رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحالة وجاسوسة

الآنسة جيرترود مارجريت لوثيان بيل هي الجاسوسة، الكاتبة والشاعرة، وعالمة الآثار، والرحالة، والمحللة السياسية، والدبلوماسية التي لعبت دورا سياسيا في البلاد العربية، وقد أطلقت عليها عدة ألقاب كثيرة أخرى منها: ملكة العراق غير المتوجة. وملكة الصحراء، وابنة الصحراء والخاتون. عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في عقد العشرينيات من القرن العشرين، جاءت إلى العراق في عام 1914م، ولعبت دورًا بالغ الأهمية في ترتيب أوضاعه بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.

  كانت بسعة علاقاتها ومعارفها يمكن اعتبارها من أهم الشخصيات البريطانية التي ساهمت في صنع الخريطة السياسية والجغرافية لمنطقة الجزيرة العربية والعراق في القرن العشرين، صاحبة النفوذ القوي في بريطانيا عندما كانت إمبراطورية عظمى، ولعبت الدور الرئيسي في رسم حدود العراق الجديد، وفي اختيار حاكمه الأول الأمير فيصل، وعلى مدى سنوات كانت الشخص الأقرب إليه، ومستشارته السياسية، وصاحبة الكلمة العليا في بلاط حكمه، وكان لها مكانة عظمى- في زمن لم تقرب فيه نساء العرب السياسة- منحتها لقب “ملكة العراق غير المتوجة“؛
تعلمت جريترود بيل الفارسية وزارت إيران في 1892 حيث كان عمها سفيرًا في إيران. وإثر رحلتها إلى إيران نشرت رحلتها في كتاب (صور فارسية) كما ترجمت أشعار (حافظ الميرازي) في إيران. 
بدأ اهتمام مس بيل بالعرب والحياة العربية نهاية القرن التاسع عشر بداية القرن العشرين حيث قامت برحلة عام 1899-1900 لزيارة القدس وتعلم اللغة العربية والقيام ببعض الاستكشافات الأثرية. 
في عام 1914 ذهبت إلى العراق (البصرة بعد دخول الإنجليز). وعند سقوط بغداد عينت السكرتيرة الشرقية -للحاكم كوكس. وفي 1920 عام قررت بريطانيا الانتداب على العراق. كانت المس بيل المندفعة بعنف على إعطاء العراق الاستقلال. وإثر ثورة عشائر الفرات في العراق عقد ونستن تشرشل مؤتمرا في القاهرة وكانت المس بيل الوحيدة بين الرجال وفي الاجتماع تقرر تعيين الأمير فيصل الهاشمي ملكًا على العراق بعد إخراجه من عرش سوريا وبتأييد من لورنس المعروف آنذاك. كتبت المس بيل تقول (لن أسعى أبدًا لخلق ملوك مرة أخرى، إنها عملية متعبة جدًا). ماتت بيل ودفنت في بغداد عام 1926 ولم تبلغ الرابع والخمسين عامًا بعدما تحقق جزء من أحلامها.
في عام 1899 سافرت إلى فلسطين وسوريا، وفي عام 1900 سافرت إلى القدس، وتنكرت بزي رجل بدوي للسفر إلى جبل الدروز (جبل العرب) وتقابلت مع الأمير الدرزي يحيي بك، كان كريما معها، وقدم لها كل التسهيلات. وعادت مرة أخرى إلى البلاد العربية ودرست التقاليد والشئون العربية على نحو واسع، واهتمت بدراسة الآثار المحلية وتنقلت في إقامتها ما بين الدروز وقبيلة بني صخر، وقابلت العديد من الزعماء والأمراء العرب وشيوخ القبائل، ووفي عام 1907 نشرت ملاحظاتها في كتابها" البادية والحاضرة" سجلت فيه معلومات رصينة عن الصحراء العربية، ثم سافرت إلى تركيا لدراسة الآثار.
عادت مرة ثانية الى العراق واكتشفت آثار الأخيضر، وعملت مباشرة في الموقع مع عالمين للآثار أحدهما كان الكولونيل توماس إدوارد لورنس المعروف بلورانس العرب.
وصلت إلى دمشق في 1913، واستعانت بأحد التجار الذي كانت تثق به، وطلبت منه أن يشتري لها جمالا من الإبل الأصيلة التي تتحمل مشاق الرحلة الطويلة إلى جزيرة العرب، ولم تخبر السلطات التركية ولا البريطانية عن نيتها في دخول الجزيرة العربية.
شدتها الطبيعة الغريبة للمنطقة والجَمال الرائع لضوء القمر في الصحراء، كانت تعتقد أنها دخلت كوكب آخر وأنها تعيش أجواء ألف ليلة وليلة، وقد كتبت في يومياتها" في الصحراء يلتف حولك حجاب منيع من السكون والعزلة، وليس هناك من حقيقة تضاهي تلك الساعات التي يقضيها المرء في امتطاء ظهور الإبل، حيث ترتجف أوصاله في الصباح من البرودة، ويشعر بالنعاس في الظهيرة، ثم يدب فيه النشاط في بناء الخيام عند المساء وبعدها يتناول العشاء".
وعند مرورها بأراضي قبيلة عربية اعترض طريقها شيخ تلك القبيلة، ولم يسمح لها بالمرور بحجة أنها مسيحية، وأعطته مسدسا ومنظارا كهدية. ومع ذلك اقترح الشيخ سرا على أحد رجال قافلتها أن يقتلها ويتقاسم حاجاتها معه.
في فبراير 1914 وصلت جبل شمر وقابلها رسول الأمير ابن رشيد وأخبرها بأنها ممنوعة من دخول حائل، وبعد 15 يوم سمح لها بالتجول في مدينة حائل، والتقطت صورا فوتوغرافية تعد اليوم من أهم المراجع عن أحوال حائل قبل مائة عام عن الناس وطبيعة الملابس والمساكن ونظام الري ومجتمع النساء.
في نوفمبر وصلت العراق، وتم استدعاؤها إلى المكتب العربي في القاهرة وكان هذا المكتب هو مكتب المخابرات البريطانية الخاص بالعالم العربي، تحت قيادة الجنرال ألبرت كلايتون، وقابلت لورنس العرب مرة ثانية، في البداية لم تعين في منصب رسمي، ولكن المكتب استفاد كثيرا في أسلوب التعامل مع العرب ومحاولة استمالتهم إلى جانب بريطانيا، وشحن عواطفهم ضد الأتراك. نظرا لخبرتها ومعرفتها بالمنطقة العربية.
في مارس 1916 وصلت جيرترود إلى البصرة، التي استولت عليها القوات البريطانية، وتم تعيينها كضابط اتصال مع المكتب العربي في القاهرة، وأصبحت المسئول السياسي النسائي في القوات البريطانية، وتعرفت على الجاسوس البريطاني فيليبي أو الشيخ عبد الله فيليبي، ويقال إنها علمته فنون التجسس.