رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقف السلبى

 تعريف المثقف، حسب ما يقتضيه المصطلح في الفهم عمومًا، المفترض أنه ينتمي للفئة الراقية والتي يشغلها التفكير في كل مجتمع. ولا أقصد النخبة الثرية وإنما النخبة التي يشغلها التفكير والمعرفة والتأثير في الآخرين.
ولكن في واقع الحال نكتشف أن هناك مثقفين لديهم طموح سياسي، تجاه السلطة والوظائف العامة، فينحرفون عن جادة الصواب وهنا نطرح السؤال:
- هل يمكن أن يكون المثقف كاذبًا أو مغالطًا، عندما يتبنى مواقف سلبية؟
لذلك سنشرح ما ينبغي أن يقوم به المثقف الحقيقي تجاه وطنه، بالقياس على فعل بعض المثقفين المعروفين في العالم.
يحكي أنه عندما فاز الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران برئاسة فرنسا، تلقي دعوة لزيارة بريطانيا من السيدة تاتشر رئيسة الوزراء، فطلب الرئيس الفرنسي أن يلتقي بمجموعة من المثقفين البريطانيين فأخبرته رئيسة الوزراء أنهم ربما يجدون له أدباء أو مؤرخين أو فلاسفة، ولكنهم ليسوا مثقفين. 
كانت إجابة رئيسة الوزراء حقيقية، لأن كلمة المثقف، هي كلمة شاملة، وتعني ليس فقط القدرة على تطوير مستوى المعرفة وتقليص حدود المجهول، إنما قدرتهم على المساهمة في القضايا التي يخوضها المجتمع ويحدث النقاش حولها، وهي التي توصلهم إلى درجة المثقف. 
على سبيل المثال، يمكن اعتبار فولتير مثقفًا، لأنه لم يكتف بطرح كتبه وإخراجها على الصورة التي ظهرت بها، ولكنه تدخل في قضية من أهم القضايا وقتها في بلاده، وهي قضية كالاس، حيث تم اتهام بروتستانتي زورًا، بسبب انتمائه الديني، بأنه قتل ابنه فانحاز فولتير إلى جانبه بسبب تبني فولتير لقضايا العدالة.
كما قام فيكتور هوجو بالوقوف ضد الحكم الإعدام على المجرمين والقتلة. 
وقام المثقف والمفكر الفرنسي إميل زولا بنشر "إني أتهم" لصالح ضابط برىء، جرى اتهامه بسبب أنه يهودي. كما تبني الوزير والمثقف الفرنسي أندريه مالرو قضايا الجمهوريين الإسبان ودافع عنهم. 
نرى أنه على المثقفين، سواء كانوا كتابًا أو فلاسفة أو أساتذة أو مؤلفين في أي فرع من فروع المعرفة، أن يتبنوا قضايا أوطانهم العادلة، والتي تهم جميع الناس، بعد أن يقتنعوا بها، وألا يتركوا الفرصة لغيرهم ليقرروا مصير قضايا أوطانهم. 
أما المثقف الذي لا يتبنى القضايا العادلة لوطنه، وينحاز لجانب المصلحة حيث يوجد منصبه أو موقعه من السلطة، هو من يجب اعتباره مثقفًا سلبيًا. 
على النقيض، المثقف الذي يتبنى قضايا وطنه وبلده والجماهير، دون تمييز طائفي أو عرقي أو جنسي يمكن اعتباره مثقفًا إيجابيًا.
وسائل المثقفين على اختلاف أنواعهم لنشر أفكارهم، والتي من خلالها يكون اتصالهم وتأثيرهم على الجماهير من خلال ثلاث وسائل هي: القنوات التليفزيونية، والصحافة المكتوبة والمقروءة، ودور النشر.
يقع العبء الأكبر على وسائل الإعلام، وخصوصًا القنوات الفضائية التي لا ينكر أحد تأثيرها على الجماهير، وتكوين رأي عام. في التعاون مع هؤلاء المثقفين وإبراز دورهم في توجيه الرأي نحو قضايا البلاد. 
في مصر، تلعب القنوات الفضائية المصرية، ووسائل الإعلام الأخرى دورًا فعالًا في بث أفكار هؤلاء المثقفين ما يعرف بالمثقف السلبي أو المثقف السياسي، بما تملكه من قوة السيطرة بشكل كلي على المنظومة المعرفية للمصريين، وتقوم تلك القنوات بالترويج للأفكار التي تتبناها السلطة، وبالتالي يقتنع بها المثقف السياسي. 
يظهر هذا من خلال البرامج التي تبثها والضيوف الذين تتم دعوتهم لتلك المقابلات. وهو ما طبقته وسائل الإعلام الصهيونية في الخارج، سواء بالترويج للأفكار الصهيونية، أو التنديد بالأفكار الشرقية والإسلام. من خلال خطط ممنهجة وطويلة المدى، بحيث تم تكريس كل الأفكار لتأكيد مظلومية اليهود في الحرب، وتجريم من ينكر هذا الأمر.
والجانب الثاني بعد القنوات التليفزيونية هو الصحافة المكتوبة، بحيث تستكتب المؤسسات الصحفية من تتوافر فيهم الشروط التي ذكرناها لتعريف المثقف السلبي، وتمنح لهم الأعمدة اليومية والأسبوعية، كما يتم استبعاد أي كاتب غير متعاون مع أفكار المؤسسة، بل ويتم التعتيم عليه، وعدم استضافته في الفضائيات، وعدم نشر كتاباته في الصحف، كما تعمد الحكومة إلى تمليك حصص في رأسمال المؤسسات الصحفية لأصحاب الأفكار الموالين للصحف وإعطائهم التصاريح.
والجانب الثالث هو دور النشر، التي تنشر الكتاب الورقي، فأصحاب تلك الأفكار السلبية يقومون بنشر وترويج تلك الأفكار والمغالطات، فنجد رواجًا مدهشًا لكثير من الكتب التافهة والتي لا تقدم محتوى أو مضمونًا مقبولًا رسميًا.
وفي كل الأحوال تلعب الأفكار والمواقف السياسية لمثقفي السلطة دورًا محوريًا في السياسة.
في فرنسا، تم اعتبار من كان يعارض حرب العراق مساندًا لصدام حسين! ومن ثم اعتباره مثقفًا سلبيًا.
وأصبح المثقف السلبي هو من يروج للأفكار العارية من الصحة، كما يقوم بنشر الشائعات ضد كل من يخالفه في الرأي. 
وفي حرب غزة، نرى جانبًا واحدًا فقط، للمثقفين المصريين والعرب معهم، ولم يجرؤ مثقف واحد على معارضة مبدأ الحرب والقتل والتخريب من أساسه، مهما كانت جنسية أو ديانة القتيل أو الموقع الذي تم تخريبه وتدميره، حتى لو قام به عربي ضد عدوه. 
من المهم أن يكون هناك رأي آخر يتم عن اقتناع بالأفكار السلمية ونشر ثقافة السلام والطمأنينة لكل الناس.