رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تصريحات غـيـر مسئولـة.. فى موقف مرتبك


يمكن ملاحظة التقارب الذى حدث فى العلاقات التركية الإسرائيلية، حيث أعـلن أيهود باراك وزيـر الدفاع الإسرائيلى أن الحاجة الاستراتيجية الملحة لإسرائيل فى الوقت الراهن هى استعادة العلاقات مع تركيا إلى ما كانت عليه والتحالف معها.

أثار التصريح الذى أدلى به المستشار السياسى للرئيس مرسى لوكالة أنباء الأناضول التركية جدلاً ساخناً وردود فعـل واسعة، حين أعلن أن مصر تدرس المقترح القطرى الذى صرح به الشيخ حـمـد بن خليفة ــ أمير قطر ــ أمام الجمعـية العمومية للأمم المتحدة فى 25 سبتمبر، الذى دعا فيه إلى التدخل العـربى لإنهاء الأزمة المحتدمة فى سوريا، وأضاف المستشار السياسى للوكالة، أن هناك اتصالات ستجرى قريبا مع الدوحة وأنقرة حول هذا المقترح، ويبدو أن المستشار السياسى قـد استند إلى ما أعـلنه الرئيس فى أنقرة «أن الشعـب السورى سينال حريته قريبا، وأن القيادة السورية الحالية الظالمة لأهلها يجب أن تزول»، وبالرغـم من أن المستشار السياسى قد حاول تصويب ما يقصده من هذا التصريح، وبالرغم أيضا من تأكيدات مؤسسة الرئاسة عـدم تدخل مصر فى شئون الغـير، وعدم إرسال القوات المسلحة خارج حدود مصر، إلاً أن تصريحاً بمثل هذا الوضوح والدقة، لابد وأن يكون قد شغـل حيزا كبيرا فى فكر ووجدان المستشار، وبالرغم أيضاً من أن هذه التصريحات قد لاقت استحسانا من قائـد الجيش الحر فى سوريا، إلاً أنها قد لاقت استهجانا من المحللين السياسيين والاستراتيجيين المصريين.

إذن نحن إزاء تصريح غاية فى الأهمية من حيث الشكل والمعـنى والمضمون، وكان من الممكن تأكيده بدلاً من تصويبه، وإصدار قرار رئاسى يفيد بعدم التدخل فى شئون الغـير حسبما تقتضى المصلحة العـليا، الأمر الذى يعـزز مصداقية الدولة خاصة أنها تقود مبادرة رباعـية تضم القوى الإقليمية الفاعلة فى المنطقة (تركيا – السعـودية – إيران - مصر) ويؤكد أن مصر قد بدأت تستعيد مكانتها الإقليمية، وبدأت فى قيادة تفاعلات المنطقة، فما الأسباب التى أدت إلى الإدلاء بمثل هذا التصريح؟، وما المبررات التى أدت إلى نفيه أو تصويبه؟.. وللإجابة عن هذه التساؤلات ينبغى أولا توضيح مفهوم التدخل وفقا لأدبيات العلوم السياسية والاستراتيجية، فرغـم أن التدخل يُعـد تعـبيراً بسيطاً فى أدبيات علوم اللغـة، فإنه يُعـد فى أدبيات العلوم السياسية والاستراتيجية تعـبيراً مركباً ينبع من امتلاك الدولة مقومات القوة الشاملة فى قمة تأججها، بما يضمن صيانة أمنها القومى أولا، وحماية مصالحها أينما وجدت ثانيا، كما يتعـين أيضا توضيح الموقف المرتبك فى منطقة الشرق الأوسط، الذى لا يمكن تفسيره بمعـزل عـن سياسات وأهـداف القوى العـظمى والكبرى، أو بمعـزل عـن سياسات وأهـداف القوى الإقليمية الفاعـلـة فى المنطقة، وفى يقينى أن هذه السياسات والأهداف ستظل ثابتة لا تتغـير، ولكن الذى يمكن أن يتغـيـر هو إعادة ترتيب أسبقياتها وأدوات تحقيقها . وفى هذا السياق يمكن ملاحظة التغـيير الجوهرى الذى أحدثته الولايات المتحدة فى أدوات تحقيق أهدافها فى المنطقة العـربية المكون الرئيسى لمنطقة الشرق الأوسط، عـندما صاغ بريجنسكى مستشار الأمن القومى الأسبق رؤيته الاستراتيجية وعـبرت عنها كونداليزا رايس.

وتتلخص هذه الرؤية فى أن تأثير نفوذ الولايات المتحدة سوف ينحسر انحسارا كبيرا فى المنطقة، ولتعـويض هذا الانحسار يتعـين أن يسود دول المنطقة العـربية فوضى عارمة تقودها إلى اضطرابات لا يستطيع قادتها إدراك تأثيراتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعـية، وبما أن الولايات المتحـدة لن تقدر على متابعـة هذه الاضطرابات منفردة، إذ سيشكل ذلك عـبئا اقتصادياً ثقيلاً عـليها، فلماذا لا يتم تعـظيم العامل الإقليمى الذى يمكن أن تلعـب فيه القوى الإقليمية غـيـر العـربية الدور الأكبر (إسرائيل – تركيا – إيـران – إثيوبيا)، وبالتالى يخطئ من يظن أن هـناك ضربة عـسكرية يمكن توجيهها إلى إيـران بواسطة الولايات المتحدة أو إسرائيل، حيث لا بـد أن تلعـب إيران دورا متعاظما فى حماية مصالح الولايات المتحدة بالوكالة عنها وبالاشتراك مع تركيا وإسرائيل حتى فى غياب التعاون بينهم، فما هدف الولايات المتحدة من تغـيـيـر أدوات تحقيق أهدافها فى المنطقة؟

فى ظنى أنها تعمل على تحقيق هدفين رئيسين، الأول هو تركيز جهودها الرئيسية للتفرغ للقوى العالمية الصاعـدة سواء كانت روسيا وريثة الاتحاد السوفيتى السابق، أو التنين الصينى الصاعـد بمعـدلات تنمية غير مسبوقة، وصعـود عـسكرى وبحرى ملحوظ، أما الهدف الثانى فإنه يبدو لى أنه ناتج عن استيعابها درس القرن العـشرين الذى لقنته للاتحاد السوفيتى والذى أدى إلى تفكيكه، ذلك الدرس الذى يمكن إيجازه فى أن قوة الدولة لاتـقاس فقط بالقـوة العـسكرية، خاصة بعـد أن استشعـرت الولايات المتحدة أن هناك تناقضا واضحا بين قوتها العسكرية التى تتمتع بالمكانة الأولى فى العالم، وبين قوتها الاقتصادية التى بدأت القوى الأخرى فى منافستها، وهو ما يبرر سعيها إلى الاستئثار بالمعـادن الاستراتيجية فى وسط أفريقيا وحرمان الآخرين من الحصول عـليها، خاصة معادن الكوبالت، والبلاتينيوم، والنيكل كـروم، والمنجنيز اللازمة لإنتاج المركبات والطائرات والدبابات، حيث تنتج زائير وحدها 56% وزامبيا 16% من الإنتاج العالمى من هذه المعادن، وتضع الولايات المتحدة فى اعتبارها أنه لا يوجد بديل أمامها إذا فقـدت هذه المناجم، كما تعـتبر زامبيا أيضا أكبر دولة منتجة للنحاس فى العالم، بينما تعـتبر بوتسوانا أكبر دولة فى العالم منتجة لخام الماس، وتأتى أنجولا كثانى أكبر دولة منتجة للبترول فى أفريقيا.

كما تتطلع الولايات المتحدة إلى استغلال الدور الذى أفرزته أزمة الخليج الثانية (غزو وتحريرالكويت والاحتلال الأمريكى للعـراق)، فقد فتحت هذه الأزمة الأبواب أمامها لتجد آفاقاً أوسع وأرحب لحركتها السياسية، فتقاربت مع الأردن واليمن والسودان، وتحالفت استرتيجياً مع سوريا، وبالتالى يمكن إدراك أن إيران مخطط لها أن تلعـب دوراً مهماً فى الترتيبات الأمنية المقبلة فى المنطقة بصفة عامة، وفى الأزمة السورية بصفة خاصة.

كما يمكن ملاحظة التقارب الذى حدث فى العلاقات التركية الإسرائيلية، حيث أعـلن أيهود باراك وزيـر الدفاع الإسرائيلى أن الحاجة الاستراتيجية الملحة لإسرائيل فى الوقت الراهن هى استعادة العلاقات مع تركيا إلى ما كانت عليه والتحالف معها، الأمر الذى يؤدى إلى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمى الذى يستحق السعى إليه والعـناء من أجل تحقيقه، ويبدو أن تركيا قد بدأت فى الاستجابة، خاصة بعـد الاعتذار السورى على الأراضى التركية، والرد العسكرى التركى عليه بالرغم من الاعتذار السورى، إذ يعـنى التقارب عـند تركيا، إنه عندما تواجهها سوريا فى الشمال فإنه يتعـين عـليها أيضا مواجهة إسرائيل فى الجنوب، حيث إن أخشى ما تخشاه تركيا الآن، هو تمركز جماعات إرهابية على حدودها مع سوريا بعـد انتهاء أزمتها، وقد تتعاون هذه الجماعات مع الأكراد لإقامة الدولة الكردية.

وتأسيساً على ما تقدم، فإنه يبدو لى أن المقترح الذى أعلنه أمير قطر أمام الجمعـية العمومية للأمم المتحدة ودعا فيه إلى التدخل العـربى، وصرح المستشار السياسى للرئيس بأن مصر تدرسه، وأن هناك اتصالات ستجرى قريبا مع الدوحة وأنقرة حول هذا المقترح، عـبارة عـن سياسة أمريكية لها هدف إسرائيلى، يتشكل من مفردات قطرية بصياغة تركية، يهدف إلى إنهاك الجيش المصرى، مثلما تم إنهاك الجيش العراقى من قبل، ويتم إنهاك الجيش السورى الآن، بما يضمن إضعاف أقوى ثلاثة جيوش عـربية لصالح إسرائيل ولصالح القوى الإقليمية الأخرى.. والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية ــ جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.