رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف يكون الاصطفاف الوطنى؟


مصر المكان والمكانة وبموقعها المتميز بين قارات العالم ولدورها الحضارى المتفرد قبل الزمان بزمان ولتأثيرها الواضح فى المنطقة على مر العصور كانت مصر دائماً محط أنظار الجميع ومطمعاً لكل القوى الاستعمارية منذ بداية التاريخ فتم غزوها من الفرس واليونان والرومان من المغول والتتار من الفرنسيين والإنجليز حتى كانت هناك حوالى اثنتين وخمسين غزوة حربية وثلاث هجرات جماعية.
ومع ذلك استطاع الشعب المصرى بقدرته وصلابته وصبره أن يصد تلك الغدرات وأن يمصر هذه الهجرات وظل الشعب المصرى بجذوره وهويته صامداً ومحافظاً على هذه الجذور وحفاظاً لهذه الهوية. ولذا قد رأينا هذا الشعب العظيم رغم ما يعرف عنه بالصبر الطويل على الملمات والرضى بأقل القليل وتحمل كثير من الاستعداد والظلم من قوى استعمارية أو من أنظمة حاكمة فاسدة ومفسدة رأيناه يتجمع ويعطف ويتوحد فى مواجهة هذا الظلم وذاك الاستبداد سواء كان داخلياً أو خارجياً بداية من ثورته على ستى الثانى فى الأسرة الثانية الفرعونية مروراً بكل ثوارته التاريخية وصولاً إلى هبتى يناير ويونيو فصمته بتوقيت وصبره إلى حين فقد رأيناه ثائراً ضد فساد مبارك فأسقطه.. ولكن لأنه فض اصطفافه بعد سقوط مبارك فقد صمتت القوى السياسية وتناحرت النخبة الافتراضية فاستطاع الإخوان اختطاف الهبة ومحاولة السيطرة على الدولة وأخونتها وإسقاط هويتها فاصطف الشعب مرة أخرى كما لم يحدث من قبل وأسقط الإخوان وأعطى ثقته لجيشه الوطنى المنحاز دائماً إلى شعبه فرأينا الجماعة ومن هم وراءها يحاولون إسقاط الدولة وإفشالها إعمالاً بمقولتهم «ينحكمكم ينقتلكم» وظهر هذا فى 14 و16 أغسطس 2013 بعد فض اعتصام «رابعة» فما كان من الشعب غير تفويض السيسى وزير الدفاع حينئذ بمواجهة هذا الإرهاب الذى لا يريد خيراً للبلاد ولا للعباد واستمر هذا الاصطفاف وكان الدستور ثم انتخاب رئيس للجمهورية بنسبة تخطت كل التوقعات، تحمل السيسى المسئولية التى اكتشف أنها أكبر وأعمق وأخطر من معرفته المعلوماتية المخابراتية عنها فالواقع أفدح من الأرقام والمعلومات، ولكن بإيمانه ووطنيته وثقته المطلقة فى هذا الشعب العظيم وبآماله غير المحدودة فى بناء مصر الجديدة لكل المصريين أخذ يجدف بمفرده فى بحر هائج تتلاطمه الأمواج من استقطاب سياسى غير مسبوق وحرب إرهابية عاتية وفى كل الاتجاهات إلى معارك مع دول لا تريد غير إسقاط النظام بل إسقاط الدولة إلى مشاكل اقتصادية مستحكمة وصولاً إلى فساد استشرى حتى لم يصبح فيها دولة بل أصبح دولة فساد. وفى ضوء هذا الواقع الصعب كان لابد من اتخاذ بعض القرارات الصعبة التى لم يجرؤ أحد على اتخاذها قبل ذلك حتى نسير فى الطريق الصحيح حتى لو كان طريقاً صعباً وبعيداً عن الكلام المعسول والوعود الخيالية، تجاوب الشعب مع مشروع القناة الجديدة وساهم بأكثر من ستين مليار جنيه فى أقل من أسبوع وهذا الشعب مستعد للاصطفاف ولا يرفض التوحد ويسعى للتجمع من أجل مصلحة الوطن مستعد لتحمل الصعاب وكم عانى من ضيق المعيشة وكم ربط الحزام ولكن كل هذا ممكن فى ظل نظام سياسى ينحاز لهذا الشعب، أى الأغلبية الغالبة من المصريين فى يناير كان الشعار «عيش عدالة اجتماعية كرامة إنسانية» أى أن مع لقمة العيش يتوازى معها الكرامة الإنسانية والكرامة هنا هى أن يشعر كل مواطن بالعدالة والمساواة دون تمييز، وهنا عندما يطالب الرئيس السيسى الشعب أن يصطف معه فهذا مطلب واجب من أجل النهوض بالوطن ولكن لكى يتحقق هذا الاصطفاف لابد من أن يشعر المواطن بأن هناك تغييراً حقيقياً قد حدث على أرض الواقع. نعم الفساد متجذر ولا يمكن القضاء عليه بين يوم وليلة ولكن لا يمكن مواجهته بمؤتمر وتوصيات. نعم السيسى يعمل ليل نهار مخلصاً وطنياً يسعى إلى بناء وطن قوى وعظيم ولكن السيسى ولا مليون سيسى لا يستطيع إنجاز هذه المهمة فالحل لن يكون السيسى هو من يحمل كل المسئولية أو أن يتحول إلى رئيس وزراء أو وزير أو أن يتحول محلب إلى رئيس قرية عندما يزور القرى ويصبح الحال الفاسد والمتردى كما هو فأين المحافظ ورئيس المدينة والقرية والسلطة التنفيذية ليست الرئيس والوزراء ولكنها الحكم المحلى فى الأساس منذ مجىء السيسى ونحن ننتظر حركة محافظين ولم نر مع العلم أن كل المحافظين لا علاقة لهم لا بمواقعهم ولا دراية لهم بالتغيير الذى حدث منهم مازالوا يعيشون عصر ما قبل يناير، لا يمكن الاصطفاف والشعب يرى الأوضاع كما هى إذا لم تكن تسير إلى الأسوأ فالرشوة والفساد والواسطة والمحسوبية مازالت تضرب بأطنابها بها فى الجهاز الإدارى فأين البداية على الأقل وماذا يفعل رئيس المدينة الخامل وبجواره الإدارة الهندسية المنحرفة والذى يعلم عنها كل شىء ولا يفعل شيئاً وكيف الاصطفاف وأين الفلاح والعامل والكادح والعرقان الذى علم ابنه بقوت يومه ممنوع أن يصبح وكيلاً للنيابة لأن والده لم يحصل على مؤهل عالٍ ومع العلم أن هناك رؤساء جمهوريات ووزراء آباءهم لم يحصلوا على المؤهل وهذا شرف لهم الاصطفاف يكون عندما يطبق القانون على الجميع بلا استثناء عندما يحاسب المخطئ والمعترف بلا تمييز عندما يشعر المسئول أنه فى خدمة المواطن دون تعال أو تكبر، فالسيسى بشخصه وإخلاصه ووطنيته وتفانيه لن يضع المعجزات بمفرده ولكن على الجميع أن يخلص فى موقعه وأن يدافع عن حقوقه بعد أن يؤدى واجبه والفساد والقضاء عليه مهمة الجميع. نعم الظروف صعبة والوطن تحوطه المشاكل فى كل الاتجاهات ولكن الأهم أن مصر هى ملك لكل المصريين ونهضتها لكل المصريين والاصطفاف واجب وطنى من أجل المصريين.

كاتب وبرلمانى سابق