رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعلانات المؤسسات الخيرية.. وليه لأ؟

جمعنى حوار رمضانى شائق مع مجموعة من الأصدقاء، ولكنه جدلى ومثير، حول موضوع أراه من الأهمية بحيث أنقله لكم فى هذا المقال من باب إعمال الفكر وتداول الآراء، موضوع طرحه أحدهم ونحن جلوس نتابع شاشة إحدى القنوات المصرية فى سهرة رمضانية خلال الأسبوع المنقضي. إذ جذبتنا إحدى حلقات مسلسل ممتع تابعنا أحداثها باهتمام، وما كدنا ندخل فى أجواء المسلسل الذى يتابعه معظم أفراد سهرتنا بحرص حلقة بحلقة، ويشاهده بعضنا كلما أتيحت له الفرصة، بينما لم يتابع الحلقات بعضنا الآخر، وقد قام بمهمة التعريف بقصة المسلسل فريق المتابعين لبقية الحضور.
وحين جذبتنا القصة ولفت نظرنا أداء بعض النجوم فى مشاهد قليلة شاهدناها، إذا بفاصل إعلانى يقطع علينا متعة المتابعة. فى هذه اللحظة قال أحد الحضور وهو يرتشف من كوب الشاى الذى قبض عليه بكلتا يديه كمن يحتضن محبوبه بعد طول غياب بسبب الصيام- وإن لم يكن الغياب فى هذه الحالة أكثر من ساعات الصيام فى هذا النهار الشتوى- فإذا به يطلق عبارات الاستهجان والرفض، معقبًا على كثرة الإعلانات التى صارت تحرمه من مواصلة المشاهدة وتدفعه للتشتت بين القنوات خلال الفقرات الإعلانية.
وهنا انقسم الجالسون إلى فريقين يتبنى كل منهما وجهة نظر بين مؤيد لموقف الصديق عاشق الشاى، مؤكدين أنهم لم يعودوا يتابعون التليفزيون لذات السبب. فى حين قال آخر إن المنصات أصبحت هى البديل المناسب للشاشة الصغيرة، إذ يمكنه من خلال المنصات مدفوعة الأجر متابعة المسلسل الذى يفضله أو البرنامج الذى يتابعه فى الوقت الذى يحدده، والأهم أنه يمكنه من خلال تلك المنصات متابعة الأحداث دفقة واحدة دون تداخلات إعلانية تطول فواصلها فى بعض القنوات أكثر من مدة عرض الفقرة الدرامية، التى قال أحدهم بسخرية إننا أصبحنا نتابع الفواصل الدرامية وسط المسلسل الإعلانى الطويل، والذى تتكرر حلقاته كل يوم لعشرات المرات ولنحو أربع إلى خمس مرات فى كل حلقة درامية.
فى حين تبنيت- مع آخرين- وجهة النظر المغايرة، إذ رأينا أن الدراما التليفزيونية فن راق، ومادة جاذبة للمشاهدين، وبالتالى فإن المعلن الذى يسعى بشدة للترويج لسلعته يجرى خلف المادة ذات المتابعة الكثيفة ويضع إعلانه أثناء بثها ليتحقق غرضه. وفى رأيي، أن ارتفاع سعر تكلفة الدقيقة الدرامية هو الذى يفرض على صاحب القناة الترحيب بكل مادة إعلانية ترده آملًا أن يغطى تكلفة المواد التى يبثها- ولا أقول تحقيق هامش ربح- فمكسب القنوات التليفزيونية المحترمة والتى تحترم مشاهديها أمر صعب المنال، لأسباب لا مجال للخوض فيها حاليًا، فضلًا عن أن الإعلانات فى حد ذاتها صارت فنًا مستقلًا لا يقل إمتاعًا ولا تشويقًا عن فن الدراما، وخاصة بعد أن صار مخرجوها يتفننون فى الأفكار وفى استخدام الموسيقى والخدع وكل فنون الإبهار البصري. كما اجتذب المعلنون نجوم الفن والرياضة ليصبحوا نجوم شاشات الإعلانات، وصارت المادة الإعلانية مصدر دخل ومنفذ ظهور لكثير من النجوم. وإن كانت تلك الإعلانات فيما مضى بابًا مهمًا لاكتشاف الوجوه الشابة التى يتخطفها صناع الدراما ليصبح كثير منهم نجومًا فى فترة قصيرة من الوقت، كما فعلت الإعلانات مع النجمة ياسمين عبدالعزيز. 
وإن كنت قد أكدت لرفاق جلستنا على أمنيتى أن تكون هناك آليات إعلانية جديدة مثل الفلاشات المرئية مثلًا، والتى لا تشتت المتابع ولا تأخذه من متعة المشاهدة. وفيما يخص تلك الإعلانات التى صارت شبه محفوظة من كثرة تكرارها، اقترحت عليهم أن تُذاع كصورة بدون صوت فى نصف الشاشة- بعد تقسيمها رأسيًا أو أفقيًا- وبث تلك الإعلانات واحدًا بعد الآخر، على أن تفصل بينها فواصل زمنية، بحيث يكون هناك إعلان واحد (أكرر صورة بدون صوت) كل خمس دقائق مثلًا على جزء من الشاشة.
وخلال فاصل إعلانى آخر عُدنا للحديث فى شأن الإعلانات، وإن كان الحوار هذه المرة قد دار حول تلك المؤسسات الخيرية والأهلية التى تبث إعلانات مباشرة أو حتى إعلانات غير مباشرة فى شكل برامجى- مدفوع الأجر- يحث الناس على البذل والعطاء. وهنا سألت المعترضين من شلة الأصدقاء: وما الضرر الذى ترونه فى مؤسسة تسعى للإعلام بنشاطاتها وأهدافها وتسعى لتنمية مواردها، وخاصة إذا كانت تقدم خدمات مباشرة لقطاع مجتمعى فى حاجة للرعاية؟ ما الذى يمنع هذه المؤسسة أو تلك لاستغلال نسبة المشاهدة الرمضانية العالية فى أن تروّج لنفسها لتتلقى التبرعات والهبات من أهل الخير الذين يجودون بما أفاء الله عليهم به من خيرات لمساعدة المعوزين وغير القادرين، وخاصة فى شهر الجود والإحسان؟
لقد تغيرت مفاهيم أشياء كثيرة من حولنا، وفرضت علينا الظروف الاقتصادية والتحولات المجتمعية أمورًا كثيرة جديدة غير تلك التى اعتدنا عليها. ومن ثم، فإن عقلياتنا ينبغى أن تتقبل تلك التقلبات وأن تتأقلم معها، وأن نسعى فى المقابل لتطويرها نسبيًا، بحيث نأخذ منها ما يفيد من جوانب إيجابية، وأن نتجنب سلبياتها ما وجدنا إلى ذلك سبيلًا.