رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح السعدنى.. عمدة الأداء الشعبى

صلاح السعدنى
صلاح السعدنى

- نجح بموهبته رغم تعطل مسيرته وإهماله وتهميشه المتعمد لارتباط اسمه بأخيه الكاتب الساخر

- حضوره اللافت لا يمكن تجاوزه.. وأدواره مثلت قضايا المهمومين بالوطن والراغبين فى التغيير

بالعودة للتاريخ الكبير للمبدع صلاح السعدنى فى العديد من صيغ الإنتاج؛ سنجد أننا أمام حضور لافت لا يمكن تجاوزه فى أدواره الـكبيرة، سواء فى المسرح أو التليفزيون أو السينما، كما ستجد لمعانًا غير عادى للهزيمة الاجتماعية والنفسية فى أدواره، التى مثلت كثيرًا من المهمومين بالوطن الراغبين فى التغيير، وكذا ستقابل عنده سخرية معجونة بمر الأحداث السياسية ولا معقوليتها، وهذه المسألة يمكنك بسهولة التعرف عليها لو أنك لاحظت التضييق الذى حل به من جراء ارتباط اسمه بأخيه الكاتب الساخر «محمود السعدنى»، وما يعنى ذلك من معانى الإهمال والتهميش المتعمد، حيث يثبت التاريخ الفنى أن ذلك الموهوب الذى ارتبط اسمه باسم زميل الدراسة فى كلية الزراعة آنذاك «عادل إمام»، حيث كانا متلازمين فى العروض الشبابية وخرجا معًا للحياة الفنية من كلية الزراعة بالقاهرة قد تعطل كثيرًا فى البداية، بينما لمع اسم «عادل إمام» بسرعة وصعد نجمه بشكل فائق، حتى إنه جاوز كل أبناء الجيل بعد تقديمه دورًا صغيرًا فى مسرحية لـ«فؤاد المهندس»، كان يقوم فيها بدور سكرتير لمحامٍ مخضرم يتمتع بخفة دم وذكاء غير عادى، جذب إليه الأنظار بقوة، وذلك لكفاءته الكبيرة فى إدارة المشاهد الموكلة إليه، مع التلميح بأنه جزء من طريقة فؤاد المهندس فتى الكوميديا الأول، آنذاك. 

وقد تعطل «صلاح السعدنى» عن كثير من الأعمال الفنية رغم موهبته التى لا يخطئها أحد، وكان يمكن لذلك الأمر أن يؤدى به لهوة النسيان لولا فطنته والتفاته لنفسه فى اللحظات الحاسمة.

الجمهور تعرف عليه فى مسلسل «الضحية» وتصوره «أخرس» لشدة اهتمامه بالتفاصيل

كان الجمهور قد تعرف على «صلاح السعدنى» بعد مشوار لا بأس به فى المسرح الجامعى كممثل له شأن طيب من خلال مسرح التليفزيون الذى التحق به مع زميليه «عادل إمام، وسعيد صالح»، حيث قدم مجموعة من الأدوار الصغيرة، وشارك فى بعض المسلسلات التى كان يلعب بها أدوارًا هامشية، لكنها مؤثرة وذات طبيعة معقدة فى العمل، ففى أحد الأعمال التليفزيونية وكان باسم «الضحية»، وهو الجزء الأول من خماسية «الساقية»، التى كتبها «عبدالمنعم الصاوى» لعب دور «الأخرس» بطريقة مؤثرة للغاية، حتى إن معظم المتابعين للمسلسل تصوروا أن ذلك الشاب أخرس بالفعل، وذلك لشدة الإتقان اللافت والإمساك بتلابيب الشخصية من كل جوانبها النفسية والاجتماعية، يرجع ذلك لفرط الاهتمام بتفاصيل الأداء المعقد الذى يعتمد بداهة على الذكاء والمراجعة والإلمام بالتفاصيل الدقيقة لطبيعة الأداء المصاحب للحدث، وتلك الصفات فى تصورى تعكس شخصية ممثل موهوب يحب عمله ويتقنه حد التماهى، إذ إن الممثل الذكى عادة ما يكمل أدواته الأدائية عبر كثير من الصفات، منها الاهتمام الفائق بتفاصيل الشخصية الدرامية التى يلعبها، ومعايشتها بشكل صحيح والربط بين تصرفاتها وأثرها فى محيط الحدث والشخصيات المؤثرة فيه، وكذا فهم طبيعة وفلسفة الدور وعدم الشرود عن طبيعة تلك الفلسفة حال المشاركة فى الحدث ولو بالصمت، كما أن هناك فارقًا كبيرًا فى طرق الأداء ومرجعياتها الجمالية، فمثلًا ما يصلح للواقعية يتعارض مع العبث أو التعبيرية، وحتى فى حالات المزج بين أكثر من نوع درامى هناك دائمًا رابط وفلسفة تحكم طرق تدوير اللعبة الدرامية المقدمة. 

أداؤه ممتزج بخفة الدم المصرية.. والأدوار المميزة نادته فى «ليالى الحلمية» و«أرابيسك»

عادة ما يلمع فى رأسى سؤال يخص مَن هم على شاكلة المبدع «صلاح السعدنى» ويتمتعون بهذا القدر من الموهبة والإمساك بأدق تفاصيل الشخصية، وإضافة ملامح وطرق صوتية وتعابير أدائية تخصها وحدها، هل يختار الممثل أدواره أم تختاره تلك الأدوار ليلمع موضوعها ويبقى فى ذاكرة الناس؟ ما أعرفه أن هناك أدوارًا تنادى أصحابها ويمكن للمتخصصين فى فنون الأداء أن يقرنوا ذلك ببعض الممثلين فى أدوار بعينها، مثل محمود المليجى فى فيلم «الأرض»، وزكى رستم فى «نهر الحب»، وفريد شوقى فى «جعلونى مجرمًا»، وأحمد زكى فى «زوجة رجل مهم»، وعادل أدهم فى «حافية على جسر الذهب»، ونور الشريف فى «سواق الأوتوبيس»، وأيضًا صلاح السعدنى فى مسلسلى «ليالى الحلمية» و«أرابيسك» ومسرحيتى «الدخان»، و«الملك هو الملك». 

ممثلنا الكبير واحد من هؤلاء المعجونين بجمر الألعاب الدرامية الشيقة التى تسمح للمؤدى بأن تكون له بصمة خاصة تبقى فى خيال المتلقى، يمتاز أداؤه معظم الأدوار التى لعبها بخفة الدم المصرية الخالصة، يبدو لى أداؤه كالذى يستعذب الشخصية الدرامية ويدمجها فى روحه وثقافته، وهذا الأمر بالطبع لا يأتى بالصدفة، أو عبر كمية لا بأس بها من الظهور، سواء على خشبة المسرح، أو أمام الكاميرا أو الميكروفون، وإنما عبر امتلاك زمام الشخصية الدرامية التى يلعبها ومذاكرة تاريخها جيدًا، ومراجعة مواقفها السياسية والاجتماعية والنفسية، وعلى جانب آخر اختيار ما يناسبها من أفعال وردود أفعال، ومن ثم دمغها بصيغ أدائية راسخة، يشع منها الابتكار والتنوع والمصداقية. 

مزج أعماله بالسخرية المرحة والكوميديا.. وترك بصمته على خيال الناس فى 35 مسرحية 

حتمًا ستقابل فى أعماله السخرية المعجونة بالكوميديا الزاعقة، أو تلك الموشاة بروح مرحة تعرف سهرات السمر الشعبى، وتجيد حكاياتها وتستلهم تفاصيلها الداخلية والخارجية فى البناء، وهى ميزة استلهمها من والدته، التى كانت تمتاز بالحكى الساخر والشخصية القوية، وأيضًا من أخيه الكبير «محمود السعدنى»، وتظهر تلك المسألة بجلاء فى أدواره المعقدة، مثل دور العمدة «سليمان غانم» فى «ليالى الحلمية»، وهو الدور الذى رسخ تمامًا أهمية ما يقوم له «صلاح السعدنى» فى فنون الأداء، خاصة فى الميديا التى يتابعها مئات الملايين من الناس، وكذا دور «حسن أرابيسك» فى مسلسل «أرابيسك»، حيث مزج فيه بين عدة سمات، ودور «أبوعزة المغفل» فى مسرحية «الملك هو الملك».

كما ستلمح قدراته الفائقة فى التعبير عن الشخصية المصرية فى بعض أدواره السينمائية والتليفزيونية، حيث المواطن المكسور غير المتعلم، أو المثقف الذى فقد الثقة فى التغيير، أو الموظف الذى سئم حياته الروتينية، أو الفلاح الذى يمثل الطبقات الدنيا فى السلم الاجتماعى كما فى دور «علوان» فى فيلم «الأرض»، أو الابن الذى تخلى عن والده كما فى مسلسل «أبنائى الأعزاء شكرًا»، أو المواطن البسيط المغلوب على أمره ويبدو معزولًا عن العالم، والذى لا يعرف دولاب الروتين حال رغبته فى استخراج أوراق رسمية تثبت أنه مواطن من مواليد تلك الدولة كما فى فيلم «المراكبى»، أو ذلك الذى يسلم نفسه طواعية لطلبة كلية الطب ويبلغهم عن مرضه بالتفصيل، كما فى دوره المؤثر فى فيلم «يا طالع النخل». 

شارك «صلاح السعدنى» فى أكثر من ٣٥ مسرحية غير تلك المسرحيات التى حملت حمى البدايات فى مراحل الثانوية العامة والجامعة وفرق الهواة، التى ساعدته كثيرًا فى صقل موهبته، وقد شارك كممثل محترف من خلال فرق المسرح الكوميدى، والمسرح الحديث بمسرح الدولة، وفرقة المتحدين للقطاع الخاص، وفرقة محمد فوزى، ورغم أن عدد الأدوار التى لعب من خلالها أدوار البطولة قليل، إلا أن التأثير القوى، الذى يبقى فى خيال الناس وذاكرتهم لا يتعلق فقط بحجم الدور فى اللعبة الدرامية المقدمة، وإنما يتعلق أيضًا بقوة التأثير فى الحدث الدرامى ومهارة المؤدى وقدرته على منح العرض حياة يستحقها فى ذهن المتلقى. 

وهناك العديد من الأدوار الكبيرة التى يمكن الوقوف عندها فى حياته، يأتى فى مقدمتها دور «حمدى» فى مسرحية الدخان، التى أخرجها لمسرح التليفزيون مراد منير، ودور «أبوعزة المغفل» فى مسرحية «الملك هو الملك»، ودور الأمير بمسرحية «الملوك يدخلون القرية» وبالمناسبة تعد تلك أول مسرحية يشارك فيها كبطل للعمل، كما شارك فى مسرحية «زقاق المدق» ولعب فيها دور «عباس الحلو»، وشخصية الضابط فى مسرحية «الدنيا مزيكا»، وشخصية الصحفى فى مسرحية «حالة طوارئ»، وشخصية الشاب الذى يتحول للكفاح الوطنى فى «حارة السقا»، والمجند فى «أغنية على الممر»، والمؤلف الناشئ فى «زهرة الصبار»، والأمير المفلس فى «اتنين فى قفة» المأخوذة عن المسرحية الشهيرة للكاتب الكبير «ألفريد فرج» على جناح التبريزى وتابعه قفة.

«المسرح الجديد»تعاون مع مراد منير فى 3 أعمال مسرحية كشفت عبقريته فى الجمع بين الواقعية والكوميديا الشعبية

من المعروف أن الثنائى صلاح السعدنى ومراد منير قد عملا معًا فى ثلاثة عروض، أحدها قُدم بصيغتى إنتاج مختلفتين، وهو «الملك هو الملك»، حيث قدم من خلال فرقة المسرح الحديث بالبيت الفنى للمسرح، وأعاد إنتاجه الأستاذ «محمد فوزى» فى شركة إنتاج خاصة، والثانى قُدم مع القطاع الخاص وأنتجه «سمير خفاجى» لفرقة «الفنانين المتحدين»، وهو «اتنين فى قفة»، وقد قدم المخرج تلك المسرحية مع فرقة المسرح الحديث بالبيت الفنى للمسرح، ولم يشارك فيها «صلاح السعدنى»، والعرض الثالث كان من إنتاج قطاع التليفزيون وهو «الدخان».

الجدير بالذكر، فى هذا السياق، أن المخرج الكبير «مراد منير» قد نجح تمامًا فى اكتشاف كثير من مكامن فنون الأداء عند الممثل العبقرى، واستطاع بكل ذكاء أن يخرج من داخله كثيرًا من الملامح الفنية، التى تجمع بين فنون الكوميديا الشعبية بآلياتها الجمالية واحتكامها طرقًا وأفعالًا مترسخة فى الوجدان الشعبى، وأيضًا بيّن بالدليل الدامغ أنه ممثل واقعى، يستطيع أن يحمل هم الطبقة المتوسطة غير المتحققة، وقدمه من خلالها كمؤدٍ من طراز رفيع، والمتابع لكل من «الملك» و«اتنين فى قفة» سيجد أن المخرج فيهما مستوعب فنون العرض الشعبى الكوميدى الخشن، الذى يقوم على اللعب والحكى والاتفاق على التمثيل، وكذا تبديل المواقف والأفعال، وإن كانت مسرحية «اتنين فى قفة» قد بدلت النص القديم للكاتب الكبير «ألفريد فرج» بنص يخلط بعض الأحداث ويسهلها، ويدعم قصة الحب بين الأمير «على جناح التبريزى والأميرة بنت الملك»، وأيضًا يضمن بعض المواقف والاستعراضات التى تنتظر إنتاجًا ضخمًا يقترب من حلم العروض الغنائية الاستعراضية الكبيرة فى أوروبا وأمريكا، فإن ذلك لم يأت من فراغ ولا رفاهية، وفى مذكرات «مراد منير» ذكر لأهمية ما قام به المنتج الذى أحضر لهم خصيصًا من أوروبا أقمشة تساعد المناظر المسرحية المقدمة على إشاعة البهجة وبيان البذخ، رغم أن مسارحنا، خاصة تلك المسارح التى يعتمدها القطاع الخاص فى ذلك الوقت، كانت أقل من عادية من حيث الأجهزة التقنية وإمكانات الخشبة ومساحتها.