رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هشام إبراهيم: مصر تتعرض لضغوط اقتصادية هائلة تستهدف تغيير موقفها تجاه الأزمات والصراعات المحيطة

الدكتور هشام إبراهيم
الدكتور هشام إبراهيم

قال الدكتور هشام إبراهيم، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، إن مصر لا تدفع ثمن ما يحدث حولها من أزمات وصراعات بسبب موقعها فقط، ولكن تدفعه نتيجة مواقفها، حيث اتسمت الدبلوماسية المصرية على مر التاريخ بالنزاهة والاعتدال والسلام، والسعى للحفاظ على استقرار الدول.

وأضاف «إبراهيم»، خلال حواره مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، عبر برنامج «الشاهد» على قناة «إكسترا نيوز»، أن هناك دولًا تمارس ضغوطًا اقتصادية وسياسية واجتماعية على مصر، لدفعها لتغيير موقفها تجاه بعض الملفات، مثل ملف السودان الذى يسعى بعض الدول لتفكيكه، فى حين أن القاهرة تعمل على توحيده، وتقوية ووحدة قواته المسلحة للحفاظ على الدولة.

وكشف عن أن الاقتصاد المصرى تعرض لأزمات بسبب الحرب الحالية فى غزة، حيث انخفض عدد السفن العابرة بقناة السويس بشكل كبير، كما تأثرت العلاقات التجارية بين مصر وقطاع غزة، حيث كان جزء كبير مما تنتجه المصانع المصرية يصل إلى أهالينا فى القطاع.

■ بداية.. ما اقتصاد الحرب؟ وما الآثار المباشرة للحرب الحالية فى غزة ليس فقط على اقتصاد الدولة ولكن على الفرد نفسه؟

- ليس هناك فرق كبير بين مستوى المواطن ودخله وإنفاقه ومستوى دخل الدولة ككل، فالوضع الاقتصادى الجيد على مستوى الدولة ينعكس إيجابيًا على حال المواطن، والاقتصاد الذى يواجه مشكلات وصعوبات ينعكس على حياة المواطن.

والعمود الفقرى للاقتصاد هو الموازنة العامة للدولة التى تخدم على كل شىء، من تعليم وصحة ومأكل ومشرب، وبالتالى كلما واجه الاقتصاد صعوبات تأثر المواطن، فعندما يتأثر اقتصاد الدولة بفعل أزمات وحروب، فإن حياة المواطن تتأثر بالتأكيد ويكون التأثير مباشرًا، وقد تكون الدولة لا تخوض حربًا بشكل مباشر، ولكنها تتأثر بشكل كبير للغاية جراء ذلك، مثلما يحدث حاليًا فى الحرب على غزة.

ومصر لا تخوض الحرب بشكل مباشر، ولكن فعليًا نحن فى حالة حرب، ومنذ ٢٠١٩ وبداية أزمة كورونا والاقتصاد المصرى يتأثر بشكل كبير، ونجحت الدولة على مستوى الرئاسة، من خلال المبادرات الرئاسية، أن تتجاوز عامى «كورونا» بشكل مقبول، ولكن مع بداية الأزمة الروسية الأوكرانية تأثرت مصر للغاية؛ لأن هاتين الدولتين تربطهما علاقات وثيقة بمصر، خاصة من ناحية السوق السياحية، والصادرات والواردات، وبالتالى هذه الحرب أثرت على اقتصاد مصر رغم أنها بعيدة جغرافيًا عنها.

ونتحدث عن أزمات مشتعلة فى كل حدود مصر، وما يحدث فى السودان ينعكس بشكل كبير على الاقتصاد المصرى، وعلى المواطن فى الأساس، وقدر مهم من الاقتصاد المصرى يعتمد على الرقعة الزراعية فى السودان، وتقريبًا السودان يمتلك أخصب أرض فى الوطن العربى، وما حدث فى ليبيا أيضًا أضر بالاقتصاد المصرى، ومصر لا تدفع ثمن ما يحدث حولها بشكل مباشر بسبب موقعها فقط، ولكن تدفعه نتيجة مواقفها لأن الدبلوماسية المصرية على مر التاريخ تمتلك سمة النزاهة وسمة الاعتدال والسلام، والدبلوماسية المصرية هدفها الحفاظ على السلام والاستقرار فى كل دول العالم، وبالتالى مصر تسعى للتهدئة، سواء فى الملف الليبى أو السودانى، وهذا الأمر لا يروق للعديد من الدول التى تسعى لتحقيق مصالح وأهداف خاصة بها.

وهذه الدول تمارس ضغوطًا اقتصادية وسياسية واجتماعية لتغيير موقف مصر فى العديد من الملفات.

■ كيف يؤثر ملفا السودان وليبيا اقتصاديًا على مصر؟

- بالتأكيد هناك خلاف بين الدبلوماسية المصرية ودول أخرى تسعى إلى أن تلعب دورًا بشكل أو بآخر فى هذين الملفين، مثلًا فى ملف السودان مصر دائمًا عينها على الدولة، وهدفها ألا تتفكك وتظل متماسكة، وهناك دول أخرى ليست من مصلحتها أن يظل السودان متماسكًا، لذلك مصر حريصة على أن يمثل كل دولة جيش واحد وليست ميليشيات، فمصر تدعم الدولة السودانية وليس من بين أهدافها أن يتفكك السودان على عكس دول أخرى، وبالتالى يحدث خلاف فى وجهات النظر مع العديد من الدول، سواء دول عظمى أو إقليمية.

وقد يكون ضمن التكتيكات الاستراتيجية لتلك الدول أن تظل هناك أزمة فى السودان على حدود مصر تعوق القاهرة وتسبب لها المشكلات، فبعض هذه الدول يسعى لأن يسبب مشكلة للدولة المصرية عبر دعمه مخطط تفكيك السودان وإسقاطه، وبالتأكيد يؤجج الصراع الموجود هناك.

ومصر لا ترد الصاع صاعين، ولكن تنطلق من مبادئ أساسية، وهى تسعى للسلام ولا تسعى لرد الفعل مهما كانت المكائد، ومهما كان لديها من معلومات أو يقين بأن هناك دولًا بعينها تسعى لعدم استقرار دول مجارة لها، فمصر لا تسعى لإشعال الأزمة، وهذا الموقف له ثمن كبير فى ملفات متعددة، ومع ذلك ليس هناك عداء دائم مع دولة ولا وفاق دائم أيضًا، والمنطلقات تختلف فى بعض الأمور، ومصر تتحرك فى إطار من الشرف والنزاهة، وهذا قد يتناقض فى بعض الأوقات مع أساسيات العمل السياسى والعسكرى والأمنى، ولكن مصر لا تغير من عقيدتها مهما كان الثمن الذى تدفعه.

■ تدفع مصر ثمنًا كبيرًا بسبب كل الأزمات الإقليمية والدولية.. كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد والموازنة العامة؟

- مصر تسعى إلى أن تكون على علاقات طيبة ومتوازنة مع الدول العظمى، وهنا الكبار يشتبكون مع بعضهم بعضًا، والكل يسعى لأن يستحوذ على الآخر، ومصر تقف مع روسيا فى تلك الأزمة وحسمت الأمر منذ البداية، لذلك هى تدفع ثمن عدم انسياقها وراء السياسة الغربية، وفكرة الحياد من الصعب للغاية تطبيقها فى تلك الأزمة، وهذا الموقف كان اضطراريًا لأن مصر تستورد القمح من روسيا ومن أوكرانيا أيضًا، وهذه الحرب جعلت الأمر أكثر كلفة، بل الأصعب من ذلك أنه بسبب تلك الأزمة من الممكن أن يغلق الباب فى وجه مصر ولا تجد السلعة الاستراتيجية التى تريدها.

وتكلفة استيراد القمح ازدادت فى ظل الأزمة الروسية الأوكرانية، والعلاقات الاقتصادية لمصر تصدر تخوفات وتحفظات لبعض الدول، مثلًا عندما أبحث عن الصين كبديل لروسيا فهذا معناه الانحياز للصين على حساب أمريكا.

وتجربة مصر على مدار عقود قدمت دروسًا عديدة، فبعد اتفاقية السلام التى وقّعت مع إسرائيل كانت مصر تعتمد بشكل مهم على الولايات المتحدة الأمريكية فى إطار من الدعم والمساندة، وكانت لدينا مؤسسات أمريكية تساند عددًا كبيرًا من المشروعات فى مصر، وكان لا بد أن يتم الاستيراد من أمريكا وتكون العلاقات الاقتصادية معها قوية، ومصر دفعت ثمنًا كبيرًا لذلك، وبالتالى الدرس المستفاد هو أن مصر لا تعتمد على سوق واحدة، سواء كان فى السلع أو التسليح أو غيرهما.

ومصر تسعى لتنويع الأسواق، خاصة أسواق السلاح وليس السلع فقط، لتجنب مزيد من الضغوط فى عدد من الملفات الدولية، بمعنى أن مصر لديها جزء مهم من علاقاتها الاقتصادية يميل نحو الصين والهند وروسيا، وحاليًا هناك مشاكل فى البحر الأحمر، فبالتالى كان لا بد أن تكون لمصر علاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد الأوروبى، لأنه فى حالة البطء فى خطوط إمداد المواد الخام التى تجلب من الصين سنتعرض لأزمة، وبالتالى لا بد أن تكون لدينا علاقات اقتصادية متنوعة مع مختلف دول العالم، وليس معنى هذا أن ندخل فى تحالف مع تكتل ضد تكتل أو مجموعة ضد مجموعة، ولكن هذه لغة مصالح، ومصر فتحت علاقات اقتصادية مع كل دول العالم لتأمين احتياجات الدولة واحتياجات المواطن.

وفى النهاية، مصر دولة تمتلك ١٠٥ ملايين نسمة و١٠ ملايين لاجئ، والدولة التى تمتلك عدد سكان أقل تكون قدرتها على المناورة فى الأزمات أعلى، وموارد مصر محدودة، وفكرة تأمين احتياجات ١٠٠ مليون نسمة رهيبة جدًا، وكان الله فى عون الحكومة على توفير كل هذه الاحتياجات، ونحن دولة موجودة فى منطقة ملتهبة من كل الأطراف، وهذا قدرنا للتعامل مع كل هذه التحديات والظروف، ومن المهم جدًا أن يكون المواطن متابعًا كل هذا، والمواطن الذى لا يشعر بذلك يضع نفسه فى ضغط كبير يؤثر على الدولة ككل.

وفهم المواطن مهم للغاية، فيجب عليه أن يكون على دراية ووعى بالواقع الاقتصادى، فقد تراجع أعداد السياح فى الفترة الأخيرة، وفقدنا ٥ مليارات دولار كانت تأتينا من السياحة الروسية فقط، وهذا كان يخدم سوق النقد والموازنة العامة للدولة، وينعكس على التعليم والصحة واحتياجات المواطن، ونستطيع أن نقول إن اقتصاد مصر فقد ١٥ مليار دولار فى قطاع السياحة فقط بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية.

■ كيف تفسر الارتفاع الجنونى فى أسعار السلع الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة؟

- لو بحثنا آخر ٥ سنوات سنجد أن تعداد سكان مصر زاد نحو ٨ ملايين نسمة، وهذا يؤدى لمزيد من الضغط الداخلى، وخلال هذه السنوات لو تحدثنا عن السلع الأساسية كالقمح على سبيل المثال سنجد أن سعره قد ارتفع، وزاد ارتفاعه نتيجة للأزمة الروسية الأوكرانية، ونجد أن استيرادنا المشتقات البترولية ازداد، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الشحن والنقل، وزادت أيضًا تكاليف التأمين على السلع نتيجة الاضطرابات المتداخلة.

وبسبب الحرب واتجاه البنوك المركزية على مستوى العالم لرفع أسعار الفائدة، زادت تكلفة التمويل على المستوى الدولى، كل ذلك تم تحميله على أسعار السلع التى يتم استهلاكها فى الداخل، بداية من الشاى والقهوة والعصائر والدجاج واللحوم، وبالتالى يجب على المواطن أن يكون على دراية بما يحدث حوله فى العالم.

■ بعض المواطنين يحمّل الحكومة مسئولية ارتفاع الأسعار.. ما رأيك فى هذا؟

- أرى أنه لا يجب أن ندخل فى صراع مع الحكومة التى تحاول أن تحيّد هذه الأزمات، الناتجة فى البداية عن أزمة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، فالحكومة لديها مطبخ وأجهزة تعمل على حل الأزمات، فلا يجب أن يحمّل المواطن الحكومة أسباب الأزمة، ولكن يجب أن يتحد كل من الحكومة والمواطن فى جبهة واحدة، لأن إيجاد الحلول مرتبط بالعمل الجماعى وليس الفردى، وهذه هى الفكرة التى دائمًا ما يتحدث عنها الرئيس عبدالفتاح السيسى، بأننا يجب جميعًا أن نعمل مع بعضنا بعضًا فى جبهة واحدة، حكومة وشعبًا، حتى وإن اختلفنا فى شق فهذا جيد، لأن الدولة تحتاج أن ترى نقدًا فى إطار السعى للأمام.

■ ننتقل إلى ملف غزة.. كيف أثرت الحرب الحالية بشكل اقتصادى على كل الأطراف المنخرطة فى الأزمة؟

- سيناء نموذج للحرب والسلام والتنمية، أما على بُعد عدة كيلومترات منها فنتحدث عن نموذج لحرب المقاومة والخراب والتدمير، فالسياسة تحتاج إلى رؤية وواقعية، والرئيس الراحل محمد أنور السادات كانت لديه رؤية وواقعية عندما خاض ملف السلام، وفى ذلك التوقيت لو كان المسئولون الفلسطينيون قد «سمعوا الكلام» لكانت المسألة انتهت، ولكن للأسف ما زال هناك ثمن كبير يُدفع، ولا يدفعه فقط الشعب الفلسطينى، إنما الأمة العربية ككل تدفع ثمن عدم اتخاذ القرارات فى توقيتها الصحيح.

ما يحدث فى غزة هو نموذج صارخ يمكن مقارنته بما يحدث فى سيناء، التى خلال السنوات الأخيرة الماضية فقط تم إنفاق ٦١٠ مليارات جنيه لتنميتها، والمستهدف الوصول إلى تريليون جنيه، فنحن نتحدث عن دولة تبنى وتخلق فرص عمل ومشروعات قومية، والمواطن فى سيناء أصبح ينعم بكل ما ينعم به المواطن فى أى محافظة، وبالتالى هذا النموذج الذى تحتاج كل حكومات العالم إلى أن تراه، وليس إسرائيل فقط، بل الدول الضالعة أو المساندة لكل ما يحدث فى قطاع غزة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية التى كانت شريكًا أساسيًا فى عملية السلام بين مصر وإسرائيل.

وأتصور أن إسرائيل عاشت فى سلام مريح، ليس فقط الحكومات الإسرائيلية إنما بالنسبة للمواطن الإسرائيلى الذى أتصور الآن أنه أكثر مواطن يحتاج إلى الأمن والأمان.

والمواطن أصبح يشكل عنصر ضغط على الحكومات، وفى أمور كثيرة لا تنتهج الحكومات المنطق الرشيد فى السياسة والمواطن هو من يدفع الثمن، وبالتالى فإننا لا نتحدث عن تكلفة أو تغيرات فى مواقف اقتصادية، وإنما نتحدث عن أبعاد سياسية واجتماعية خطيرة، فنحن على أعتاب انتخابات أمريكية، والمواطن الأمريكى يرى ما يحدث، وبالتالى من الممكن أن يحدث تغيير كبير فى المعادلة. 

■ هل من الممكن أن تلعب أحداث الحرب على غزة دورًا فى معادلة الانتخابات الأمريكية المقبلة؟ 

- ملف الانتخابات الأمريكية معقد للغاية وغير متوقع، و«ترامب» لديه حروب مستمرة، كما أن «بايدن» ما زالت تواجهه تحديات كبيرة للغاية، سواء فى مساندة الحزب له بشكل واضح وصريح، أو بالنقد الذى يوجّه إليه من وسائل الإعلام بفعل تصريحاته التى قد يجانبها بعض التوفيق فى بعض الفترات، وعدم التركيز فى فترات أخرى، وكل هذا سوف يؤثر على المشهد الانتخابى. 

■ مصر تأثرت اقتصاديًا بالحرب الإسرائيلية على غزة.. كيف حدث ذلك؟

- مصر تأثرت بشكل كبير جدًا بالحرب الإسرائيلية على غزة بالفعل، وعلى سبيل المثال تأثرت فى القطاع الصحى الذى عمل على استقبال الجرحى الفلسطينيين، رغم أن المواطن المصرى ما زالت تواجهه صعوبات فى قطاع الصحة، وهذا الأمر يعتبر حملًا إضافيًا فى وقت يعانى فيه القطاع من تعداد سكانى ضخم.

كما أن العلاقات التجارية بين مصر وقطاع غزة تأثرت بالحرب الإسرائيلية على غزة، فجزء كبير مما تنتجه المصانع المصرية كان يصل إلى أهالينا فى القطاع، إضافة إلى الأثر المتتابع للأزمة والمتمثل فيما يحدث فى البحر الأحمر من اعتراض للسفن، ما أثر بشكل كبير على دخل قناة السويس، وقد تم الإعلان رسميًا عن ذلك، فقد وصلت نسبة الانخفاض فى عدد السفن العابرة إلى ما يتجاوز ٥٠٪، وفى العام الماضى وصل دخل قناة السويس إلى ١٠.٧ مليار دولار، وكان المستهدف هذا العام ١٢ مليار دولار.

والحقيقة أن أسهم قناة السويس كانت فى تصاعد وبشكل مفرح ومبشّر للغاية بفعل مشروع قناة السويس الجديدة، وبسبب كل التطوير الذى يحدث فيها، وكذلك المشروع القومى لتطوير الموانئ، ما جعل إدارة هيئة القناة تجرى مزيدًا من الدراسات حول المزيد من التعميق والتوسيع لاستقبال سفن أكبر، خاصة أن مستهدفاتنا كانت عالية جدًا، لكن الحرب جاءت فى توقيت صعب وتسببت فى فقدان نحو ٥ مليارات دولار بسبب المناوشات فى البحر الأحمر، والأثر ليس فقط على مصر، فجميع دول العالم قد تأثر، وكان أول رد فعل عسكرى على جماعة الحوثيين من أمريكا وبريطانيا، وبالتالى فإن الدول العظمى تدفع ثمنًا كبيرًا، لكن الغريب أن هذا الثمن الذى تدفعه غير رادع، كما أن تلك الدول لا تتوقف عن دعم إسرائيل ولا تسعى للتهدئة، والأجهزة الاستخباراتية هى التى توجه وليس المواطن، على عكس مصر مثلًا، فحكومتها لا تأخذ قرارًا ولا يعطى الرئيس أى توجيه إلا إذا كان عينه على المواطن، لكن فى دول أخرى العين على ما يأتى من أجهزة الاستخبارات، وبالتالى فإن أعينها ليست على المواطن، لأنه إذا كانت أعينها على المواطن ما كانت الحكومة الإسرائيلية ستفعل ما تفعله.

وهذا الأثر السلبى للحرب هو أثر متتابع، بمعنى أن التأخر فى وصول السفن، سواء التى تحمل سلعًا نهائية أو وسيطة أو خطوط إنتاج أو مواد خام، كل ذلك يؤثر على حركة المصانع وعلى خطوط الإنتاج وحجمها وعلى حركة التصدير وعلى علاقاتنا بالمصدرين الخارجيين، فما يحدث فى البحر الأحمر رفع من تكاليف التأمين على السفن ورفع من تكاليف التمويل.

وتأثرت السياحة أيضًا، فالكثير من دول العالم كان يقرأ كلمة غزة على أنها «جيزة»، حيث يوجد تشابه بين المفردتين، وبالتالى تأثر القطاع، وبذلت مصر جهدًا لتصحيح هذا الخطـأ، وكلما طال أمد هذه الأزمة كانت التكلفة أكبر، وكانت استعادة الوضع على ما كان عليه أصعب، كما أن قطاع غزة يحتاج لسنوات طويلة من أجل إعادة تأمينه وتعميره.

■ كيف عملت الحكومة على إدارة الأزمة ومعالجة الأثر الاقتصادى السلبى؟

- يمكننى أن أوجّه انتقادًا للحكومة، وهو أن الجهد الكبير الذى تبذله لا تتم رؤيته بشكل جيد، خاصة أن حجم التحديات خلال السنوات الخمس الأخيرة زاد بشكل كبير، فأسعار القمح ارتفعت بشدة، ورغيف الخبز يتم بيعه بـ٥ قروش لمدة ٣٠ عامًا فى إطار الدعم، وتكلفة رغيف الخبز لا تصل إلى المواطن العادى، فالمواطن لا يعرف أن ثمن الرغيف جنيه وخمسة قروش لكنه ما زال يأخذه بـ٥ قروش فقط، ولذلك فإن تكلفة الدعم فى الموازنة العامة تتزايد عامًا بعد الآخر، وبالتالى يجب وضع المعلومات والبيانات أمام المواطن طوال الوقت وبشكل مستمر.

ما رأيك فى قرار مقاطعة الأسماك فى بورسعيد؟

- لا بد أن نشيد بالمقاطعة، ونحن نحتاج إلى مثل هذا النوع من المقاطعات بشدة، لأن المواطن لديه إحساس بالخوف وأنه هو الطرف الضعيف، «ودا كلام لازم يتغير لأن فى الحقيقة المستهلك هو دائمًا الطرف القوى وليس ما هو متعارف عليه أن الأقوى هو المُنتج والتاجر»، وكل ما فى الأمر أن المستهلك يحتاج فقط إلى أن يستخدم أدوات قوته، وأن يكون هناك قدر عالٍ من التنسيق والشفافية المطلقة، وكذلك قدر عالٍ من المعلومات.

فكرة المقاطعة هى فكرة مجزية، ولكن يجب استخدامها فى التوقيت الصحيح، وأن يكون هناك وضوح ورؤية وتنسيق بين المواطن والمجتمع ككل.