رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بهجة الشعر.. زينة افتتاح معرض الكتاب هذا العام

لم تبق سوى أيام معدودة على بدء فعاليات الدورة الخامسة والخمسين من معرض القاهرة الدولى للكتاب، الحدث الذى عشت سنوات طويلة أراه بمثابة وجبة رئيسية تكفينى لبقية السنة كلها، من ندوات فكرية، لأمسيات شعرية، وفنية، ولقاءات ثقافية، وعروض مسرحية، مرورًا بقاعات عرض الكتب بالطبع.. ربما قلت مرات تواجدى به خلال السنوات الأخيرة، لكن هذه طبيعة الحياة، خصوصًا مع تراجع القدرة على «التنطيط»، والانتقال من قاعة لأخرى.. على أننى أذكر جيدًا كيف كنت لسنوات طويلة أقضى يومى كاملًا بين القاعات فى موقعه القديم بأرض المعارض بمدينة نصر.. وربما لعبت ظروفى الخاصة وقتها الدور الأكبر فى كثافة تواجدى تلك، فقد كانت بداية عملى بالصحافة كمحرر ثقافى مبررًا كافيًا جدًا لى كى أكون أمام بوابات الدخول فى التاسعة صباحًا، ومنها إلى المقهى المجاور لخيمة المقهى الثقافى لتناول الإفطار وقليل من القهوة المغشوشة التى لا تضبط المزاج، ولا تعكره، ولا أتعامل معها إلا كاسم، فقط لا غير، مجرد اسم للتسكين النفسى لا أكثر ولا أقل، فبغيرها ربما أقضى يومى كله وسط عواصف الصداع وتنغيصاته، وهو ما اكتشفت مؤخرًا أنه مجرد وهم عشت تلك السنوات أخدع به نفسى، فلم تكن تلك القهوة تشبه القهوة فى غير لونها، ولم تكن متعتى بدلقها فى جوفى تشبه متعة ارتشافها على مهلٍ، مع سيجارة «كليوباترا» بعد تخليصها من بعض الدخان والسوس و«نشارة الخشب»، والدعاء ألا تكون «منفسة»، وربما كان الصداع نفسه مجرد تصور لا أصل له، ولا ظل من الحقيقة.

دقائق الجلوس بالمقهى كانت تكفينى لقراءة جدول الفعاليات، وتحديد خطة تحركاتى بعدها طوال اليوم.. أتنقل من خيمة إلى أخرى، ومن جناحٍ إلى جناح، ومن ندوةٍ إلى استراحةٍ بالمقهى، أو على الرصيف، كوب شاى من هنا، على لقمة من هنا، لا يهم سوء طبق الكشرى «البايت» أبو ٢٠ و٢٥ جنيهًا بالمقهى الثقافى «الكلام ده زمان يعنى»، لا طعم ولا لون ولا رائحة، بينما كان أجعص طبق عند «أبوطارق» أو «سيد حنفى» لا يزيد على عشرة جنيهات، مع فارق الجودة طبعًا، وقتها لم أكن أغادر أرض المعارض طوال ساعات اليوم، تبدأ جولتى بها من التاسعة صباحًا، وتمتد حتى ما بعد إغلاق أبواب الدخول، وانتهاء الأمسية الشعرية الرئيسية، وهو ما يجعلنى أنظر لما يتضمنه برنامج المعرض هذا العام، وبعض السنوات السابقة بعين شاعر العرب الكبير أبوالعتاهية، وأنشد معه «ليت الشباب يعود يومًا»، ولكن ليس لكى أخبره بما فعل المشيب، ولكن لكى أصحبه فى رحلة ربما لم تتكرر إلى أرض المعارض الجديدة، وأدور به بين قاعات معرض القاهرة الدولى للكتاب، خصوصًا بعد ما صرح به الشاعر الكبير أحمد الشهاوى، بصفته عضوًا بالهيئة الاستشارية للمعرض، من حضور خاص للشعر والشعراء فى هذه الدورة، وتمكنه من دعوة عدد كبير من الشعراء المصريين والعرب، قال الشهاوى فى الندوة التى نشرتها جريدة «حرف» الثقافية المتخصصة الصادرة عن مؤسسة الدستور ما نصه: «استطعت أن أدعو عددًا مهمًا من كبار شعراء العالم، شعراء الصف الأول فى بنجلاديش والهند والأرجنتين وألمانيا وكولومبيا والصين وإسبانيا والمكسيك والأرجنتين وإيطاليا والدنمارك وسويسرا، وهؤلاء أتوا على نفقتهم الخاصة من أجل مصر، وهم شعراء حصلوا على جوائز كبيرة، ولهم مكانة خاصة فى بلدانهم»، مضيفًا أن معرض الكتاب هذا العام سيشهد شيئًا جديدًا، فقد تم تخصيص ساعة ونصف الساعة يتحدث فيها كل شاعر ما بين القراءات الشعرية والمناقشات المفتوحة مع الجمهور، وذلك لأن عددًا من الشعراء، الذين سوف يحضرون الندوات هذا العام، يتمتع بأهمية شعرية على مستوى العالم، وهى أول مرة تحدث أن يأتى شاعر كبير مثل ريشما راميش الهندية، وأمينور رحمان من بنجلاديش، وتوبياس بوركهارت من ألمانيا، وكلاوديو بوتساتى من إيطاليا، وهناك أيضًا واحد من كبار الشعراء الصينيين، وأيضًا خوان أرماندو من المكسيك، وكارلوس أجواساكو من كولومبيا الذى حصل على واحدة من أكبر جوائز الشعر فى أمريكا العام الماضى، ومن الشُّعراء العرب سيأتى شوقى عبدالأمير، ومن المصريين محمد سليمان، وهناك ندوتان مع هؤلاء الشُّعراء وسواهم من الذين سيكونون مشاركين فى المعرض، والندوتان مفتوحتان سيتناقشون فيهما خلال ثلاث ساعات، وسيكون النقاش حول قضايا الشعر فى العالم، ولأول مرة فى معرض الكتاب سيمنح كل شاعر مصرى أو عربى أو أجنبى شهادة من الهيئة المصرية العامة للكتاب تحمل اسم مصر.. ربما لا يمثل موضوع الشهادة ذلك إضافة مهمة للمعرض، أو للمشاركين فى ندواته من الشعراء، لكن وضع الشعر المصرى فى مقدمة أولويات برامج الندوات، وذلك الحضور القوى لشعراء العالم هو ما يمنح هذه الدورة الكثير من إشارات التفرد، خصوصًا مع أنباء تولى الشهاوى مسئولية إصدار سلسلة «ديوان الشعر المصرى»، وهى السلسلة التى تعمل على إبراز جماليات وتاريخ الشعر المصرى القديم على مدار ألف سنة، وتكتسب أهميتها من أن تاريخ الشعر فى مصر يتضمن أسماءً كثيرة تم إهمالها، أو تجاهلها، ولم تحظ بما حظى به شعراء العرب الكبار من دراسات أكاديمية جادة، ومتعمقة لمنجزها الكبير، ولم تسع دور النشر الخاصة والعامة إلى إعادة طبع دواوينها، فكانت النتيجة الطبيعية أن راحت، جميعها، طى النسيان، ليأتى هذا المشروع الطموح ليعيد إليها بعضًا من حقها المهضوم، ولتبدأ فعاليات المعرض هذا العام بستة دواوين تصدر مع افتتاحه، وهى دواوين الشعراء البهاء زهير، وابن سناء الملك، وابن النبيه، وابن الكيزانى، وابن نُباتة المصرى، وابن قلاقس.