رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رمضان فى غزة

سيصوم الغزيون وسط النار المستعرة في بلدهم الفلسطيني، لن يثنيهم عن أداء الفريضة شيء مهما يكن، ومن الطبيعي أن يفتي المفتون بجواز فطرهم في ظلال الظروف المستحيلة التي يحيون بداخلها، إلا أنهم سيؤدون الفريضة غالبا، أو أكثرهم سيفعل، لأنها تلهمهم صبرا على صبرهم، وتجمعهم ولا تفرقهم، وتصلهم بربهم وصلا قويا في وقت هم فيه في أمسّ الحاجة إلى قوة الإيمان والإحساس بوجود الإله في قلوبهم ومن حولهم، وتعلي هممهم أكثر، وترفع درجة حرارة دعائهم على عدوهم.. إنهم لا يأكلون ولا يشربون أصلا، وبلدهم محاصر من كل جهة، فلماذا لا يصومون؟!
لا سبيل إلى إنهاء الحرب في غزة؛ فأهداف إسرائيل بعيدة وعميقة، وإسرائيل لا تسمع نصيحة أحد ولا تستجيب لنداء ولا تحترم القانون الدولي ولا تبالي بالإنسانيات.. تسمع نفسها وتستجيب لرغباتها وتحترم إرادتها وتبالي بمصالحها، وبالرغم من كل حساباتها الخاطئة من الألف إلى الياء، وبيان ذلك لها، فإنها عنيدة ومكابرة، وما دامت تريد شيئا أيا كان فستسعى إليه ولو خسرت الحلفاء والأصدقاء، بل ولو خسرت التفاهم بين قادتها السياسيين أنفسهم، وخسرت جزءا من جيشها وشعبها برمتهما!
حسنًا.. لن يعطل الغزيون شريعتهم لأن محتلا بهذا القدر من الفجور والطغيان يمارس ضدهم حرب إبادة، لن يكفوا عن الصلاة فيما بقي من البيوت والمساجد المهددة باستمرار، ولن يمنعوا أطفالهم المستهدفين من الغناء لرمضان في الشوارع الخطرة، سيكونون بالغي الرضا وهم يصلون صلاتهم الواجبة، ويكونون وافري السرور وهم يتابعون الغناء الحميم، وفي النهاية سيجدون لقاءهم الحتمي بالسماء أفضل على مقام الامتثال، حتى لو سوغ لهم مسوغ أن يتحللوا من المسئولية الدينية، مؤقتا طبعا، لأنها قد تيسر قنصهم بسبب تعقيدات الأوضاع.
لا مشكلة في الأرض كالمشكلة الفلسطينية، هذا ما يتحتم على المنصفين أن يقولوه دائما أبدا؛ ففي قوله إدانة للغاصب الذميم، وبالمناسبة فإن العالم لا يصح أن يصيبه يأس مما يجري في غزة حاليا، كثرة القتل يجب أن تمهد للعدالة الناجزة الحاسمة، وكثرة الهدم يجب أن تؤسس للبناء الراسخ الصامد، وإذا طالت الحرب، بغير رادع، فلن تطول إلى القيامة، وإذا فقد البلد ألوفا من رجاله ونسائه وفتياته وفتيانه، فإنهم غدا يولدون من جديد، يولدون بحيث لا يستطيع البغض والتجبر محو شهادات ميلاد هؤلاء من السجلات، هكذا كما لم يستطيعا محو قسمات وجوه الشهداء من صفحات القلوب.
لا أقول سوى عاشت فلسطين، ومات واضعوها في الجحيم، من ضربوا قلبها مباشرة، ومن مكروا بها وتآمروا عليها، الحقيقة جلية، وفي كل يوم تتضح فوق ما كانت واضحة، والله تعالى للمنكسرين جابر، فيما يقول الطيبون، وما ألطف قولهم وما أنداه، وما أجمل المنكسرين الذين لا يتأخرون عن ربهم ولو حلكت الليالي!