رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حصانة الاقتصاد

يُتهم رأس المال بالجبن، طبقًا للمقولة الاقتصادية الشهيرة المتداولة بين الاقتصادين، وكثيرًا من العامة بأن رأس المال جبان، فالجرأة في المفهوم الاقتصادي قد تُفضي للتضحية بالموارد. ولكن الحيرة واردة في التضحية الضخمة بحجم كبير من رأس المال، ووضع الموارد الاقتصادية على المحك. ضمن تصور عام لممارسات اقتصادية قد تنجح أو تبوء بالفشل، أمام هذه الهزات الاقتصادية العنيفة والممنهجة التي تطال الوطن العربي بمجمله.

مقابل ذلك كثيرًا ما يطرح الغرب المتقدم مفهوم رأس المال الجريء ويروج له بمصطلحات متعددة مثل "الاستثمار المغامر" أو "رأس المال المجازف"، والذي يُعد أحد أشكال التمويل الذي يوفر الأموال للشركات الناشئة التي لديها إمكانات نمو عالية في المراحل المبكرة، مقابل الحصول على حصة من الملكية.

وبالتالي قد تستحوذ المؤسسات المالية والمصارف على تلك الشركات التي قد يكون لها عمق اقتصادي مؤثر على المقوم الاقتصادي، ويجعل هذا المقوم الذي يُعد مرتكز الأمن القومي للدول تحت رحمة سعر الفائدة وآليات الإقراض  للمصارف والمؤسسات المالية.

لعل حصانة الاقتصاد تأتي ضمن إطار حيوي للدول لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي الطموح والاستقرار الاقتصادي، بالعمل على تسريع الاستثمارات المباشرة في القطاعات الواعدة التي تحتاج اليها الأسواق، بمبادرات أكثر جرأة، ولكن تحت مظلة حصانة اقتصادية، لها أن تضع دورًا محوريًا للقطاع الخاص للمساهمة في تحقيق النمو المستدام بوتيرة متزنة في القطاعات الإنتاجية، وخاصة القطاعات القائدة في الإنتاج التي يمكن أن تأخذ بصحبتها القطاعات الأخرى، حتى المتراخي منها.

كل هذا في إطار سياسات اقتصادية، تعتمد برامج توسيع قاعدة التنويع الاقتصادي لتصبح منهجًا معتمدًا لتعزيز النمو الاقتصادي بتمكين القطاع الخاص، وشبه الخاص  وتحريره من القيود، لتمكين الاستثمار، والمستثمرين من خلق شراكات جديدة وجاذبة لمستثمرين جدد لتوسيع قنوات الإنتاج وضمان تنوعًا اقتصاديًا ونموًا مستدامًا لقطاعات رائدة تصنع منافسة تلقائية تدفع بالاقتصاد نحو النمو المستمر المتوازن.

تدبير نبي الله "يوسف" عليه السلام للموارد كانت تجربة رائدة، صنعت من الأزمة والانهيار الاقتصادي المتوقع استقرارًا اقتصاديًا متوازنًا، لديه فائض مول به خارجيًا. في مشاهدات صورها مستمرة تدعو للتأمل، وتعميم التجربة. "اهبطوا مصرًا فإن لكم ما سألتم" سورة البقرة - الآية ٦١.

ينبغي التفكير في كيفية الهبوط متى ما نجحت تحقق الهدف.

لنستحضر منذ نصف قرن مقولة كانت شائعة وتُردد بين الناس "إذا ما شبعت، ولا زلت جائعًا" روح السودان، من كثرة ما يعم السودان من رخاء ووفرة موارد. ويبدو أن عودة ذلك ممكنة.

إذن ما على العرب من سبيل فهبوط مصر، والذهاب إلى السودان كفيلة بالعيش منذ الأزل، بلا مشاحة ولا قتال، فحصانة الاقتصاد مرهونة  بضمان جريان نهر النيل، الذي له ألا يُحجب.

  • رئيس مركز المعرفة العربية للاستشارات