رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخبير الاقتصادى وليد جاب الله: إسرائيل الخاسر الأكبر من حرب غزة لأنها تسببت فى هروب 157 ألف مليونير خارجها

وليد جاب الله
وليد جاب الله

 

قال الخبير الاقتصادى، الدكتور وليد جاب الله، إن إسرائيل هى الخاسر الأكبر من حربها على غزة، لأنها تسببت فى هروب ١٥٧ ألف مليونير يمتلكون ثروات طائلة، كانوا يستثمرونها داخل دولة الاحتلال. وأضاف «جاب الله»، خلال حواره مع الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد»، المذاع على قناة «إكسترا نيوز»، أن التأثيرات الاقتصادية للحرب على غزة تمثلت فى انخفاض إيرادات قناة السويس بنحو ٥٠٪، لافتًا إلى أن تأثيرات الحرب بشكل عام بدأت فى الانخفاض تدريجيًا. وبَين أن مصر تأثرت بشكل كبير من الحرب الروسية- الأوكرانية، لأنها تعتبر الشريك التجارى الأول لأوروبا التى تأثرت بدورها بشكل رهيب جراء الأزمة، فأصبحت عمليات التبادل التجارى مع القارة مرتفعة التكلفة للغاية. 

■ بداية.. ما الفرق بين الاقتصاد العادى واقتصاد الحرب؟

- الحرب جزء من الاقتصاد، وليس الاقتصاد جزءًا من الحرب، لأن الاقتصاد العالمى، خاصة الحر الرأسمالى، يمر بدورات نمو ثم يصل لقمة ما، ثم تحدث له إعادة تصحيح، ومظاهر إعادة التصحيح نراها فى انهيار البورصات العالمية وأسواق المال، وفى المجاعات والأوبئة والحروب، وهذا ظهر فى الكساد الكبير فى الثلاثينيات من القرن الماضى، وهو النموذج الذى يسير إليه العالم حاليًا.

ومنذ تلك الأحداث، يمر العالم بدورات تصحيح لرأس المال كل فترة، والحرب جزء من التصحيح، وقد تكون الحرب تلقائية أو بسبب نزاع أو بدفع من كيانات أو أموال، لأن الحرب معناها تشغيل كبير لشركات السلاح والصناعات الدفاعية، والأوبئة تعنى تصنيع شركات الأدوية الكثير من المنتجات، فمن الممكن أن يدفع الاقتصاد ناحية الصراع لتحقيق مكاسب مادية. مع العلم بأن الأوبئة لا تدفع للصراع، لكنها من الممكن أن تزيد من أهمية حدث ما أو تخلق انحيازًا لكيانات أو أطراف حتى تكبر الدائرة، وكلما كبرت الدائرة زاد الصراع، وفى كل الحروب هناك أثرياء حرب، هذا على المستوى الكلى، ولكن على المستوى الجزئى، فهناك أصحاب حقوق يخوضون حروبًا لاسترداد ما لهم، مثل مصر التى خاضت حرب ١٩٧٣، حيث كنا نريد تحرير الأرض بعيدًا عن تأثيراتها على الاقتصاد العالمى، وكنا مستعدين للتضحية من أجل الأرض، والتضحية بمعدلات النمو والتوسع فى القطاعات الخدمية والقطاعات السكانية، والمواطنون كانوا مرحبين بهذه التضيحة من أجل التوسع فى الصناعات الدفاعية، ودعم الجيش تنفيذ عمليات عسكرية لاسترداد الأرض، لأن استرداد الأرض والكرامة الوطنية اعتبارات تسبق الاقتصاد، وهذا على عكس الحروب العالمية لأنها جزء من الاقتصاد.

■ الفترة من «كورونا» مرورًا بالحرب الروسية- الأوكرانية ثم اشتعال الصراعات على الحدود المصرية والحرب فى غزة.. كيف أثرت هذه الأحداث على مواردنا؟ 

- فى فترة كورونا كل دول العالم ضخت حزم مساندة كبيرة جدًا للمواطنين وللمستثمرين، والناس خرجت من «كورونا» متعطشة للاستهلاك بسبب الحظر، وهذا كان أمرًا مخيفًا، لأن زيادة الطلب تخلق تضخمًا، ولأن الجهاز الإنتاجى فى المصانع كان متوقفًا لمدة سنتين، وكانت هناك خشية من توسع التضخم. والولايات المتحدة الأمريكية بدأت فى رفع أسعار الفائدة لامتصاص الأموال من الأسواق للسيطرة على التضخم، وسحبت الدولار من كل دول العالم، ثم صدّرت الدولار مرة أخرى لكل دول العالم، وأصبحت هناك صعوبة فى توفير الاحتياجات المالية للشركات لتوسيع أعمالها.

وأمريكا صدّرت التضخم لكل دول العالم بعد أزمة كورونا، بسبب رفعها أسعار الفائدة، وخرجت من الجائحة وصُدمت بتقدم الصين لتكون الاقتصاد الثانى فى العالم، ثم أصبحت على أعتاب أن تكون الاقتصاد الأول، وفى فترة «ترامب» كان هناك تقارب بين الصين وأوروبا، وهناك اتفاقية لتبادل الاستثمارات، ودخول للتكنولوجيا الصينية إلى القارة، وأمريكا كانت تريد عرقلة هذه الاتقاقيات والضغط على أوروبا ومنع التقارب، وبدأ الضغط بالفعل على «الناتو» للدخول فى صراع مع روسيا وافتعال أزمة أوكرانيا، لتكون هناك عقوبات ومشكلات تبعد أوروبا عن الصين. ومع زيادة نفوذ اليمين المتطرف فى أوروبا، بدأ الأوروبيون، خاصة صناع القرار، فى تفصيل مبادئ جديدة للاقتصاد وقرروا توقيع عقوبات على روسيا؛ حتى لو كانت ستضرهم وستضر العالم من بعدهم، هذا لأن العقيدة هى التى تحرك، ومنع توريد الغاز الروسى صعّب الأمور على أوروبا، وبالتالى تم تصدير التضخم للعالم أجمع فى صورة منتجات مرتفعة التكلفة، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام.

■ هل كان هناك تأثير مباشر لتوقف المشروعات القومية وقت أزمة كورونا وما بعدها؟

- حتى تكون لدى مصر زراعة وصناعة واقتصاد قوى، لا بد من بنية تحتية كبيرة، لا بد من توفير الطرق والتكنولوجيا والاتصالات، وغيرها، كل هذا يريده المستثمر لكى يعمل بسهولة.

والمصريون متجمعون حول النيل؛ لأن هذه المنطقة الأقل تكلفة فى الزراعات والصناعات، وللتوسع فى الصحراء كان لا بد من إنفاق مبالغ ضخمة، وهذا كان يتطلب تقوية لمالية الدولة عبر إصلاح نقدى من البنك المركزى، وإصلاح هيكلى بصورة أبطأ عبر تنفيذ مشروعات قومية كبيرة وكثيرة تعزز من تنافسية الاقتصاد وتؤهله؛ لتكون هناك زراعة وصناعة قويتان.

ومع بداية الإصلاح الاقتصادى فى نوفمبر ٢٠١٦، حققت مصر مؤشرات جيدة، وأصبح هناك فائض أولى ومعدلات نمو زائدة وامتصاص للتضخم بمؤشرات جيدة حتى نوفمبر ٢٠١٩، وكان ٢٠٢٠ عام الصناعة فى مصر، ليتفاجأ العالم ومصر بـ«كورونا» ويصبح عام الوباء والإغلاق، وكان من المستحيل الترويج الفعال للاقتصاد لدى المستثمرين فى ظل تلك الأوضاع، وفى هذا الوقت كانت مصر تضخ حزمًا اقتصادية مساندة للمواطنين وللقطاع الخاص من الوفرة المالية التى حققتها من البرنامج الإصلاحى للاقتصاد فى السنوات السابقة لـ«كورونا»، وكان هناك تأثير خارجى مع تراجع إيرادات قناة السويس والسياحة، وبدأ الانطلاق مرة أخرى بمعدلات نمو ٩٪ فى عام ٢٠٢١، وكانت نسبة كبيرة.

■ فى أعقاب أزمة كورنا والحرب الروسية- الأوكرانية.. كيف تفسر دخول الدولة متمثلة فى القطاع العام فى عدد كبير من المشروعات بعكس القطاع الخاص؟

- مصر شهدت فترات اضطراب سياسى كبير جدًا بداية من يناير ٢٠١١، حتى تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى عام ٢٠١٤، وبالتالى خلال هذه السنوات لا يمكن أن يأتى أى مستثمر للاستثمار فى ظل عدم وجود استقرار.

وفى عام ٢٠١٥، نظمنا مؤتمرًا اقتصاديًا عُقد فى شرم الشيخ، لاقى قبولًا واسعًا وتلقينا طلبات للاستثمار، ولكن عن طريق التمويل من البنوك المصرية، أى بـ«فلوس مصرية»، خاصة فى ظل استمرار العمليات الإرهابية فى ذلك الوقت ومحاربة الدولة لها، وبالتالى لجأت الدولة للتدخل بنفسها، وأبرز مثال على ذلك مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، فى البداية كان سينفذه مستثمر خارجى، ولكن فى مرحلة التفاوض اتضح أنه يريد الجزء الأكبر من التمويل من البنوك المصرية، لذلك نفذته الدولة، وبدأت تتدخل فى تنفيذ مشروعات بنية تحتية، وضخت السيولة فى السوق وحفّزت النمو، وعندما تتحرك العجلة الإنتاجية يبدأ القطاع الخاص فى الدخول.

وبالتالى عندما دخلت الدولة فى المشروعات، كان من المفترض أن تنفذ الجزء الصعب، وتنشط دخول العملة من الخارج، فنجد أن قطاعات البنية التحتية، وبالأخص القطاع العمرانى، أقل القطاعات التى تحتاج مكونًا أجنبيًا، وأكثر القطاعات التى تشغل عددًا كبيرًا من البسطاء، فعندما نرى أن الدولة تنفذ مشروعات عمرانية، لا يجب علينا انتقادها أو بحث مدى تأثيرها على الأكل والشرب، لأن العمال البسطاء الذين يعملون فى هذه المشروعات هم المستفيدون فى ظل عدم وجود القطاع الخاص، والدولة نفذت هذه المشروعات لتشغيلهم وتوفير مأكلهم ومشربهم، والحفاظ على صحتهم وتعليم أبنائهم وبناء الإنسان.

■ هناك من يتساءل: لماذا لم توزع الدولة أموالًا على المصريين بدلًا من إنشاء مشروعات وطنية وقومية؟

- وأنا أتساءل: هل الأفضل أن يتم توزيع الأموال على المصريين، أم تنفيذ مشروعات تفيد المواطنين، ليأخذوا هم منها الأموال فيما بعد؟، فالدولة قررت بدلًا من أن توزع أموال الإعانات، أن تشغل المواطنين فى المصانع والمشروعات المختلفة.

ونجحت الدولة فى امتصاص البطالة بنسبة كبيرة جدًا عبر تنشيط القطاع العقارى، ونجحت فى تأهيل البنية التشريعية، وتوقيع اتفاقيات وفتح أسواق مع العالم الخارجى، وتسديد مستحقات شركات البترول والغاز، وبسبب ذلك عادت الشركات للعمل، ومن ثم تم اكتشاف حقل ظهر، وبالتالى أرى أن تدخل الدولة فى هذه المرحلة هو أمر حتمى، وليست رغبة ذاتية.

الدولة كانت تتوقع أنه فى ٢٠٢٠، سيأتى المستثمر ويجد الصناعة والزراعة، لكن «كورونا» أثرت بشكل كبير جدًا علينا، وهذا دفع الدولة للاستمرار فى العمل، وبالتالى يمكن أن نقول إن استمرار الدولة فى ذلك الوقت، هو استمرار المضطر لتوفير الحياة للمواطن.

■ هل تسببت جائحة كورونا فى خسائر كبيرة للاقتصاد المصرى؟

- تأثرت مصر من خلال هبوط إيرادات قناة السويس، وأيضًا إيرادات السياحة، والمصانع صارت تعمل بقوة بسيطة، والمواطنون كانوا جالسين فى البيوت ويأخذون رواتبهم، رغم ذلك نجحنا فى السيطرة على التضخم بصورة كبيرة، عن طريق تدخلات الدولة لضبط الاحتياطى والحفاظ على قوة العملة المحلية.

ومصر وضعت سيناريوهات لإدارة الأزمة، وكانت الخطة أنه إذا استمرت «كورونا» عامًا أو أكثر فستكون الدولة قادرة على مواصلة الدعم، ونجحت الدولة بالفعل فى مواصلة دعمها لتجاوز الأزمة.

وعندما دخل العام المالى ٢٠٢١/٢٠٢٢، بدأت الدولة تعوض ما تم إنفاقه وصرفه خلال الفترة الماضية، وخلال العام ونصف العام فى أزمة كورونا يمكن أن نقول إننا فقدنا كل شىء، ولكن دون أن يشعر المواطن بالأزمة.

■ ماذا عن تأثير الحرب الروسية- الأوكرانية على الاقتصاد المصرى؟

- الحرب الروسية- الأوكرانية جاءت قبل أن يلتقط الاقتصاد المصرى أنفاسه، فالاقتصاد المصرى شهد ضخ حزم ومساندات كبيرة جدًا، وأجريت تهيئة للبنية التحتية، وبدأنا ننطلق فى النصف الأول من العام المالى ٢٠٢١/٢٠٢٢، وحققنا معدل نمو ٩٪ وكنا نحاول أن نكمل، ثم فجأة اشتعلت الحرب الروسية- الأوكرانية، وكان لدينا ٣ سيناريوهات، الأول أنها ستنتهى خلال ٣ أسابيع، وأن الاقتصاد المصرى قادر على أن يتحمل هذه الأسابيع، والثانى أن الأزمة ستنتهى خلال عام، وبالتالى الدولة كانت تحاول قدر الإمكان أن تتحمل عامًا نيابة عن المواطن وحتى لا يتأثر، خاصة أننا كنا خارجين لتونا من أزمة كورونا، لكن الحرب استمرت حتى الآن، ولا توجد رؤية واضحة لموعد انتهائها.

وتأثير الحرب الأوكرانية على مصر تمثل فى زيادة أسعار الطاقة، والقمح، والزيوت، ويمكن أن نقول إن هذه أشياء بسيطة، بالمقارنة بقطع إمدادات الغاز عن أوروبا واشتعال التضخم فيها، والأزمة الكبيرة التى واجهناها كانت بسبب أن مصر هى الشريك التجارى الأول لأوروبا، فأصبحت عمليات التبادل التجارى مرتفعة التكلفة جدًا، أى أن كل ما يتم استيراده من الخارج ارتفع سعره، ونحن نستورد جزءًا كبيرًا من وارداتنا من أوروبا. وبالتالى بدأت الأعباء تزيد على الدولة، وتزيد وفقًا لأسوأ السيناريوهات العالمية، لتقرر الولايات المتحدة على إثر ذلك رفع أسعار الفائدة، لامتصاص السيولة الموجودة فى أسواقها ولاحتواء التضخم، بالتالى ترتب على ذلك استمرار نزيف ورحيل استثمارات الأجانب مع تكاثر الديون الحكومية. والتشابكات التجارية مع أمريكا والصين وكل دول العالم شىء فى غاية الأهمية، وحرصت هذه الدول على دعم مصر من خلال مؤسساتها.

ولا نغفل ارتفاع حجم الدين لدى الأمريكان فى زمن وجيز من ٢٢ تريليون دولار إلى ما يتجاوز ٣٤ تريليون وهذا لم يتسبب فى إيقاف اقتصادها، فاليابان فى فترة من الفترات تجاوز حجم الدين لديها الـ١٢٠٪ و١٥٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، كما تجاوزت إيطاليا الـ١٠٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وبالتالى فإن الدين ليس مشكلة فى حد ذاته، وإنما القدرة على سداده، وأن تكون لديك قدرة مالية، وبعد السداد تستطيع الدولة أن تناور وتحمى اقتصادها.

وهناك خطة للاقتصاد المصرى قبل أزمة «كورونا» كانت تستهدف خفض الدين بعدما كان قد ارتفع إلى نحو ١٠٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وبدأ يقل بالفعل، وكان المستهدف أن ينخفض إلى ٨٨٪ من الناتج المحلى الإجمالى، لكن ارتفع مرة أخرى بسبب هذه الأحداث، وهناك خطة للسيطرة على الدين كنسبة وليس كرقم، لأن الدين كرقم سيظل مستمرًا عند كل دول العالم. 

والمهم، أيضًا، هو نسبة الدين من الناتج المحلى الإجمالى، وكذلك المهم هو مدد السداد، حيث يجب أن تكون متناظرة، أى أنه خلال العشر سنوات المقبلة على سبيل المثال، يجب أن تكون مخصصات الديون فى كل سنة قريبة من السنة التالية لها، حتى لا نكون مطالبين بسداد مبلغ كبير جدًا فى سنة معينة. 

■ هل الأثر الذى تركته الحرب الإسرائيلية فى غزة مماثل لأثر «كورونا» والحرب الروسية- الأوكرانية؟ 

- الحرب فى غزة جاءت لتصب المزيد من البنزين على النار الملتهبة، لأنها جاءت بعد «كورونا» والحرب الروسية- الأوكرانية والصراع الجيوسياسى بين الصين وأمريكا، والانكماش الذى أصاب الجانبين، لكن مع ذلك أبرز المتضررين من هذه الحرب هى إسرائيل نفسها. خسائر إسرائيل كبيرة وتصل إلى أكثر من ٣٠ مليار دولار من الاحتياطى الخاص، وخسرت البورصة مع أول صدمة لها نحو ٤٠ مليار دولار، وهناك تقديرات تشير إلى أن ما يتجاوز ٦٠ مليار دولار من ميزانياتها موقوف على الإنفاق العسكرى، كما أنها تنفق حزمًا وسندات مساعدة لمواطنيها. ولدى إسرائيل مشكلة هى غير قادرة على حلّها، وهى السبب فى جعل الحرب مستمرة حتى الآن، حيث إنها لا تجد أسطورة استراتيجية مناسبة تحمى بها أمنها القومى، إسرائيل تاريخيًا لديها استراتيجية «الجدار الحديدى» وقد نفذته فى حرب أكتوبر، إلا أننا استطعنا أن نهدمه بخراطيم المياه.

وقد تمكنت ما تسمى بالقبة الحديدية أن تحقق مكاسب لإسرائيل، ونجحت فى إعطاء إيحاء لها بأنها آمنة، وهذا ترتب عليه جذب ١٥٧ ألف مليونير دولارى يمتلكون ثروات طائلة، وكان من المتوقع أن يزيد العدد فى ٢٠٢٤ حتى يصل إلى ١٧٥ ألف مليونير دولارى فى مساحة ٢٢ ألف كيلومتر مربع، وهى أعلى كثافة استثمارية وأغلى كثافة أيضًا ومخصصة للأغنياء فى بلد متوسط، إذ يصل دخل المواطن الإسرائيلى ٢٢٠ ألف دولار فى العام. لكن بعد ٧ أكتوبر انهارت هذه الأسطورة، انهارت أسطورة الأمان لدى إسرائيل، وهو ما ترتب عليه أن هؤلاء المليونيرات غادروا فصارت لديها أزمة كبيرة. وإسرائيل غير قادرة على تطبيق نظرية الجدار الحديدى الآن، فتعمل على نقل المشكلة للآخرين، حيث لم تستطع إسرائيل أن تجعل مصر طُعمًا لصراعاتها فى أكثر من جولة، وفشلت إسرائيل فى أن تنقل المشكلة لمصر، وبالتالى فإن الهدف الأساسى لدى إسرائيل هو تصدير الصراع والاضطرابات للآخرين، لكن إسرائيل حتى يمكنها الاستقرار لا بديل لديها إلا حل الدولتين.

■ كيف أثرت الحرب فى غزة على الاقتصاد المصرى؟ 

- الحرب على غزة كان لها تأثير سلبى فى البداية، لكنه قل تدريجيًا، حيث تأثرت مصر فى القطاع السياحى من خلال إلغاء حجوزات نسبية، لكن مع اتضاح الحالة بدأ التأثير يقل، كما تأثرت مصر أيضًا بزيادة أسعار البترول، وذلك كان فى البداية أيضًا، مع ضمان أن إيران لن تدخل سلاح البترول فى الصراع مع إسرائيل، حتى فى المشاكل بينهما لم يتم التطرق إلى استخدام سلاح النفط، وبالتالى استقرت الأمور لكن عند مستوى عال، فما زال سعر البترول عاليًا، حيث يقترب سعر البرميل من ٩٠ دولارًا، لكن عندما يصبح السعر من ٦٥ إلى ٧٠ دولارًا، فإن ذلك سيحقق مصالح الجميع ويصب فى مصلحة الاقتصاد حول العالم، لكن فى حال اشتعلت الأوضاع مع إيران سيصل سعر البرميل إلى معدلات فلكية.

الشىء المؤثر علينا من الحرب على غزة وما زال مؤثرًا، هو ما ترتب على أحداث غزة من سخونة فى البحر الأحمر، وفقدان قناة السويس نحو ٥٠٪ من إيراداتها، لكن مصر بحكمتها وعدم تورطها فى الحرب تخفف الخسائر، بل إنها كانت ستخسر أكثر بكثير إذا دخلت فى الصراع، وذلك لأن الدول أصحاب الحضارات تنتصر على أعدائها بالصبر الاستراتيجى، ودائمًا ما يقول الرئيس عبدالفتاح السيسى إن الجيش المصرى جيش قوى، بل من أقوى جيوش المنطقة، لكنه جيش رشيد يحمى ولا يهدد، وهو جيش يؤمن ولا يعتدى، وهذه هى استراتيجية الدولة المصرية وعقيدتها وثوابتها التى لا تتغير، والرشادة والحكمة لا تعنيان الانبطاح، أنت تراقب وتدرس بشكل جيد، كما أن وسائل التواصل الاجتماعى ليست هى من تحرك متخذى القرار، ولا يوجد قرار ليست له آثار جانبية، ودائمًا متخذو القرار يوازنون بين القرارات.

وهناك إدارة اقتصادية نجحت ونطمح أن تكون أكثر نجاحًا بشأن متى نبدأ فى سياسة ما ومتى نسرع فى التطبيق ومتى نبطئ ومتى نتوقف ومتى نختار.

■ هل تمتلك مصر أفكارًا فعالة فيما يتعلق بالأزمة الاقتصادية؟

- فى بداية عهد الرئيس مبارك، عقد مؤتمر اقتصادى جمع اقتصاديى مصر لحل المسألة، وخرجوا بمجموعة من التوصيات التى كان بعضها متعارضًا مع بعضه، تطبيق مبدأ زيادة النمو وترشيد الإنفاق، وتحسين معيشة المواطن والسيطرة على مخصصات الرواتب فى الموازنة، كل هذا كان لا يتماشى مع بعضه.

أما اليوم فيوجد الحوار والأفكار وكل شىء، لكن توجد مشكلة فى لغة وأدبيات صياغة التوصيات التى تنتج عن المؤتمرات والحوارات الوطنية، حيث تظهر فى العموم وكأنها متشابكة مع بعضها، بينما فى محاضر الأعمال تظهر المجهودات الكبرى، كما أن الفكرة فى غاية الأهمية لكن إدارة الفكرة هى الأهم.

■ هل معنى ذلك أننا نمتلك الأفكار لكن لا نجيد إدارتها؟

- نحن نجيد إدارة الأفكار لكننا نطمح فى المزيد لنحقق نتائج، فعندما نتجول فى مصر نرى النتائج الإيجابية على أرض الواقع؛ فالتنمية موجودة فى سيناء وفى الساحل الشمالى، كما تغيرت ملامح القاهرة ووجه الصعيد، لذلك فإننا نظلم أنفسنا عندما نقول إننا غير ناجحين، نحن ناجحون لكن لدينا طموح بأن نكبر أكثر وأكثر، والرئيس عبدالفتاح السيسى هو أول من عزز من قدرات المصريين على الحلم، وكانت نقطة البداية مشروع قناة السويس الجديدة بأن يكون تمويله من المصريين كمشروع قومى، فهو من استهدف تحقيق ١٠٠ مليار دولار صادرات، وهو من طالب برفع الحد الأدنى للأجور، ويضغط على ذلك أكثر من مرة، وبالتالى فإننا نمتلك الأفكار، لكننا فى حاجة إلى مزيد من إدارة هذه الأفكار من داخل الهيكل الاقتصادى ومن داخل النظام، نحن نبحث عن مزيد من الجودة ونبحث عن المزيد من الطموح والمزيد من تطوير الأداء، وهذا ما سيحقق لنا النتيجة. 

ما تأثير تصدير التضخم المستورد من أوروبا وأمريكا على الاقتصاد المصرى؟

- فى عامى ٢٠٠٧ و٢٠٠٨ كان العالم يعانى أزمة طاحنة بعد الفقاعة العقارية التى حدثت فى أمريكا وما تلاها ولم تتأثر مصر بها بشكل كبير، لأنها لم تكن اقتصادًا كبيرًا بشكل متكامل، ولكن الآن مصر الشريك التجارى الأول لأمريكا فى إفريقيا والشرق الأوسط، وكذلك الشريك التجارى الأول لروسيا وأوروبا وأوكرانيا والصين، وبالتالى لا بد أن تتأثر، وبالتالى عندما أصبحت قوة اقتصادية صار التأثير عليها كبيرًا، ومصر انفتحت على العالم، والنمط الاستهلاكى لها الآن غير النمط الاستهلاكى فى ٢٠٠٧ و٢٠٠٨، السلع ومتطلبات المواطن الآن كبيرة ومتطلبات الدولة والحكومة من مدخلات الإنتاج كبيرة أيضًا، وليس من المعقول أن يعانى العالم مشاكل فى الغاز والكهرباء ولا يعانى المواطن المصرى.