رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جذور الفساد وعودة أحمد عز


عندما قامت هبة 25 يناير لم يكن هناك تصور عام لدى أحد بقيام ثورة بمعناها السياسى وبمفهومها العلمى، حيث لم يكن هناك تنظيم ثورى يقود الثورة، بل لم تكن هناك أجندة ثورية بل لم يكن هناك قوى ثورية حقيقية تعى الثورة وتملك أدواتها وآلياتها الجماهيرية المنظمة، ولكن كانت هناك غضبة جماهيرية نتيجة لتصاعد الظلم الاجتماعى الذى أنتجه تزاوج السلطة والثروة وانتشار الفساد فى كل مجالات الحياة وتجميد وتجمد الحياة الحزبية والمشاركة السياسية.

غير شكل ديمقراطى كاذب أفرز أحزاباً ورقية ديكورية لا تملك غير الكلام الساكت وممارسة أمنية لا يعنيها غير حماية النظام الفاسد وأتباعه الفاسدين على حساب المواطن الفقير غير القادر المقهور إسقاطا للقانون الذى لا يطبق على الجميع.

وزيادة نسبة الفقر والفقراء والمهمشين والعشوائيين وذلك لصالح السماسرة وناهبى ثروات البلاد ومنافقى التوريث وزعامات الحزب الوطنى، وقد كانت شرارة إيقاد نار تلك الغضبة هى تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010 والتى قادها وتفاخر بهذه القيادة الفاسدة والتى وصلت إلى أقصى وأحقر حالات التزوير فى التاريخ المصرى وهو أحمد عز ليس بصفته أميناً لتنظيم الحزب الوطنى ولكن بصفته المستغل الأول والانتهازى الأوحد للنظام والذى تحول من طبال إلى ملياردير، بصفته المؤمن بالوريث والذى يمهد له طريق الوراثة بماله وبنفوذه داخل الحزب ليس لقدرته التنظيمية ولكن لشرائه الجميع وكل واحد بثمنه حتى إن مبارك كان قد تجاهل التقارير الأمنية بنتائج هذا التزوير العبيط بل تجاهل نصائح السيد عمر سليمان وسار وراء الوريث بل آمن بمقدرة «عز» الذى أدار سياسة النظام بأسلوب السوبر ماركت، وكانت النتيجة الطبيعية هى إسقاط النظام لأنه شاخ وترهل وفقد شرعية تواجده الجماهيرية.

ولكن لغياب البديل الثورى ولضعف الحياة السياسية ولهشاشة الحياة الحزبية دخل الإخوان فى المعادلة بحساباتهم ولصالح حساباتهم بعيداً عن المناخ السياسى والشعور الثورى الذى تولد من يناير ونتيجة لإسقاط مبارك، وبدلاً من استكمال الثورة وتحقيقها خطف الإخوان الوطن لتحقيق حلم الخلافة، ولكن قد خرج الشعب فى 30 يونيو ليس نتيجة غضب شعبى عام ولكن تحقيقاً لهدف محدد ومعلن وهو إسقاط نظام الإخوان، وكان من الطبيعى أن يشارك بقايا الحزب الوطنى والمستفيدون من نظام مبارك فى هبة يونيو ليس من منطلق استكمال الثورة ولكن من باب تصفية الحسابات مع الإخوان ومع أتباع يناير، حيث إننا قد وجدنا هؤلاء الأتباع وهذه الفلول بعد إسقاط مبارك يدخلون الجحور ويلزمون المنازل ويعتزلون السياسة جبراً وقهراً، حيث قياداتهم فى السجون وحزبهم قد تم حله ومصادرة ممتلكاته بل وجدنا أن لفظ «فلول» يعنى شخصاً كالأجرب الذى يعزله الناس ويخافون من التعامل معه، فلم يجرؤا على نزول الانتخابات البرلمانية 2012 بل من نزل منهم نال هزيمة بل فضيحة نكراء، ولكن وآه من كلمة ولكن هذه، ونتيجة لممارسات الإخوان التى أعادت أسوأ ممارسات نظام مبارك بل كانت أسوأ منه إضافة للإفراج عن كل المتهمين من نظام مبارك وعلى رأسهم مبارك وأولاده وأحمد عز باعتباره رمزاً للفساد والإفساد لا يقل عن مبارك نفسه، ونظراً لتلك الحملة الإعلامية الموجهة من إعلام بقايا مبارك والمستفيدين منه والذين لا حماية لمصالحهم فى ظل أى مناخ ثورى حقيقى يحقق العدالة الاجتماعية.

تلك الحملة التى لا تزال تقوم بتشويه يناير بل تصورها بالمؤامرة، كل هذا وغيره كثير خلق مناخاً كاذباً حول يناير قاصدين إحداث التناقض وهو سيكون لصالح مبارك حتى ولو بطريقة غير مباشرة، إضافة إلى ذلك الضجر العام والقلق المستشرى فى نفوس الجماهير جراء العمليات الإرهابية التى تحاول إسقاط الدولة، والتعطش إلى مناخ الاستقرارالسياسى والاجتماعى القابع فى الضمير الجمعى المصرى، قد وجدنا رموز الحزب الوطنى وفلول مبارك يقتحمون الساحة الانتخابية بصورة مستفزة تحت دعوى سلامة موقفهم الانتخابى قانونياً، حيث لم يتم تفعيل القانون 103 لسنة 2011الذى أقر العزل من العمل السياسى، فهل هذا خطأ الفلول وخطأ «أحمد عز» الذى يتحدى إرادة شعب أسقط نظامين وغير خريطة المنطقة؟ لاشك لا، فهذا خطأ الجميع الذين يتشدقون بالثورة نظرياً وقد وجدناهم يتاجرون بها منذ البداية.

خطأ من لا يجيد غير الشعارات النظرية والنضال الإعلامى ومن يسعى إلى مصلحته الذاتية ومنفعته الشخصية باسم الثورة وادعاء الوطنية، ولم ينزل للجماهير لتوعيتها بالثورة للمشاركة فى تحقيقها.

خطأ الأحزاب الورقية التافهة التى لا تعرف غير مصالح قياداتها، تلك الأحزاب بكل تحالفاتها والتى سعت إلى هذه الفلول لترشحها على قوائمها ومقاعدها الفردية ذلك لغياب كوادرها الحزبية، فكل الأحزاب تتعامل مع فلول الوطنى ورجال أحمد عز، خطأ الذين يفهمون العمل السياسى على أنه أخذ لا عطاء، ذاتية لا إيثار الذين يطلبون الثورة والتغيير بالأوامر لا بالعمل والعرق والنضال الدائم وليس الثورة الدائمة المستمرة.

نعم يمكن أن يدخل «عز» البرلمان ويمكن أن يجمع فلوله وأتباعه بأمواله، أى أنه سيكون رمزاً لشراء البرلمان والوطن والبشر بأمواله المنهوبة من الشعب، ولكن لن تكون له السطوة التى كان يأمربها الجميع والتى كان يخضع لها الجميع، فيناير ويونيو إذا لم يتحققا بعد، ولكن فحاجز الخوف قد كسر والشعب قد وعى والرأى العام قد نضج وبذور الثورة فى طريقها للإثمار، نعم سينجح «عز» فى دائرة مصانعه ولكن لن يعيد الزمن ولن يقبل الشعب الصابر والصامت كثيراً الرجوع للخلف حتى ولو تلكأنا فى المسير للأمام، الشعب المصرى الذى صنع المعجزة وأحدث المفاجأة قادر دائماً على أن يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح، ولذا فليحذر الجميع من غضبته المفاجئة وعندها سيندم «عز» وكل عز على غروره، وقد رأينا ماذا فعل غرور الإخوان بهم.

■ كاتب وبرلمانى سابق