل، وتوفير بدائل للعشوائيات غير الآدمية، وتوفير الخدمات من المياه النظيفة للشرب والصرف الصحى والطرق ووسائل الانتقال والكهرباء.

ثروة بشرية تحتاج إلى وقايتها من الأمراض، وإلى سن قوانين تلتزم من خلالها الدولة بتأمين صحى اجتماعى تكافلى شامل لكل المواطنين، ومن جميع الأمراض. ثروة بشرية تحتاج إلى نظام أجور عادل يرفع الحد الأدنى للأجور للحفاظ على القدرة الشرائية والعمل على رفعها للمواطنين، مع تقديم الدعم سلعياً كان أو نقدياً للفقراء ومحدودى الدخل، وذلك جنباً إلى جنب مع ضبط الدولة للأسعار وتحديد هامش الربح الذى لا يزيد فى معظم دول العالم على 25%. وأيضاً محاربة سياسات الاحتكار.

تنمية الثروة البشرية تحتاج إلى موارد للإنفاق الحكومى على الصحة والتعليم، وذلك بإقرار الضرائب التصاعدية التى ينص عليها دستورنا، وأتوقف عند هذه النقطة المهمة لأتكلم عن القوانين الصادرة خلال الأسبوع الماضى التى نصت على تخفيض الحد الأقصى للضريبة من 30% إلى 22.5% وتثبيتها لعشر سنوات. كيف ذلك ولصالح من؟

إن جميع دول العالم تحقق العدالة من خلال نظام ضرائبى تصاعدى يصل إلى 62% فى الدانمارك و45% فى الصين و40% فى كل من فرنسا وإيطاليا وبريطانيا. كما تعمل الدول أيضاً على حفز تنمية معدل الادخار المحلى، والتى تصل عندنا إلى أدنى مراتبها إذ لا تزيد على 5.5% بينما تبلغ فى الصين قرب 50%.

تنمية الثروة البشرية تحتاج إلى اهتمام الدولة بالبحث العلمى والتعليم بكل أشكاله خاصة التعليم الفنى الذى خصصت له الدولة وزيراً للاهتمام به والتوسع فيه زراعياً وصناعياً وتجارياً. ولكى يتم ذلك لابد من توفير الموارد وزيادة ميزانية التعليم للصرف على البنية الأساسية للتعليم، فالتعليم لا يحتاج فقط إلى تغيير المناهج ليصبح تعليماً ينمى المعرفة والمهارات والانتماء، ولكنه يحتاج إلى بناء وتجهيز أماكن تلقى العلم من أول المدارس حتى الجامعات. يحتاج إلى زيادة المنشآت التعليمية وزيادة عدد الفصول وتجهيزها، فهناك أماكن فى قرى مصر يجلس فيها التلاميذ على الأرض فوق الحصيرة لتلقى العلم، وهناك فصول يصل عدد التلاميذ فيها إلى 60 و70 و80 تلميذاً.

تطوير التعليم يحتاج إلى الاهتمام بالمعلمين عن طريق التأهيل والتدريب، والمرتبات العادلة المجزية لتحمل تبعات المعيشة. مرتبات تغنيهم عن إعطاء الدروس الخصوصية.

تعليم يحتاج مناهج تعليمية تواكب التطور والعلم الحديث، وتشجيع التلاميذ والتلميذات على ممارسة هواياتهم وتنمية مهاراتهم وتوجيههم إلى المجال الذى يحققون فيه تفوقهم. وإذا كان العقل السليم فى الجسم السليم، فالاهتمام بالمنظومة الصحية كما أوردنا يكون أساساً فى تنمية الثروة البشرية.

إن زيادة ميزانية الصحة والتعليم أساس للنهوض بالثروة البشرية والمجتمعات. تنمية الثروة البشرية تحتاج إلى تنمية متواصلة للمهارات البشرية سواء فى الداخل عن طريق التدريب والتأهيل للعمالة المصرية، بواسطة الخبرات المحلية والأجنبية، أو عن طريق البعثات الخارجية للاطلاع ودراسة أحدث ما وصل إليه العالم فى كل المجالات.

وإذا أردنا ياسادة تنمية اقتصادية حقيقية، فلابد من الاعتماد على العمالة المصرية وخلق فرص عمل لها. وأى استثمار محلى أو أجنبى على أرض مصر لابد أن يتضمن بجانب المشروعات الكبيرة والمستقبلية، لابد أن يهتم بجانب ذلك على مشروعات محلية متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر وتعاونية، بجانب دور الدولة. مشروعات تستوعب الأيدى العاملة المصرية وتعمل على خلق فرص عمل للطاقات المعطلة التى تصل إلى 13% من قوة العمل وفقا للإحصاءات الرسمية. وهنا نقف منتبهين عند مادة فى قانون الاستثمار الجديد تسمح للمستثمرين بجلب عمالة أجنبية من الخارج دون حد أقصى لنسبتها من إجمالى العمالة مما يضر بالعمالة المصرية. فلابد من تحديد حد أقصى لا يزيد مثلا على 10%. ولابد من إلزام المستثمر بتدريب العمالة المصرية على هذه الخبرات.

إن تنمية الثروة البشرية وتحقيق العدالة الاجتماعية وخلق مناخ يساعد على الاستثمار المحلى والأجنبى يحتاج إلى توافر إرادة سياسية جدية من الدولة لمحاربة الفساد، حيث إن تقرير منظمة الشفافية الدولية الأخير يضع مصر رقم 118 من 178 دولة فى ترتيب متأخر لانتشار الفساد.

كلمة أخيرة: بناء مصر يسير بشكل متوازن بين جلب الاستثمارات الكبيرة لمشروعات البنية التحتية والطاقة، وبين إصلاح ما هو موجود بالفعل ويحتاج إلى صيانة وإعادة تشغيل بكامل طاقته، مثل مصانع الحديد والصلب ومصانع الغزل والنسيج. وإعادة فتح وتشغيل المصانع المغلقة يحتاج إلى تنفيذ أحكام القضاء الإدارى بعودة المصانع التى بيعت فى عهد الفساد والاستبداد والخصخصة المباركى، وفتحها وعودة العمال لإعادة تشغيلها وإدارة عجلة الإنتاج.

لابد من سن قوانين تساوى بين المستثمر الجاد المحلى والخارجى. قوانين تضمن حقوق الدولة وحقوق العاملين مثلما تضمن حق المستثمرين.