رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النرويجى الأكبر.. هنريك إبسن.. عين أعيان المسرح الاجتماعى والواقعى

هنريك إبسن
هنريك إبسن

لم تكن مصادفة أن يكون الكاتب النرويجى الأكبر هنريك إبسن، هو المسرحى الوحيد الذى يمكن مقارنة منجزه بما خلفه الإنجليزى الأشهر وليم شكسبير، وهو الذى لقبه النقاد حول العالم بأبو المسرح الحديث، ومجدد المسرح الأوروبى، وأكثر من عملوا على تأسيس المسرح الاجتماعى والواقعى تأسيسًا قويًا، خصوصًا بعد مسرحياته التى كتبها خلال سنوات تجواله فى منافيه الأوروبية، مثل «بيت الدمية» التى اشتهرت عالميًا لارتباطها بقضية مكانة المرأة فى المجتمع، إلى جانب مسرحيات كبرى مثل «الأشباح»، و«سيدة البحر» و«البطة البرية»، وارتبطت أخرى بفساد رجال المال والسلطة، كما فى «عدو الشعب»، و«أعمدة المجتمع»، و«رابطة الشبيبة»، وهى المسرحيات التى لم ينطلق فى كتابته لها من منطلقات أيديولوجية سياسية، بل من منطلقات أخلاقية تكاد تكون معادية للأيديولوجيا.

كتب إبسن أولى مسرحياته «كاتالينا» وهو فى الثانية والعشرين من عمره، ولم يهتم بها أحد، فكتب فى نفس السنة ١٨٥٠، مسرحيته «عربة المحارب» التى أطلقت شهرته، وفتحت له الباب واسعًا إلى المسرح النرويجى، ولعبت الدور الأكبر فى تحوله إلى الكتابة المسرحية بعد أن كان طوال السنوات السابقة يكتب الشعر، وينشر نصوصه فى الصحف المحلية، وفيما كان يتشكل بين الشباب وقتها، تيار يبحث عن هوية قومية، وخصوصية محلية، وينادى بالعودة إلى الفولكلور والأغانى الشعبية، والتراث الرعوى، اتجه إبسن إلى الأساطير الأوروبية الشمالية الغنية بالرموز والمعانى، وذهب فى جولة طويلة فى أرجاء الريف النرويجى بصحبة رفيقه بول بوتن هانسن، وراحا يجمعان الأناشيد والحكايات الشعبية، وأغانى الحانات وأعياد الميلاد، لا سيما ما كان لا يزال راسخًا منها فى مناطق الوسط الأوروبى، وهى المواد التى قام باستخدامها فى عدد قليل من المسرحيات التاريخية التى كتبها فى تلك المرحلة المبكرة من حياته، لكنها جميعًا لم تحقق نجاحًا يذكر، وكانت بمثابة إخفاق شديد له، لولا مسرحية «ليلة القديس يوحنا»، الوحيدة التى حققت نجاحًا جماهيريًا ونقديًا واسعًا، ولعبت دورًا فى إنارة الطريق أمامه، إذ كانت هى المسرحية الوحيدة فى تلك الفترة التى اتسمت بعصرية موضوعها، وشخصياتها، وربما كان ذلك هو السبب المباشر فى تحوله إلى النقد الاجتماعى، والمسرح الواقعى، فقد وجد إبسن المسرح الغربى خاليًا ومجدبًا، فحوله إلى شكل فنى غنى وقوى، ليس فى بلده فقط وإنما فى العالم كله، كما غير فى الكثير من أنماط التفكير الاجتماعى لجيله، ولكثير من الأجيال التى جاءت من بعده، وكانت مسرحياته بمثابة التبشير بثورة الفرد على محظورات وتحيزات النظام الاجتماعى القديم، تلك التى كانت تحكم سيطرتها فى كل مدينة، وكل قرية، وعلى كل أسرة، وعلمت النساء أن ضميرهن ومفاهيمهن الشخصية عن الحرية، لا بد أن تكون لها الأولوية على متطلبات المجتمع، مما عجل بثورة فى الاتجاهات والسلوك العام.

هنريك إبسن


اختار إبسن تمزيق الأقنعة كلها، وكشف الزيف الاجتماعى، داعيًا إلى الاعتدال والوسطية بعيدًا عن التطرف، ولهذا وصف النقاد مسرحياته بالقنابل الموقوتة، إذ كانت كل واحدة منها تفجر قضية ما، وتثير ردود فعل عنيفة، ففى عام ١٨٧٩، عندما عرضت مسرحية «بيت الدمية» للمرة الأولى، أثارت غضب المشاهدين، حتى إنهم رموا الممثلين بالطماطم، واعتبروها إهانة تمس بمكانة المرأة، وتهدد الطمأنينة العائلية، فقد رفع نص المسرحية القناع عن حياة زوجية، عاشت فيها الزوجة كاللعبة فى البيت، أكثر منها شريكة لزوجها الذى لم تدخر أى جهد لإسعاده، فى حين كان هو يتعامل معها كالدمية التى لا تفهم شيئًا، لترفض «نورا»، الزوجة قليلة الخبرة، أن تحيا حياة زائفة مع زوجها المثقف، وتكتشف أنه لا يكن لها احترامًا حقيقيًا، ولا يؤمن بحقها فى أن تفكر، أو تتخذ أى قرار، وتكتشف خديعتها فى زوجها، وتجد أن ما كانت تعتبره سعادة كان مجرد وهم كبير.
وقيل إنه بسبب الجدل الكبير الذى أثارته هذه المسرحية، واستغلالها من قبل الحركات النسائية المتطرفة، وتفسيرها بعيدًا عن مقاصد إبسن الحقيقية، اضطر إلى أن يضع لها خاتمة جديدة لإرضاء الجمهور، ورغم ذلك فلا تزال المسرحية حتى اليوم تثير جدلًا كبيرًا بين النقاد والمسرحيين حول العالم.
كان إبسن فقيرًا على المستوى الشخصى، وكان ضئيل الحجم، وقبيحًا، نشأ فى ظل شائعة تقول إنه طفل غير شرعى لرجل مجهول، وكان يصدق ذلك أحيانًا، ويردده وهو فى حالة سكر، وإن كان لا يوجد دليل على صحة ذلك، فالمعروف أنه أتى من بلد صغير فقير، لا يملك أى تراث ثقافى رسمى، وكانت الثقافة فى معظمها دنماركية اللغة، فى شباب «إبسن» ورجولته المبكرة، فكانت الكتابة بالنرويجية معناها أنك تعزل نفسك عن بقية الدول الإسكندنافية.. كانت «سكين» التى ولد بها، منطقة مقفرة، تنتشر فيها الذئاب، ومرض الجذام، وكان «إبسن» الابن الأكبر بين خمسة أطفال، أربعة ذكور وبنت واحدة، لأب يعمل بالتجارة، وأسلاف من البحارة، فيما كانت أمه ممثلة فاشلة، من عائلة تعمل بالشحن، وعندما بلغ إبسن السادسة من عمره، أفلس والده وأصبح إنسانًا مكسورًا طفيليًّا مشاكسًا نكد المزاج، وأمه التى كانت جميلة ذات يوم، أصابها الاكتئاب، وانغلقت على نفسها، فكانت تختفى فى غرفتها وتلعب بدمى الأطفال.
ويقول بول جونسون فى كتابه «المثقفون» الذى ترجمه الرائع طلعت الشايب إن خروج إبسن من هذه الهاوية، يعتبر «ملحمة عن العصامية والتعليم الذاتى، فقد تمكن من شق طريقه نحو الجامعة، ولعدَّة سنواتٍ كانت معاناته شديدة. كان يكتب الشعر والمسرحية والنقد والتعليق السياسى. مسرحيته الأولى الساخرة «نورما» لم تقدم على المسرح، أما أول أعماله التى قدمت فكانت «كاتالينا» وهى مأساة شعرية كذلك، وفشلت. لم يكن حظه أفضل مع ثانى مسرحية تُقدم على المسرح «ليلة سان جون». مسرحيته الثالثة «جبل المحارب» سقطت، الرابعة «السيدة إنجار» وهى مسرحية نثرية، قُدمت باسم مجهول، وفشلت أيضًا.
العمل الأول الذى جذب الانتباه إليه هو «حفل فى سولهاج»، كانت فى نظره شيئًا تقليديًّا تافهًا. ولو أنه اتبع ميوله الطبيعية، كما فعل فى الدراما الشعرية «كوميديا الحب»، ما كانت لتقدم على المسرح بالمرة. إلا أنه اكتسب خبرة مسرحية كبيرة بالتدريج، فقد اختاره الموسيقار «أول بول» مؤسس أول مسرح لغوى فى «بيرجن» ليكون مؤلفًا له نظير خمسة جنيهات فى الشهر، ولمدة ست سنواتٍ كان يعمل فى المناظر والملابس وشباك التذاكر ويساعد فى الإخراج، رغم أنه لم يمثل أبدًا وكانت نقطة ضعفه عدم ثقته فى قدرته على توجيه الممثلين، وكان من عادته أن ينشر مسرحياته فى كتب أولًا؛ كما كان يفعل معظم شعراء القرن التاسع عشر، ولم تكن تلك المسرحيات تظهر على المسرح إلا بعد سنوات تطول فى أحيان كثيرة، وكان عدد النسخ المطبوعة والمبيعة يتزايد تدريجيًّا من خمسة آلاف ليصل أحيانًا إلى خمسة عشر ألفًا، واستمر ذلك لفترة طويلة حتى أدرك أن المسرحيات يكون تأثيرها عند تقديمها على المسرح أقوى من قراءتها فى المكتبة، وهو ما قاده إلى ترك الشعر وتبنى النثر، ومعه نوع جديد من الواقعية المسرحية، وكتب عبارته الشهيرة: «الشعر للرؤية، والنثر للأفكار»، ولكنه لكى يحصل على هذه النقلة، احتاج إلى سنوات طويلة مثل كل مراحل تطوره، فقد كان أحيانًا يبدو كسولًا، يفكر أكثر مما يكتب، وكانت مرحلة ما قبل الكتابة بالنسبة إليه، قاسية جدًا، لأنه لم يكن يتحمل أن يكرر نفسه، فقد كان كل عمل من أعماله مختلفًا، ويمثل خطوة جديدة نحو المجهول، لكنه بمجرد أن يستقر على اختيار ما يريد أن يحدث على المسرح، كان يكتب بسرعة كبيرة.
 

حضور بغيض.. وعناية مفرطة بأناقته

على مدى العقد الأخير من حياته، كان إبسن قد أصبح أشهر رجل فى إسكندنافيا، وإلى جانب تولستوى فى روسيا، كان إبسن يعتبر أعظم كاتب حى فى العالم، فذاعت شهرته فى جميع أرجاء الكرة الأرضية، وكان الصحفيون يقطعون آلاف الأميال لإجراء حوارات معه فى شقته الكئيبة فى «فيكتوريا تراس»، كما كان ظهوره اليومى فى مقهى «جراند أوتيل» فرجة لسكان العاصمة.
كان يجلس وحيدًا، يقرأ الجريدة، أو يشرب البيرة والكونياك، على الرغم من أنه لم يكن مدمنًا للخمور، ولا حتى سكيرًا، باستثناء فترات قليلة، كان لا يشرب أبدًا عندما يكتب، يجلس إلى مكتبه صباحًا، وهو صاحٍ تمامًا، مرتديًا الفراك النظيف المكوى، ولكنه كان يشرب كنوع من المشاركة الاجتماعية، ولكى يتغلب على صمته وخجله الشديد، وبينما كانت المشروبات تفك عقدة لسانه، كانت تشعل غضبه، حتى إن ثورات غضبه فى النادى الإسكندنافى فى روما كانت مشهورة، وتخيف الناس منه، وكانت متوقعة دائمًا فى الاحتفالات واللقاءات التى كانت من تقاليد القرن التاسع عشر فى أوروبا وأمريكا الشمالية، ومحبوبة فى إسكندنافيا على نحوٍ خاص. ويبدو أن إبسن حضر المئات منها، وأغلبها انتهى نهايات مفجعة، فقد قيل إنه عندما كان يدخل المقهى فى نفس التوقيت المعتاد كل يوم، كان جميع الجالسين فى القاعة يقفون ويرفعون قبعاتهم، لم يكن أحدهم يجرؤ على الجلوس قبل ذلك الرجل العظيم، ولكن الكاتب الإنجليزى ريتشارد لى جالين، الذى كان يذهب إلى النرويج، مثل آخرين، لكى يشاهد ذلك المنظر، وكما كان يفعل آخرون يذهبون إلى «ياسنايا بوليانا» لمشاهدة تولستوى، يصف دخول إبسن بقوله: «حضور بغيض، مزموم الشفتين، مبجل بأسلوبٍ رسمى، منتصب مثل مدك البندقية، لا توجد لمحة تعاطف إنسانية واحدة فى بشرته الورقية، أو عينيه القاسيتين مثل عينى حيوان الغرير.. كان يبدو مثل اسكتلندى عجوز يدخل إلى الكنيسة».
ويحكى أن الأميرة مارى لويز، حفيدة الملكة فيكتوريا، لاحظت أنه كان يحمل مرآة صغيرة مثبتة داخل قبعته ويستخدمها وهو يمشط شعره، فقد كان أول شىء يلاحظه الناس عنه هو غروره الشديد. ولكنه لم يكن هكذا دائمًا، فقد كتبت ماجدالين ثورسون، زوجة والد زوجته، أنها عندما رأت إبسن الصغير لأول مرة فى بيرجن: «كان يبدو مثل حيوان المرموط الصغير الخجول، لم يكن قد تعلم بعد كيف يحتقر البشر، وكان يفتقر إلى الثقة بالنفس». أصبح «إبسن» شديد العناية بملبسه لدرجة المبالغة والتنميق لأول مرة فى سنة ١٨٥٦م بعد نجاح «سولهاج» وضع أهداب الشعر الطويلة على أكمام سترته مثل الشعراء، وأصبح يرتدى قفازًا أصفر ويمسك عصًا. وفى منتصف السبعينيات (القرن التاسع عشر) زاد اهتمامه بالملبس ولكن بأسلوبٍ أكثر كآبة يتناسب مع الواجهة المغلقة التى كان يقدمها للعالم، وكان اهتمامه بالملبس تفصيليا وبدرجة غير عادية، وقد وجد فى خطاباته تعليمات حرفية عن كيفية تعليق ملابسه فى الخزائن، ووضع جواربه وملابسه الداخلية فى الأدراج، وأنه كان يلمع أحذيته بنفسه، ويخيط أزرار قمصانه بنفسه، ولكنه كان يسمح لخادمته أن تلضم الإبرة!

نصيحة «أبوالهول».. وانضباط نجيب محفوظ

احتاج المسرح العالمى إلى أكثر من مائتى عام على رحيل شكسبير الذى توفى عام ١٦١٦، لكى يجدد دماءه، وتمده الحياة بعبقرية مسرحية جديدة، فقد ولد إبسن فى مارس ١٨٢٨، وفى مقدمته للفصل الخاص بحياة إبسن وأعماله فى كتاب «المثقفون»، يقول الكاتب الصحفى، والمؤرخ البريطانى الشهير بول جونسون إن «الكتابة على اختلاف أنواعها صعبة، والكتابة الإبداعية تحديدًا عمل ذهنى شاق. فالإبداع الخلاق خاصة إذا كان على نطاقٍ واسع، يتطلب طاقة استثنائية ودرجة عالية من التركيز. وأن يقضى إنسانٌ ما حياته العملية كلها، وهو يواصل تطوير وتوسيع حدود فنه، فإن ذلك يدل على مستوى رفيع من الانضباط النفسى، وقوة الذهن، الأمر الذى لا يتوفر إلا لقلة من الكتاب.. كان ذلك بالضبط هو أسلوب عمل «إبسن»، حيث من الصعب أن نتذكر كاتبًا آخر فى أى مجال، ولا فى أى عصر نجح فى حرصه على ذلك مثله، إنه لم يخترع الدراما الحديثة فقط، وإنما كتب مجموعة من المسرحيات تشكل إلى الآن جزءًا مهمًّا من ريبرتوار المسرح».
ربما تنطبق هذه الفقرة بصورة أكبر على حياة عين أعيان الأدب المصرى الحديث نجيب محفوظ، لكن جونسون الذى توفى فى يناير العام الماضى عن ٩٥ عامًا، ربما يكون معذورًا لأنه لم يطلع على حياة، وربما أعمال، محفوظ، وانحصرت كتاباته حول التاريخ الأوروبى والأمريكى المعاصر، حتى إنه فى الفصل الذى يقترب من عشرة آلاف كلمة، وتناول فيه أدق تفصيلات حياة هنريك إبسن، لم يكتب سطرًا واحدًا بشأن رحلته إلى مصر، ولا المسرحية التى لعب فيها تمثال أبوالهول دورًا كبيرًا فى تحولات بطلها، وهى مسرحية «بيرجينت»، والتى تعد واحدة من العلامات المميزة فى مسيرة واحد من أبرز الكتاب العالميين فى المسرح الواقعى، إذ اتسمت بخيال طاغ على عكس غالبية أعماله، وهى المسرحية التى كتبها قبل عامين من دعوته لحضور حفل افتتاح قناة السويس من قبل الخديو إسماعيل، كممثل للبلدان الإسكندنافية، ويتتبع فيها مسار فتى ريفى فقير، لكنه يملك خيالًا بلا حدود، إذ يروى لوالدته طوال الوقت وقائع مغامرات خيالية، ويحلم أن يكون إمبراطورًا على العالم، يقع فى غرام «سولفيج»، ويعشق أخريات فى نفس الوقت، ويقرر الهروب من حياته، فيهجر حبيبته، متنقلًا حول العالم، وعندما يصل إلى القاهرة، يذهب إلى «أبوالهول»، فيقف أمامه متسائلًا: من أنا؟!
لتأتيه إجابة الصامت الأبدى: اختر نفسك.
هنا يقرر العودة إلى بلده، والبحث عن ذاته وهويته، عملًا بنصيحة «أبوالهول» له، وهناك يتمكن من العثور على حبيبته، ولملمة أشلائه، والاستقرار فى حياته.

الحب.. فكرة للتمثيل فقط

كتب إبسن كثيرًا عن الحب، وكان الحب هو الموضوع الرئيسى لشِعره، حتى وإن كان ذلك بمعنًى سلبى للتعبير عن آلام العزلة، ولكن من المشكوك فيه أن يكون قد أحب، أو استطاع أن يشعر بالحب نحو شخص بعينه، أكثر من كونه فكرة للتمثيل على خشبة المسرح فقط، وعلى الرغم من أنه تزوج من سوزانا ثورسن، ابنة عمدة بيرجن، وأنجب منها ابنه الشرعى، سيجورد إبسن، فإن الزواج تم بعد فترة خطوبة باردة استمرت عامين. كانت قارئة نهمة، عنيدة، وكانت زوجة أبيها المثقفة تقول عن إبسن باحتقار، إنها لم تعرف بعد كيركجارد شخصًا يضطر للانفراد بنفسه أكثر منه، كان الزواج وظيفيًّا أكثر منه دافئًا. ولكنه بطريقة أو بأخرى كان حاسمًا بالنسبة لإنجاز إبسن، فعندما كانت تتعرض مسرحياته للرفض أو الفشل، وكان يفكر فى تطوير موهبته الأخرى فى الرسم؛ كانت زوجته تمنعه من ذلك، وتجبره على الكتابة كل يوم. وقال سيجورد، ابنه الشرعى الوحيد، فيما بعد: «إن العالم يستطيع أن يشكر أمى لأنها احتفظت بالحد الأدنى من الرسام السيئ وحصلت بدلًا منه على كاتب عظيم».