رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطريرك علامة مميزة فى تاريخ مصر


البابا كيرلس السادس «1902 – 1971» البطريرك 116 والذى انتقل فى صباح الثلاثاء 9 مارس 1971، لم تعد ذكراه سنوية بل يومية بسبب أعماله الطيبة التى شاهدها ولمسها المصريون، البابا كيرلس أقيم أسقفاً على الإسكندرية طبقاً للقوانين الكنسية فى 10 مايو 1959 ومن ثم حمل لقب بابا وبطريرك الإسكندرية. عاش حياته راهباً بمعنى الكلمة، حتى إن الزجاج المكسور بنافذة شباك حجرته البسيطة أغلقه بأوراق الصحف منعاً للهواء!! المقر الذى كان يقيم به كان يُسمى «القلاية البطريركية» لأن الذى يقيم بها راهب بسيط لا يطلب شيئاً من مباهج الدنيا، وكل رسالته هو رعاية شعبه فرداً فرداً دون تمييز، فلم يكن له مقر فخم؛ لأن أولاده الذين يرعاهم بأبوة يعانون من الفقر!! لم يكتف قط بمقابلة الفقراء بل كان فى كثير من الأحيان يرسل طعامه الشخصى البسيط لأحد المحتاجين، ولم تكن هناك حواجز بشرية أو حديدية تمنع شعبه من لقاء أبيهم، كان زيه بسيطاً جداً، فى أمراضه لم يغادر أرض مصر للعلاج بالخارج ولا حتى يغادر القلاية البطريركية للعلاج بمستشفى، بل كان الأطباء يحضرون إليه لعلاجه ومتابعة حالته الصحية. ويذكر د. ميشيل أسعد يونان طبيب أمراض الباطنة بالإسكندرية أنه كان يحضر إليه بقلايته بالإسكندرية لنزع أظافر قدميه بسبب الجلطة التى كان يعانى منها منذ عام 1967، وفور الانتهاء من هذا كان يغادر قلايته وينزل للصلاة بالكنيسة ليقود شعبه بالصلاة لله بالروح والحق.كثيراً ما كان الرئيس جمال عبدالناصر يُرسل وزير الصحة لمتابعة حالته الصحية وفى الأسابيع الأخيرة كان يُرسل له، مستشاره للشئون الخارجية محمود فوزى للسؤال عنه، وكثيراً ما كان الرئيس عبد الناصر يعرض عليه اصطحابه لإحدى المصحات الطبية بالإتحاد السوفيتى لمتابعة حالته الصحية، فكان يشكر الرئيس على اهتمامه ومحبته مفضلاً ألا يبتعد عن شعبه، كان عظة لكثيرين فى منظره البسيط وابتسامته الصافية ووداعته ورعايته الأمينة لشعبه. لم يترك فرصة لأحد لأن يمنع شعبه من أن يصل إليه لمقابلته. كان يردد كلمة طيبة عند مقابلته لأى شخص: «أزيك يا حبيب أبوك؟» أى «كيف حالك يا حبيبى أنا». كان يحرص على الصلاة يومياً بالكنيسة فى الخامسة صباحاً وفى المساء فى الخامسة مساءً وكان الشعب يهرع من كل مكان للصلاة وراءه. وكانت الجرائد تريد أن تتابع نشاطاً مختلفاً يومياً له، فلم تجد!! كان لا يحتفل بعيد رسامته ولا بعيد رهبنته ولا بعيد ميلاده!! فكانت الصحف اليومية تسجل الخبر الآتى: «أقام البابا كيرلس السادس قداساً صباح أمس فى ذكرى رسامته بطريركاً». وأذكر أنه كان فى أوائل الستينيات مجلة تُسمى «بناء الوطن» وكانت مصر تحتفل سنوياً بعيد الوحدة مع سوريا فى 22 فبراير، فنشرت المجلة خبراً يقول: «أقام البابا كيرلس السادس قداساً بمناسبة عيد الوحدة»!!عقب انتقاله للراحة الأبدية ظلت جريدة الأهرام - على مدى ثلاثة أشهر - تنشر تعازى الهيئات والأفراد والمدارس المنتشرة بإنحاء مصر والشركات والوزارات المختلفة، ظاهرة لم تحدث من قبل ولا من بعد. من رأى وعايش تلك الأيام لا يمكنه أن تفارق مخيلته ذكريات تلك الأيام الجميلة والمباركة ولا يرضى عنها بديلاً.
  أستاذ بكلية الهندسة - جامعة الإسكندرية