رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثروات مصر المهدرة

(مصر الأولى عالميا في صادرات البرتقال).. (مصر الأولى عالميا في إنتاج التمور).. (مصر من أكبر الدول في صادرات الطماطم والفراولة والعنب).  

هذه بعض الاخبار عن مركز مضر في صادرات المحاصيل الزراعية، وهي أخبار في ظاهرها مبهجة ومبشرة، ولكنها في باطنها أخبار حزينة لما تحتوي في طياتها من مؤشرات خطيرة عن إهدار ثرواتنا بتصدير هذه المنتجات في صورتها الخام الأولية دون إضافة قيمة تصنيعية لها.

فعلى سبيل المثال، نستطيع استخراج ٧٠٠ منتج من البرتقال الخام تتنوع هذه المنتجات بين منتجات غذائية مصنعة كالعصائر والمربات، ومنتجات تستخدم في صناعة الأدوية ومستحضرات التجميل، وغيرهما من المنتجات كالأعلاف ذات القيمة الغذائية العالية.

ولهذا فأيا كان حجم النقد الأجنبي الذي تدره مصر من تصدير هذه المنتجات في صورتها الخام، فإجراء عمليات تصنيعية على هذه المنتجات نستطيع مضاعفة حجم النقد الأجنبي الناتج عن عملية التصدير لأضعاف كثيرة طبقا لنوع العملية التصنيعية، وهو الأمر الذي سياسهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية الشاملة والمستدامة وحل مشكلة عجز الميزان التجاري وخلق فرص عمل مستدامة.

ولفهم مدى إهدار الفرص في مصر بسبب تصدير الحاصلات الزراعية كخامات، يجب النظر إلى التجارب الدولية وتجارب الدول الناجحة في قيمة وتصنيع المنتجات الزراعية، على سبيل المثال، دول مثل الهند والصين وتركيا نجحت في تحفيز اقتصاداتها من خلال تطوير صناعة زراعية قائمة على الموارد المحلية.

وبشكل شخصي وفي زيارة لدراسة منظومة التجارة والصناعة في دولة ماليزيا، نجد أن هناك وزارتين للتجارة والصناعة، إحداهما هي وزارة الصناعات الاستراتيجية التي تعمل فقط على البحث والتطوير الدائم لزيادة القيمة لسلسلتين من سلاسل القيمة هما المطاط ومنتجات النخيل.

الجدير بالذكر، أن تلك الوزارة - كما هو الحال في وزارة التجارة والصناعة الأساسية - لا تحمل موازنة الدولة أي عبء، وذلك لأنها تمول من حجم إنجازها عن طريق ضريبة خاصة بالبحث والتطوير وتنمية الصادرات. وبذلك فإن تلك الوزارات تعمل بطاقتها القصوى كي تدعم المصنعين لزيادة حجم الإنتاج والمصدرين لزيادة الصادرات، ما يعود على تلك الكيانات بالمنفعة لربط أجور موظفيها وخبرائها بحجم الإنتاج والصادرات.

من خلال إجراء عمليات التصنيع وإضافة القيمة المضافة للحاصلات الزراعية، ستعطي مصر الفرصة لتمديد سلسلة القيمة في الاقتصاد وتعزيز التصدير المحلي والعالمي. وهذا بدوره سيدعم تنمية الصناعات التحويلية ويخلق فرص عمل جديدة ويرفع من مستوى الدخل والمعيشة في المجتمع المصري.

لذلك، يجب على الحكومة المصرية والقطاع الخاص العمل معًا على وضع استراتيجيات تهدف إلى تعزيز صناعة تحويل الحاصلات الزراعية، وتوفير البنية التحتية المطلوبة وتشجيع الاستثمارات، بالإضافة إلى تقديم الدعم والتدريب المناسب للعمالة المحلية.

كما يمكن لمصر تبني منهجية وحدات الإنتاج التعاونية التي تنشئها الدولة لتمكين المزارعين لإضافة القيمة لإنتاجهم الزراعي بشكل تعاوني.

باختصار، يُظهر التحويل المباشر للحاصلات الزراعية تحسينًا واضحًا في قيمة المنتج النهائي ويسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص العمل. إذا تم تبني هذه النهج في مصر، يمكن للبلاد تحقيق فوائد اقتصادية واجتماعية كبيرة على المدى الطويل.