رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التقارب المصرى الصومالى

مجددًا، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى أن مصر ترفض «مذكرة التفاهم»، التى وقعها رئيس الوزراء الإثيوبى مع زعيم ولاية «أرض الصومال»، والتى تمنح إثيوبيا ميناءً بحريًا وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر، مقابل اعترافها بهذه الولاية الصومالية، كدولة مستقلة. وخلال المؤتمر الصحفى، الذى عقده مع الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، بقصر الاتحادية، جدّد الرئيس، أيضًا، تشديده على أن مصر تدعم الصومال، وترفض التدخل فى شئونه والمساس بسيادته، ولن تسمح بأى تهديد لأمنه واستقراره.

حلّ الرئيس الصومالى، الأحد، ضيفًا عزيزًا على القاهرة، واستقبله الرئيس السيسى. وخلال المؤتمر الصحفى المشترك، تناول العلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وأعرب عن تطلعه إلى المزيد من التعاون القائم على الاحترام والمنافع المشتركة، مثمّنًا دعم الرئيس السيسى الفورى للصومال فى مواجهة محاولة إثيوبيا، غير القانونية، تقويض سيادته وسلامة أراضيه. كما أكد أن لدى الصومال رغبة قوية للعمل مع مصر على تعزيز الروابط الاقتصادية والأمنية والسياسية، خاصة فى ظل حالة عدم اليقين الجيوسياسية، وفوضى النظام العالمى، ووجّه رسالة للشركاء الدوليين مفادها أن الشراكة المصرية الصومالية، فى كل المجالات وعلى مختلف الأصعدة، لا تحمل تهديدًا لأى بلد آخر.

تولى حسن شيخ محمود رئاسة الصومال مرتين، الأولى منذ ١٦ سبتمبر ٢٠١٢ إلى ١٦ فبراير ٢٠١٧، والثانية، الحالية، بدأت منتصف مايو ٢٠٢٢، بحصوله على ٢١٤ صوتًا، مقابل ١١٠ أصوات، منحها البرلمان الصومالى لمنافسه الرئيس السابق، المنتهية ولايته، محمد عبدالله فرماجو، الذى كان قد أعلن عن دعمه إثيوبيا فى حربها ضد إقليم «تيجراى»، وعقد جلسة مباحثات، فى الشهر نفسه، مع زعيم ولاية «أرض الصومال»، فى جيبوتى، بوساطة من آبى أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا، دون أن تسفر عن أى اتفاق. والطريف، أن فرماجو وآبى أحمد، منحتهما الأمم المتحدة، سنة ٢٠١٩، جائزة كونكورديا للقيادة!

بتأكيده أن «لدينا ٢٧ مليون كمال الدين صلاح، مستعدون للاستشهاد من أجل حرية الصومال»، استقبل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وفدًا صوماليًا، رافق جثمان مندوب مصر فى مجلس الأمم المتحدة الاستشارى للصومال، الذى دفع حياته، فى ١٦ أبريل ١٩٥٧، ثمنًا لاستقلال الدولة الشقيقة والحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها، والذى يحيى الصوماليون، حكومة وشعبًا، ذكرى استشهاده، سنويًا، فى مثل ذلك اليوم، وأطلقوا اسم كمال الدين صلاح، على مستشفى وأحد شوارع العاصمة مقديشيو.

مع كونها أول دولة تعترف باستقلال الصومال، سنة ١٩٦٠، واصلت مصر دعمها للدولة الشقيقة، وصولًا إلى سعيها لحل الأزمة الصومالية، التى بدأت سنة ١٩٩١، و... و... ومنذ منتصف ٢٠١٤ كثفت الدولة المصرية تحركاتها، الدولية والإقليمية، لحشد الدعم للقضية الصومالية، والمساهمة فى إعادة بناء المؤسسات الوطنية للدولة الشقيقة. وهنا، قد تكون الإشارة مهمة إلى أن علاقات البلدين التاريخية، لم تبدأ، كما هو شائع، خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد، فى عهد الملكة «حتشبسوت»، بل قبل ذلك بألف سنة، أى فى القرن الخامس والعشرين قبل الميلاد، خلال عهد «ساحو رع» ثانى ملوك الأسرة الخامسة. 

فى هذا السياق، كان طبيعيًا أن يزور الرئيس الصومالى حسن شيخ محمود، القاهرة، فى ٩ يونيو ٢٠١٤، لحضور حفل تنصيب الرئيس السيسى، وأن يتباحث الرئيسان بشأن تطوير وتقوية أواصر العلاقات الثنائية. كما كان لافتًا أن تتكرر الزيارة، بعد ستة أشهر تقريبًا، تحديدًا فى ٢٩ ديسمبر ٢٠١٤، وأن يبحث الرئيسان آخر التطورات على الساحة السياسية الداخلية فى الصومال. وفى المرتين، وفى كل الزيارات واللقاءات اللاحقة، أعرب الرئيس الصومالى، كما أعرب أمس، عن امتنانه لمواقف مصر الداعمة والمساندة للشعب الصومالى، سواء من خلال مشاركتها الفعالة فى جهود تسوية أزمته السياسية، إقليميًا ودوليًا، أو من خلال برامج الدعم الفنى، التى تقدمها الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية.

التقارب المصرى الصومالى، إذن، قديم جدًا، وتجدّد وتزايد، منذ منتصف ٢٠١٤، ولم يبدأ فقط منذ أن توترت العلاقات بين الدولة الشقيقة، والحكومة الإثيوبية، التى اعتادت على مخالفة قواعد القانون الدولى، وانتهاك مبادئ حسن الجوار، وأقصت بلادها من خانة الأشقاء أو الأصدقاء، عربيًا وإفريقيًا.