رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتبة والمحامية أميرة بهى الدين: الإخوان «قلة منظمة» ونحن «كثرة مبعثرة».. وعندما تجمعنا فى 30 يونيو لم يعودوا موجودين 1

أميرة بهى الدين
أميرة بهى الدين

- قالت إن النقابيين من عناصر الجماعة سعوا لتفريغ النقابات من مهامها الأساسية
- خماسية «برديات مدن الياسمين» بدأت من مشاهدتى صور الشهيد منسى مع الصقر
- الاستقبال الأدبى لأولى رواياتى كان مُرًا.. ولن أنشر الجزء الثانى لأن محتواها كان مسممًا
- الوسط الثقافى المصرى ملىء بالصراعات والإنكار للآخر و«التجمع» قدم نموذجًا لليسار الوطنى
- تغيير القانون لا يغير الدنيا والهيمنة فى المجتمع هى للعادات والتقاليد والمفاهيم الدينية


قالت الكاتبة والمحامية أميرة بهى الدين إن العمل بالمحاماة هو التجربة الأهم فى حياتها، لأنها جعلتها ترى المجتمع دون رتوش أو تجميل، وتدرك أن تغيير القانون لا يغير الدنيا لأن الهيمنة فى المجتمع هى للعادات والتقاليد والأفكار والمفاهيم الدينية، مشيرة إلى انزعاجها ممن أسمتهم بـ«محامى الشو»، لأنهم ابتذلوا المهنة التى تُكن لها كل الاحترام.
وأوضحت، خلال حديثها لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز، على فضائية «إكسترا نيوز»، أنها توقفت عن نشر الجزء الثانى من روايتها الأولى «العيد» بعد تغير أفكارها ورؤيتها حول الرئيس أنور السادات، وحقيقة ما حدث فى حرب أكتوبر، منوهة إلى أنها بدأت كتابة خماسية «برديات مدن الياسمين» بعدما رأت صورة للشهيد البطل أحمد منسى، يوم استشهاده، مع أحد الصقور، وهو ما أوحى لها بموضوع الرواية.
وأشادت بحزب «التجمع»، الذى قدم صورة متميزة لليسار الوطنى، مشيرة إلى مواجهاتها المختلفة مع جماعة الإخوان، خاصة خلال العمل النقابى، ووصفتها بأنهم «قلة منظمة» فى مواجهة «كثرة مبعثرة»، وهو ما اتضح فى رأيها بمشهد ثورة «٣٠ يونيو»، التى كشفت عن ضعف التنظيم فى مواجهة الشعب المصرى. 
■ لماذا تراجعت بعد إصدار أول عمل إبداعى لكِ فى عام ١٩٩٦؟
- تجربتى الأولى مع الكتابة كانت رواية «العيد»، واستغرقت كتابتها ١٠ سنوات، فقد كنت زوجة وأمًا ولدىّ العديد من المسئوليات إلى جانب العمل، وكنت أتسلل من أجل الكتابة، ولم أكن أعرف كيف أكتب، فكنت أكتب وأعيد الكتابة، وكتبت منها أول جزءين ونشرت الجزء الأول، أما الثانى فلا يزال على جهاز الكمبيوتر ولن أنشره، والرواية مهمة جدًا لأنها مؤشر حول تغير رؤية الشخص حين يكون صغيرًا وحين يكبر، وكيف يرى العالم بطريقة مختلفة وتتغير أفكاره السياسية والاجتماعية.
والرئيس الراحل أنور السادات عندما زار القدس فى ١٩ نوفمبر ١٩٧٧ كان يوم عيد، وفى ٦ أكتوبر ١٩٨١ حين تم اغتياله كان يوم عيد أيضًا، ووقتها حين بدأت كتابة الرواية سنة ١٩٨٦ كان لدىّ موقف سياسى مناهض للرئيس السادات، ورواية «العيد» كلها بُنيت على ذلك، واشتغلت بكل الشخصيات لكى أقول إننا ندينه وإنه يستحق ما حدث له، وهذا فى الجزء الثانى الذى لم يُنشر، لكن هذا كان التصور وقتها.
وعندما انتهيت من نشر الرواية وبدأت فى كتابة الجزء الثانى كنت قد أصبحت أرى الدنيا بطريقة مختلفة، ورأيت أن الرئيس السادات قد أنجز أمورًا عظيمة، وكان هناك تلوث فكرى من مظاهرات الجامعة والتلامس مع الجماعات اليسارية، التى كانت ترى أن زيارة السادات القدس خيانة، وأن حرب ١٩٧٣ كانت «حرب تحريك» وليست «حرب تحرير»، وأنا كنت متبنية هذا الكلام تمامًا، وهو ما انعكس على الرواية.
ولكن، بعد فترة تغير هذا التفكير، وأدركت أننا لا نعرف معنى الحرب والاستعداد لها وقدر الجهد الذى كان موجودًا، وبدأنا حينها نسمع عن الخداع الاستراتيجى، ونتعلم ونفهم، وأصبح محتوى رسالة رواية «العيد» مخالفًا لقناعاتى الجديدة، فالبنيان كان جيدًا لكن المحتوى كان مُسممًا، من وجهة نظرى اليوم.
وأنا أنظر لرواية «العيد» على أنها تجربة الكتابة الأولى، لكنها التجربة الأهم فى حياتى عن كيف تتبدل الأفكار، وقد كتبت فى الجزء الثانى كثيرًا وكنت أعيد الكتابة وشعرت بأننى لا أستطيع إعطاء التجربة حقها، فتركتها وأنا حزينة لذلك جدًا وما زلت.
■ كيف كان استقبال الوسط الأدبى والثقافى لرواية «العيد»؟
- استقبال الوسط الأدبى والثقافى لرواية «العيد» كان مُرًا، وما زال كذلك، رغم معرفتى بالعديد من الأشخاص فى الوسط، لكنى أظن أن لدينا مشكلة كبيرة جدًا فى التعامل مع الرواية والكتاب، فرواية «العيد» بدأت معى بالتعرف على ناشر أخذ منى أموالًا كثيرة وقتها، وخدعنى، خاصة أنى كمحامية لا أتشاجر مع الناس فى حياتى الخاصة، بل أترك «الخناق» للشغل.
وقد أعطانى الناشر عددًا من الكتب واختفى بعدها، وتوقفت عن كتابة الجزء الثانى من رواية «العيد» لعدم قدرتى على إعطاء التجربة حقها، كما قلت، لأنى كتبتها وأرسلتها للناشر، وأنا أظن بحماس الصغار أنه سيكون هناك استقبال جيد لها، أو أن البعض سيقول: «إيه العمل الوحش ده؟»، لكن هذا لم يحدث.
ومثلًا، الدكتورة فاطمة موسى كتبت فى عدد تذكارى فى «أخبار الأدب» فى عام ١٩٩٦، وقالت إن رواية «العيد» لأميرة بهى هى «رواية العام»، وبعد هذه الجملة قلت لنفسى: «أنا بعرف أكتب ولازم أكمل»، لكننى توقفت لظروفى الخاصة.
■ ما ملاحظاتك على الوسط الثقافى المصرى؟
- هناك مشكلة كبيرة فى الوسط الثقافى المصرى، فعلى سبيل المثال، كاتبة من أسوان كتبت بالأمس منشورًا حزينًا بسبب عدم وصول روايتها لمعرض الكتاب، وقالت: «محدش سمع صوتى»، فهناك إحباطات كبيرة فى عالم الرواية، وقد قلت لنفسى وقتها: «أنا مش أحسن من الفراعنة»، فالفراعنة كتبوا برديات وتركوها وماتوا، وبعد سنوات كان هناك من نقب فى الحفريات ووجدها.
وكانت لدىّ مشكلة مع الوسط الثقافى، وهى أننى أستخدم العامية فى الحوار، وأكتب الأحداث بالفصحى والحوار بالعامية، لأننى أعشق العامية المصرية، وأرى أنها أكثر ما يعبر عنا، وقلت: أنا لا أكتب روايات لكن أنا أكتب حواديت وأنا خارج المقاييس الأكاديمية، ورأيت أن الكتابة هى الجموح، ولا يمكن قولبة هذا الجموح فى أطر نقيس بها، وفى عام ٢٠٠٦ بدأت أكتب على مدونتى لمدة ٣ سنوات، وكنت أكتب عليها يوميًا.
والوسط الثقافى فى مصر وسط قاسٍ مع الغرباء عليه، فهناك صراعات سياسية وفكرية وأيديولوجية، وكلهم لا يعترفون ببعضهم، وهناك حالة تربص وإنكار لوجود الآخر، فهذا الوسط غير موضوعى وصارم ومتشرذم أيديولوجيًا، ويمكن أن يكون هناك أناس موهوبون جدًا، لكنهم غير معروفين، لأن «محدش بيقولهم إنتوا مين؟».
■ كيف كانت تجربتك فى حزب «التجمع»؟
- حزب «التجمع» كان يُهاجم بشكل كبير، والدكتور رفعت السعيد كان يُهاجم طوال الوقت، وحتى فى موقفه من ٣٠ يونيو وما بعدها، لكن حزب «التجمع» أفاد مصر بتقديم نموذج لليسار الوطنى، وكان يعمل على أجندة وطنية مهمة جدًا، لكن هناك فصائل أخرى تشرذمت وتطرفت ولم تفد مصر، وللأسف خضع لهيمنتها شباب صغير، ومنهم من ضل الطريق للأبد، لكن هناك آخرين أفاقوا لكن بعد فوات الأوان ودفع الثمن غاليًا.
وبالمناسبة، حين ترى أحيانًا بعض الشباب الصغير يتطرفون يسارًا ويمينًا، هناك كثيرون ينزعجون من ذلك، لكن أنا على المستوى الشخصى لا أنزعج، لأن الإنسان لو عمل على نفسه من الممكن أن ينقذها، لكن المشكلة هى أن العوامل الأيديولوجية ليست فى السياسة فقط، وإنما هى سياسة وثقافة وأصدقاء ومصاهرة ووسط كامل، وعندما تريد الخروج من هذا الوسط تجد نفسك فى وحدة غريبة، فالآخرون غاضبون منك ويهاجمونك كأنهم لم يروا منك أى خير، ما يضع الإنسان فى اختيارات صعبة.
ونحن نعرف أن هذا يحدث فى الجماعات اليمينية المتطرفة، مثل جماعة الإخوان، فعندما يخرج منها أحد يقاطعونه ويهاجمونه، بل من الممكن أن يقتلوه، وهم يعتبرون أنك انتقلت من موقع المناضلين المحترمين إلى موقع الخونة، الذين ذهبوا للنظام، وكأنك ارتكبت جريمة كبيرة، فهم لا يحاولون المناقشة بل حتى قد يرفضون أن يسلموا عليه فى الشارع، وثقافيًا كان لهذه الجماعات تأثير ثقافى سلبى.
لكن اليسار كان مختلفًا، فلديه رموزه ونماذجه وثقافته، وهو يقوم بتعلية وبروزة هذه النماذج، ولديه مصداقية كبيرة.
■ ماذا عن رواية «برديات مدن الياسمين» خصوصًا أنه عمل لا بد من الاحتفاء به وكان فيه توثيق مهم جدًا لمرحلة أساسية معروضة للناس؟
- هى رواية خماسية، ولم أكن أظن أن أكتب خماسية، لكنى بدأت الكتابة بطريقة غريبة جدًا، ففى يوم ٧ يوليو ٢٠١٧، يوم استشهاد البطل أحمد منسى، وأحداث «كمين البرث»، وعند نزول صور الشهداء على السوشيال ميديا لفتت نظرى صورة لـ«منسى» وهو يخاطب صقرًا، والصقر كان ينظر إليه، وكأن هناك تواصلًا بصريًا حقيقيًا بينهما، وصورة أخرى، كان الصقر يقف على يديه وكأن بينهما كلامًا، فقلت لنفسى: «غريبة؟ المنسى بيكلم حورس ليه؟، إيه إللى بينهم؟ وإيه اللى ودى حورس لرفح؟». 
وعندما فتحت كتب التاريخ اكتشفت أن هناك طريقًا يسمى طريق حورس الحربى، يبدأ من مدينة فارو، وهى القنطرة قديمًا، وينتهى فى رافية قديمًا وهى رفح حاليًا، وأن هذا الطريق هو الذى دخلت منه كل الجيوش الغازية لمصر، وهو الطريق الذى تحررت عن طريقه مصر عبر جيشها الوطنى، الذى عبره، وهذا الطريق عليه محطات كثيرة للجيوش والوقود والإمداد وغيره، فقلت لنفسى: لقد ذهب حورس لـ«منسى» ليطمئن على إغلاق بوابة مصر الشرقية فى وجه الإرهابيين، وبدأت كتابة الرواية، وانتهيت منها فى يوم ٨ يوليو ٢٠١٨، فى ٥ أجزاء.
وقد كنت أكتب كل يوم لمدة ١٥ ساعة متواصلة، وحصل لدىّ طوفان مشاعر، بمعايشة حورس وتوثيق جزء من تاريخ مصر القديم، و«منسى» عاش معى وقتها فى كل ما يحدث فى سيناء، ووجدت روحى تسير بخطين فى الزمن بجوار بعضهما.
والرواية كانت عن ٥ عائلات مصرية، وبدأت أحداثها فى عام ١٩٤٧ واستمرت إلى ما بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهذه العائلات كان جزء منها فى أسوان والآخر فى السويس وجزء ثالث فى القاهرة والشرقية وغيرها، والخمس عائلات اندمجت وأنجبت البطل «منسى»، الذى ذهب لسيناء ليستشهد، وفى الرواية أطلق عليه اسم «زين»، وهو اسم رأوه على المعبد الخاص بحورس فى إدفو بأسوان، فالجزء الخاص بعائلة أسوان يتحدث عن حورس، والسويس يتحدث عن المقاومة الشعبية، والشرقية يتحدث عن التراث الشعبى والبطل الشعبى «ابن الموت».
وكنت، فى هذه الفترة، مسكونة بالأشباح أثناء الكتابة، وكنت أستيقظ كل يوم وأقول: «خلاص يا منسى بكتب»، وشعرت بأنه «عايش معايا هو وحورس»، وكانت تجربة غريبة، وأحب هذا العمل جدًا، وأتمنى أن أطبع منه ٥٠ مليون نسخة، وأوزعها على الناس فى البيوت.
■ ما تأثير عملك بالمحاماة على رؤيتك للحياة والناس؟
- أحب أن أقول إن المحاماة هى التجربة الأهم فى حياتى، لأنها جعلتنى أرى المجتمع المصرى دون رتوش أو تجميل، لأنك ترى الناس أثناء الأزمات والخناق بطريقة أخرى، وترى حقيقة التغيرات الاجتماعية والثقافية التى حدثت للمصريين، عبر رحلة عمرها ٤٣ سنة، وعندما بدأت كانت أنواع القضايا مختلفة عما بعدها بـ١٠ سنوات، فالمجتمع يتحرك، والمحاماة ترصد، وفى بعض القضايا، كنت أتحدث مع الشباب الذين يعملون فى المحاماة ونرصد معًا ماذا حدث للمصريين عبر السنوات الماضية.
وأهمية المحاماة بالنسبة لى هى أننى عندما كنت شابة صغيرة، كنت أتصور أن القانون هو أداة التغيير الثقافى والاجتماعى الوحيدة، يعنى أننا حين نغير القانون سنغير الدنيا، وكان هذا تصورًا بريئًا وطفوليًا، لأنى اكتشفت بعد فترة قصيرة أن المطلوب منها هو أن «نمحو الهرم»، فالقانون يعطل ويخترق ويتم تجاوزه، والمجتمع لديه معايير قيمية مختلفة فى العادات والتقاليد والصح والخطأ، وفى الأفكار والمفاهيم الدينية والحلال والحرام، وفى القانون المشروع وغير المشروع، وأحيانًا يتداخل وأحيانًا يتنافر، والهيمنة هى للعادات والتقاليد، فهى الأقوى، وهى التى تعطل كل شىء. 
وأدركت أننا لا بد أن نخاطب العقول والناس بلغتهم، بدون تعالٍ، والظن بأننا نفهم أكثر منهم، وهذا ما كنا نعانى منه، أى تعالى النخبة على المجتمع وعدم نزولهم إلى الشارع.
وعندما كنا نخوض حملات انتخابية لحزب «التجمع» كنا ننزل إلى الشارع ونزور المقاهى ونجد الناس مبتسمين ببرود، وكان لدينا أفراد يرصدون ردود أفعال الناس فى الشارع على ما نقوم به، وفى فترة كنا نزور البيوت لاستخراج البطاقات الانتخابية للناخبين فى المناطق الشعبية، وكنا نتحدث عن الانتخاب وحق السيدات فى الانتخاب، لكن يقابل ذلك بنظرة باردة، لأن السيدة فى المنطقة الشعبية لا تفهم ما نقوله، فهى «قاعدة مرتبة البيت ومجهزة الأكل»، ولا تفهم ما نقوله ولا لماذا نريدها أن تنزل للانتخاب.
والمحاماة علمتنى أشياء كثيرة فى الحياة، بعيدًا عن القانون والمحاكم، خصوصًا فى العمل النقابى، فبعد أن دخلت نقابة المحامين فى عام ١٩٨٠ حدثت أزمة بين مجلس النقابة والرئيس السادات، وحدث تجميد للمجلس، واعتصمنا داخل النقابة، وتعرفت وقتها على أساتذة كبار، وكنا نتعلم من الجميع، وكان مناخًا جميلًا، وبعدها تم حل الأزمة، وأصبحت علاقتنا بالنقابة منتظمة، فنحن ندفع الاشتراك ونرى ما يصدر فى مجلة المحاماة، والكتب التى تصدرها النقابة، واستمر ذلك حتى ظهر ما يسمى «التيار الإسلامى»، وبدأ «التيار» فى تقديم مرشحين للمجلس، وبدأ تشكيل التحالفات.
■ كيف أثر الإخوان على أداء وسلوك المحامين فى مصر؟
- فى عام ١٩٨١، كانت هناك حالات من القبض والاعتقال، على خلفية اغتيال الرئيس السادات، ولجنة الدفاع بالنقابة كانت تعمل بشكل كبير، وبعدها استقرت الأوضاع، لكن ظهر «التيار» وبدأ فى السيطرة على مجلس النقابة.
وكان من الغريب فى التسعينيات أن نرى فى يوم الانتخاب سرادقًا يقام أمام النقابة، وشبابًا بدفوف يقومون بأداء التواشيح، وكان الجميع لا يعلم ما يدور، فقد كانت هناك حالة من التشرذم والخلاف على عدد من المرشحين الوطنيين الذين يتنافسون على مجلس النقابة، وكان الصراع فى مواجهة «التيار» يواجه بـ«قائمة مغلقة»، وقد صدمنا وقتها من بيان يتم توزيعه فى النقابة ويقول إنه عند نجاح «التيار» فإن المحاميات لن يُمارسن العمل إلا بمحرم.
وفى مواجهة ذلك، كتبت بيانًا وجمعت عليه توقيع المحاميات، وقلت إن بيان مجلس نقابة المحامين من «التيار» كان خطوة لمنع المحاميات من العمل قبل الانتخابات، ونشرت البيان فى الصحف والأخبار، وأوضحت أن الفكرة كان فيها استهزاء شديد بالمرأة، ووقفت على أحد كراسى النقابة وكنت أندد بالبيان، ووقتها قال لى أحد أعضاء تيار الإخوان إن «هذا البيان لقيط»، فقلت له: «اصعد على الكرسى وقل ذلك»، لكنه غادر ولم يتحدث.
وبعد نجاح مجلس نقابة المحامين الإخوان، تساءلت: لماذا لا نحمى النقابة رغم أننا كثرة ولكن مبعثرة؟ وكيف نحمى مصر؟، ومنذ ذلك اليوم وأنا أقرأ عن الإخوان وتاريخهم، ووقع بين يدىّ كتاب مهم عن التجربة السودانية يحمل اسم «العسكر والإخوان»، وكنت أردد: «يا نهار أسود.. فهم مشوا فى طريق ونحن نسير عليه».
وهذا الكتاب تضمن تدريب الإخوان للطلاب فى مرحلة إعدادى وثانوى وإدخالهم اتحاد الطلاب بالجامعة وبعدها البرلمان، وتم تطبيق كل هذا مبكرًا، وبعدها تم اغتيال الكاتب فرج فودة، ويوم جنازته أدركت أنه لا يجوز أن يكون نشاطنا فى مهاجمة الجماعة الإرهابية هو أن نسير فى جنازة ونبكى، لأنه لا بد أن يكون هناك شىء آخر.
وكنت عمومًا أحرص على أن أرتدى زيًا وقورًا عند ذهابى للمحكمة، لكن فى اليوم الذى أصبح فيه مجلس نقابة المحامين كله من التيار الإخوانى ويعلم أنى معارضة لهم بدأت أرتدى ملابس طويلة، لأننى لا أريد فى أى جلسة بقاعة المحكمة أن يتربصوا بملابسى ويتركوا القضية الأساسية.
وأدركنا أننا «كثرة مبعثرة» لكن التيار الإخوانى هم «قلة منظمة»، وهذا ما اتضح فى يوم ٣٠ يونيو، فعندما بدأت الحركة فى كل المحافظات لم يكن الإخوان موجودين، لأنهم كان يجمعون بعضهم من المحافظات فى كل جمعة، لكن عندما تحركت كل المحافظات تبعثروا، فهم رغم أنهم قلة إلا أنهم منظمون. 
■ هل المحامون الإخوان متفوقون مهنيًا؟
- الإخوان كان لهم تأثير على المحامين، خاصة الشباب منهم، الذين تأثروا بأفكارهم وبكثرة القضايا، لأنهم كانوا يمارسون دورًا تضامنيًا فى نقابة المحامين مع كل عناصر التنظيمات الإرهابية الذين يقبض عليهم، فضلًا عن أنهم كانوا يعملون على تفريغ النقابات من مهامها الأساسية لصالح توجههم لكى يصلوا للناس ويسيطروا عليهم، فلجنة الدفاع عن الحريات أصبحت تمارس نوعًا آخر من المهام، وهذه الفكرة رصدها الكاتب وحيد حامد فى فيلم «طيور الظلام» بحرفية شديدة.
وبعض المحامين الذين ينتمون للإخوان كانوا مجتهدين، وكنا نستمع إليهم فى تقديم بعض القضايا، التى يقدمون فيها بحوثًا كبيرة، لكن أين ذهبوا الآن؟
وخلال حقبة الإخوان، وعلى قدر مذاكرتى لهم وشراء الكتب والبحث عنهم، كنت فى حالة إنكار، وكنت أترافع فى المحكمة وأعود لمنزلى ولا أجلس فى غرفة المحامين حتى لا أستمع إليهم، وكنت أبحث عن إجابة لسؤال كيف ننقذ مصر؟، وهذا الإنكار كان نوعًا من الحماية للذات.
■ هل نحن الآن فى زمن ليس فيه محامون كبار؟
- المحامى الكبير لا بد أن تكون لديه روافد ثقافية كبيرة، لأننا نتعرض طوال الوقت لمواضيع مختلفة، منها المتعلق بالتكنولوجيا والثقافة وغيرها من المواضيع المهمة، ولا بد من وجود خلفية ثقافية وعملية كبيرة لدى المحامى، فالمحامى رجائى عطية مثلًا كان مفكرًا كبيرًا، وكذلك كان النقيب أحمد الخواجة صاحب فكر.
■ هل «محامو الشو» مزعجون بالنسبة لك؟
- «محامو الشو» كانوا وما زالوا يزعجوننى، لأننى أحب المحاماة وأحترمها، فالناس حين تشعر بالقهر والعجز تطرق باب مكتبى لتقول لى: أنقذينا، فنحن لسنا مكتب سفريات لكننا نستقبل ضحايا، ولا بد من تحملهم واحترام المهنة والقضايا والبحث، لكن «محامى الشو» يبتذل أشياء أُكن لها شديد الاحترام.
وهذا الوضع يشبه حالة أم كلثوم، فقد كانت تذاكر وتجلس مع الشعراء والملحنين وتتعلم اللغة العربية، وتعمل على الأغنية كثيرًا، ولو أنها شاهدت المطربين اليوم لكانت قد شعرت بالقهر، عندما ترى مطربًا مثل فيلم «الكيف» وهو يقول: «بعبى شريط».