رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين ويلات الحرب وضعف الإمدادات.. طاقم مستشفى العودة لـ"الدستور": باقون ولن نستسلم

مستشفي العودة
مستشفي العودة

كشف أبطال  مستشفى العودة في جباليا شمال قطاع غزة، من الكوادر الطبية عن كواليس المعاناة المستمرة منذ 140 يومًا وحتى الآن، تحت حرب إبادة إسرائيلية شاملة على القطاع المحاصر.

مدير مستشفى العودة: نجري العمليات على ضوء الهواتف

في البداية، قال الدكتور بكر أبوصفية، القائم بأعمال مدير مستشفى العودة في شمال غزة، نحن على خط النار الأول بتل الزعتر في جباليا، مشيرًا إلى أنه ما زال حتى الآن موجود في مستشفى العودة في جباليا شمال قطاع غزة منذ بداية الحرب لم يغادر، ولكن نزحت أسرته إلى جنوب رفح عقب تهديدات الاحتلال بضرورة إخلاء الشمال.

وأضاف في تصريحات لـ"الدستور": طاقم المستشفي يضم 160 موظفًا ولدينا العديد من المرضي، وإصابات نتيجة العدوان الهمجي، ولدينا قسم النساء والتوليد الوحيد في شمال غزة يضم حالات عدة.

وأوضح "أبوصفية" أن الأوضاع داخل المستشفي حتى الآن، وعدد الإصابات التي تصل إلى المستشفى مؤخرًا أصبحت أقل من السابق، لأن الحرب في البداية كانت حرب تدميرية هدفها القضاء على معظم الناس من خلال قصف مربعات سكنية كاملة فوق رءوس ساكنيها، وحاليًا الإصابات التي تصل إصابات خفيفة، مؤكدًا أنه على الرغم من ذلك إلا أن المعاناة مستمرة بسبب الإصابات الكبيرة القديمة وخاصة في قسم العظام التي ما زالت تحتاج إلى رعاية وعمليات.

وأشار مدير المستشفى، إلى أن الاحتلال يواصل استهداف التجمعات الشبابية، أو ما تبقي من السيارات المارة، موضحًا أن أوضاع الشوارع والمدينة في جباليا وبيت لاهيا ومشروع بيت لاهيا، شبه مغلقة بالكاد السيارات تمر بها بصعوبة، موضحًا أن سيارات الإسعاف الخاصة بالمستشفى ضُربت والسيارات الأخرى التابعة للمستشفى استهدفها الاحتلال أيضًا، بجانب استهداف أجزاء من المستشفي، لافتًا إلى أن النوافذ في المستشفي مغلقة الآن بالنايلون بسبب الدمار الذى خلفه الاحتلال والقصف.

وحول الأوضاع الداخلية وتواجد النازحين داخل المستشفي، قال: "منذ بداية الحرب لم نقبل نازحين مثل المستشفيات الحكومية، لأن النازحين ببداية الحرب لجأوا إلى المستشفيات الحكومية وأعدادهم كانت كبيرة جدًا ملأت الأسرّة والغرف وحتى غرف العمليات والعناية المركزة، ولم تعد تلك المستشفيات قادرة على القيام بدورها"، متابعًا "لذلك نحن منذ البداية كنا صارمين بهذا الأمر مع النازحين، وطلبنا منهم اللجوء إلى المدارس ومراكز الإيواء القريبة من المستشفى".

وتابع: "عندما تم حصار مستشفى العودة لمدة 18 يومًا كانت هناك 4 منازل بجوار المستشفى، بليلة الحصار أهالي البيوت ما يقارب الـ70 شخصًا، جاءوا إلى المستشفى وبالفعل تمت استضافتهم خلال فترة الحصار كاملة، وتقاسمنا معهم الأكل والشرب على الرغم من قلته وعدم توافره وكان قليلًا جدًا وشحيحًا جدًا".

وأوضح أن الفترة الحالية، قسم الجراحة بالمستشفى به 17 سريرًا بها 15 مريضًا، منهم 12 مريض جراحات عظام منهم من بترت ساقه ويده، ومنهم من تم عمل تثبيت خارجي للكسور، لأن أغلب الكسور مفتوحة ولا يمكن عمل تثبيت داخلي خوفًا من التهابات العظام وعند امتثال الشفاء لتلك الحالات يمكن عمل تثبيت داخلي، هناك أيضًا مريضان تم إجراء عمليات جراحية لهم، كانا مصابين بنزيف داخلي نتيجة شظايا داخل البطن، مضيفًا أن قسم النساء والتوليد أيضًا يضم 17 سريرًا، به 14 حالة، 4 منهن أجرين عمليات ولادة قيصرية والباقي ولادة طبيعية.

وحول توافر السلع أو المستلزمات المعيشية البسيطة، قال أبوصفية إن الأوضاع المعيشية في غاية الصعوبة، موضحًا أنه منذ بداية الحرب قاموا بتخزين بعض المؤن والمواد الغذائية وطوال فترة الحرب حتى أول 10 أيام من الحصار، كان الغذاء الخاص بهم طبق أرز، طبق فاصوليا اليوم الثاني طبق أرز وطبق عدس، ولكن خلال 8 أيام من الحصار لم يتبق شىء من المخزون، وأصبح الأكل في الغداء طبق أرز، في العشاء نصف رغيف فقط للكوادر الطبية وللأسر من جيران المستشفي.

وأكد أبوصفية أن الأوضاع الآن أسوأ من فترة الحصار، لأنه لا توجد أسواق أو شىء يباع، ولا معلبات ولا طحين، مشيرًا إلى أن سعر كيس الدقيق وصل إلى 2000 شيكل، متابعًا "تجاوزنا تلك القضية الأن، وأصبحا نطحن قمح الحيوانات ونخبزه ونأكله".

وأوضح أبوصفية أن شمال غزة حتى الآن، محاصر تمامًا بنسبة 100%، ولم يصل أي مساعدات طبية أو أدوات طبية، مشيرًا إلى أن العلاقات مع وزارة الصحة ومستشفى كمال عدوان القريب منهم علاقات طيبة، ومخازن الصحة مفتوحة لهم لأخذ ما يحتاجون إليه إن وجد.

وأكد أن هناك مشكلتين رئيسيتين الآن وتشكلان معضلة كبيرة أمامهما، الأزمة الأولى السولار أو الوقود والمحروقات، حاليًا العمل داخل مستشفى العودة يعتمد على المواتير، موضحًا أن لديهم 3 مواتير 2 منها كبيرة تحتاج ألف لتر سولار لليوم الواحد، وآخر صغير يستخدم في الساعة حوالي 10 لترات سولار يتم تشغيله 5 ساعات فقط، موضحًا أن ما تبقي داخل المستشفى 800 لتر سولار تكفيهم لمدة أسبوعين، ولهذا أخذنا قرار تشغيل الموتور 3 ساعات فقط، وطلب من الجراحين إجراء عملية واحدة باليوم، وأيضًا الخبز على الموتور، ولذلك طلبت من العاملات عجن نصف الكمية، أي أن حصة كل فرد نصف رغيف فقط باليوم، وتشغيل الموتور 3 ساعات أخرى لتعبئة خزانات المياه، متابعًا "سنتحمل وما أمامنا غير التحمل".

وأشار مدير العودة إلى أن الأزمة الثانية هي الأزمة الغذائية لا يوجد غاز أو وقود أو مواد غذائية، متابعًا "وصلتنا بعض الطرود الغذائية للكوادر الطبية من بعض الجمعيات ولكنها فقيرة للمواد الأساسية".

وحول تواجد قوات الاحتلال بمحيط المستشفي، قال أبوصفية إن قوات الاحتلال انسحبت من الشمال ومن محيط المستشفي، ولكن يعوض ذلك من خلال القصف بالطيران والمسيرات والصواريخ "أثناء إجراء الحوار في هذا الشأن سقط صاروخين بالقرب من المستشفي استطاع محرر "الدستور" أن يسمعه بجانب الطائرات الزنانة".

وأكد أبوصفية أن هناك أهالي موجودين حتى الآن بالشمال بأعداد كبيرة، ويستطيعون الوصول إلى المستشفى من خلال السيارات التي تجرها الحيوانات، أو من خلال بعض السيارات القديمة أو المتهالكة جراء القصف.

وأوضح أن هناك سيارتين تابعتين للهلال الأحمر الفلسطيني، سمح لها بالتنقل في الشمال ولكنها في حالة سيئة نتيجة استهداف الاحتلال لهما، متابعًا: "نحن نحاول الحفاظ على الأجهزة، وتعودنا على التقنين والإبداع في إيجاد أساليب المحافظة واستخدام البدائل نحن مصرون على البقاء وألا يقف العمل مهما كانت الظروف مصرون على خدمة أبناء شعبنا".

وأضاف أبوصفية أنه كان لديهم مخزن ومستودع أدوية تابع لجمعية العودة الصحية والمجتمعية في تل الزعتر، وكانت هناك كميات كبيرة من المستلزمات والأدوية، متابعًا "ولكن أنهكنا في هذه الحرب، أغلب الإصابات كانت بالأطراف كانت تحتاج إلى جبس بصورة كبيرة ولذلك تبقي عدد شحيح من لفات الجبس، وتمت الاستعانة بالوزارة وأخذنا كل ما لديها وتقاسمنا مع وزارة الصحة ومستشفى كمال عدوان"، مؤكدًا "نحاول أن نكون متكاملين كمؤسسات صحية حتى نصمد فى وجه تلك الظروف ونثبت الناس في الشمال".

وأشار أبوصفية إلى أنه في الليل لا توجد كهرباء، فقط ضوء الهاتف، متابعًا "أجرينا عمليات جراحية على كشافات الهاتف" قائلًا "هناك مثل فلسطيني يقول الغزالة الشاطرة تغزل برجل دابة"، نحن لا نغلب طالما لدينا هدف إنساني ووطني، وعلى سبيل المثال دخلت جراحة لحالة مصابة من الساعة 10 إلى الواحدة ليلًا لشاب أصيب بطلق ناري، وأجرينا العملية على كشافات الجوال والكشاف الخاص بطبيب الأنف والأذن، وتم استئصال الكلية الشمال والطحال، ولكن المريض أصيب بشلل نصفي لأن هناك شظايا أصابت النخاع الشوكي، مؤكدًا أنه سيتم عمل أشعة له وعرضه على أطباء متخصصين".

وأكد أن الشعب الفلسطيني ما بيغلب، قائلًا "غزة اليوم محور الكون كله"، وما حدث في تاريخ البشرية حرب كونية من أعتى دول العالم على مدينة وليس دولًا أخرى، لذلك أقول غزة أصبحت محور الكون والشعب الفلسطيني محور الكون الآن.

وشدد أبوصفية على أن المشاهد الصعبة كثيرة جدًا منذ بداية الحرب، منها أطفال رضع فقدوا كل ذويهم ولم يتبق لهم أحد، شاب أجرى عملية وتماثل الشفاء، ولكنه ما بقي مكان ليذهب إليه يطلب البقاء ونحن لا نستطيع استقباله، لأن هناك حالات أخرى حرجة تحتاج لمكانه، بقسم الجراحة وصل طفل وطفلة صغار استشهد والدهما وكان فني أشعة، وأخذتهم إدارة المستشفى لمدة شهرين ونصف الشهر حتى ظهر أحد أقاربهم وأخذوهم، مع كل حالة في قصة ومشهد، ولكن المشهد الأصعب عندما تم قصف الطوابق العليا للمستشفى واستشهد 3 أطباء.

وأكد مدير مستشفى العودة أن تلك الحرب كان هدفها التهجير كما حدث في النكبة عام 1948، تهجير أهالي غزة إلى سيناء وأهالي الضفة إلى الأردن تحت مسمى حرب الاستقلال الثانية، مشددًا على أن هناك 3 مواقف أفشلت مخطط الاحتلال، الموقف الأول للرئيس عبدالفتاح السيسي منذ أول يوم للحرب ورفض تهجير الفلسطينيين من أرضيهم، القرار الثاني اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم وأهالي غزة الذين رفضوا وقوع نكبة جديدة، القرار الثالث وجود جهاز صحي متماسك في المستشفيات، ولذلك نتنياهو منذ أول يوم للحرب حاول ضرب البنية التحتية حاول يهدد المستشفيات، وصمودنا دفعنا ثمنه من اعتقال وإهانة وضرب.

وتابع: "كل ما نتمناه أن الأمة العربية تصحي لأن وجود دولة الكيان الصهيوني في وسط الوطن العربي في فلسطين، ليس هدفها المقدسات فقط أو فلسطين، ولكن هدفها منع الوطن العربي من التوحد، أتمنى أن يصحو العرب لأنه إذا لم تنتصر غزة فالدور عليهم جميعًا".

واختتم: "مصر قلب الأمة العربية وإن هزت مصر يهز العالم العربي أجمع، ولن يستطيع العربي أن يقول إنه عربي".

آسيا الحسنات: بقيت داخل العودة وأطفالي نزحوا للجنوب وزوجي اعتقله جيش الاحتلال خلال النزوح

البطل الثاني لقصتنا من شمال غزة، هي الممرضة آسيا الحسنات بقسم النساء والتوليد بمستشفى العودة، سيدة فلسطينية نزحت أسرتها وطفلتاها إلى الجنوب بعد تهديدات الاحتلال بالإخلاء، تخلل الخوف لقلبها على بناتها الصغار، ولذلك قررت أن ينزحوا لمكان زعم الاحتلال أنه آمن، وخلال النزوح اعتقل زوجها وتعرض لكافة أشكال التعذيب وأفرج عنه قبل أيام ليلحق بأطفاله في الجنوب.

وقالت "الحسنات" في تصريحات لـ"الدستور"، أيام صعبة نعيشها منذ بداية الحرب المستمرة حتى اللحظة جثث وأشلاء وجرحى ومصابون بكل مكان، تحول قسم التوليد إلى جراحة نظرًا لكثافة أعداد الجرحي والحالات الصعبة التي كانت تصل إلى المستشفى، نعمل بأقل الإمكانيات والأدوات.

وأضافت أنه وصلت إلى المستشفى قبل يومين، حالة معها 3 أطفال وكان موعد ولادتها وتفاجأت وقت الولادة أن جنينها متوفي جراء استنشاقها الغازات السامة الناتجة من القصف والفسفور الأبيض، وتمت ولادة الطفل متوفى.

وأكدت أن أصعب ما مر عليها خلال فترة الحرب، هو قصف المبني وتواجدها في مكان استشهاد 3 أطباء جراء القصف، وجاء الزملاء وأخرجوها من تحت الأنقاض. 

وتابعت "الحسنات" "لم أر أطفالي منذ 4 أشهر، ولم أكن أعرف مكان زوجي ولا أعرف أين بناتي، ولكن بعد 25 يومًا اطمأننت عليهم بعد خروجه من المعتقل، نحن نمر في هذه الحرب بأوقات صعبة، لا يوجد أحد لم يخش أو يخاف القصف، وخاصة أن القصف كان بشكل جنوني استهداف كامل لمربعات سكنية كبيرة، إبادة جماعية، ضميري ما سمح أن أخرج من المستشفى في ظل تواجد هذا الكم من الجرحي والإصابات، وخاصة أن عدد الطواقم كان قليلًا في المستشفيات، يعني إذا رُحنا مين بده يضل موجود في المكان، الحمد لله الواحد آمن على أطفاله وآمن على أهله على الرغم أن الوضع الحالي لم يعد به أمان مع قصف مدن الجنوب أيضًا.

سحر محمد: حالات البتر كانت كثيرة جدًا بشكل غير طبيعي ونتعامل معهم دون تخدير

فيما قالت سحر محمد ممرضة بمجمع الشفاء الطبي من غزة النصر، والآن نازحة في دير البلح وتذهب للحالات والجرحي بمكان تواجدهم وخاصة الحالات التي لم تعد تستطيع الوصول إلى المستشفيات، الوضع صعب جدًا في قطاع غزة ونخدم الناس ونؤدي واجبنا رغم الصعوبات التي تواجهنا في كل شىء.

وأضافت محمد في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن هناك شحًا وقلة في الإمكانيات والمستلزمات الطبية من غيارات وحقن أصبح كل شىء الآن غير متوفر، قائلة الكلام قليل في وصف ما يحدث في غزة الآن".

وأكدت أن حالات البتر في الأقدام كانت كثيرة جدًا بشكل غير طبيعي، موضحًا أن هناك عمليات تمت بدون تخدير أو بنج وكان التعامل صعبًا للغاية بجانب المشاهد وقت العمليات وأثناء البتر لم يعد أحد يتحملها.

وأشارت "محمد" إلى أنه في بداية أيام الحرب، كان هناك استخدام قليل لمواد التخدير والبنج، ولكن مع استمرار الحرب ونفاد المستلزمات وعدم وصول الإمدادات والمواد الإغاثية والطبية، أصبحت العمليات تجري بدون مواد تخدير.

واختتمت محمد تصريحاتها قائلة "الحمد لله لنا الأجر والثواب، ولكن الخوف موجود، ولكن نحن نتعامل كأهل غزة جميعًا أننا مشروع شهادة".