رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نص رسالة عيد الميلاد للأنبا أنجيلوس أسقف شبرا الشمالية

الانبا انجيلوس
الانبا انجيلوس

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بمصر غدًا بقداس عيد الميلاد المجيد إذ يترأس البابا تواضروس الثاني قداس عيد الميلاد المجيد بكاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة.

وبالتزامن مع احتفالات عيد الميلاد المجيد وجه الأنبا إنجيلوس الأسقف العام لكنائس شبرًا الشمالية رسالة لعيد الميلاد المجيد، قائلًا فى ختام الصلوات الكنسية طوال شهر كيهك نرتل عبارة "المولود من الآب قبل كل الدهور".

 عقيدة راسخة في الإيمان المسيحي

وأضاف من برمون عيد الميلاد المجيد حتى عيد الختان تختم الصلوات الليتورﭽية بعبارة "الذى وُلد فى بيت لحم كأخبار الأنبياء"، وبهاتين العبارتين تتعلق عقيدة هامة جدًا فى إيماننا المسيحي، وهي "التبني لله الآب فى المسيح يسوع ابن الله الحقيقي الظاهر في الجسد" وهذه العقيدة الراسخة في إيماننا المسيحي كتب عنها القديس يوحنا الإنجيلي فى بشارته في الإصحاح الأول منها، حينما كتب "الكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا، ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيدٍ من الآب مملوءًا نعمةً وحقًا" (يو1: 14) هنا يشير إلى تجسد ابن الله الحقيقي الذي من جوهر الآب واتحاده الإقنومي.

وتابع الأسقف العام لكنائس شبرًا الشمالية، بهذا الجسد من اللحظة الأولى أى فى زمن صفر من لحظة التجسد فهو هو نفسه الله الكلمة المولود من الآب قبل كل الدهور صار فى الهيئة البشرية كما قال لسان العطر بولس الرسول "الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خُلسًة أن يكون معادلًا لله، لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا فى شبه الناس وإذ وُجد فى الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب" (فيلبى 2: 6،7).

فماذا صار للبشر بسبب هذا التجسد وصيرورة ابن الله، ابنًا للإنسان، يوضح لنا القديس يوحنا الإنجيلي قائلًا ومبشرًا كل من قبل المسيح الإله الظاهر فى الجسد بأنهم لهم السلطان أن يصيروا أولاد الله حينما يؤمنوا باسمه "كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله، أى المؤمنون باسمه الذين ولدوا ليس من دٍم، ولا من مشيئة جسدٍ ولا من مشيئة رجُل، بل من الله" (يو1: 12،13).

وكما كانت ولادة ابن الله الكلمة الأزلي من عذراء بطريقة معجزية بدون زرع بشر بل من الروح القدس. هكذا أعطى البشر أن يوُلدوا مرة ثانية بطريقة سرائرية أيضًا من الروح القُدس والماء، وفى هذا الأمر شرحه الرب يسوع بنفسه لنيقوديموس حينما أتاه ليلًا ليسأله عن شخصه فأجابه الرب يسوع، قائلًا "الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يُولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3: 3) وحينما تعجب نيقوديموس من هذه الإجابة، إذ هو شيخ فى أيامه فكيف له أن يولد ثانية، أوضح له الرب يسوع أن هذه الولادة ليست ولادة بحسب الطبيعة ولا بحسب الجسد، ولكنها ولادة سرائرية بحسب الروح القدس وشرح له كنه هذه الولادة قائلًا:

"الحق الحق أقول لك: إن كان أحدٌ لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح لا تتعجب أنى قلت لك ينبغى أن تولدوا من فوق الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من وُلد من الروح" (يو3: 6-8)

وكان يستحيل على الإنسان أن يتحصل على هذه الولادة والبنوة لله إن ما يتجسد ابن الله بالطبيعة ويصير ابنًا للإنسان لكي ما يجعل أبناء البشر بالطبيعة أولادًا لله بالنعمة بالإيمان به وفي هذا الأمر يقول القديس إيرينيئوس من قديسي القرن الثاني الميلادي فىِ كتابه ضد الهرطقات: "كيف كان يمكن للإنسان أن يذهب إلى الله، لو لم يكن الله قد جاء أولًا إلى الإنسان؟ وكيف كان يمكن للبشر أن ينعتقوا من ميلادهم الأول المؤدّي إلى الموت، لو لم يولدوا من جديد بالإيمان بذلك الميلاد الجديد الإعجازى المُعطى من الله كآية للخلاص، أعني الميلاد الذي صار من العذراء؟ بل وكيف كان يمكن أن ينالوا التبني لله وهم باقون فى ميلادهم الأولى الذى بحسب البشر في هذا العالم؟

من أجل ذلك صار الكلمة إنسانًا، وصار ابن الله ابنًا للإنسان، لكى يتحد الإنسان بالكلمة، فينال التبني ويصير ابنًا لله" (ضد الهرطقات)

وبسبب هذه النعمة العظيمة التى نلناها بسبب تجسد الله الكلمة التي هي نعمة التبني أى أننا صرنا أولاد الله بالتبني، نلنا عطية ميراث ملكوت السموات كما أعلن لنا لسان العطر بولس الرسول فى رسالته إلى أهل غلاطية متحدثًا عن التسجد الإلهي وبركاته التى نلناها: "ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني. ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا: "يا أَبَا الآب" إذا لست بعد عبدًا بل ابنًا، وإن كنت ابنًا فوارث لله بالمسيح" (غل4: 4-7).

 أن تحيا النفس البشرية بالروح القدس بالميلاد

والقديس أنبا مقار الكبير فى العظة الثلاثين يصف غاية مجئ الرب يسوع فى الجسد هى أن يلدنا من روحه وأن تحيا النفس البشرية بالروح القدس بهذا الميلاد الثانيويكون فرح فى السماء بسبب هذه الحياة فيقول:

"فإن الرب يريد أن جميع الناس يُحسَبُون أهلًا لهذا الميلاد، لأنه من أجل الجميع قد مات، والجميع قد دعا إلى الحياة، وأما الحياة فهي الميلاد من فوق، من الله. لأنه بدون هذا الميلاد لا يمكن للنفس أن تحيا، كما يقول الرب: "إن كان أحدٌ لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله" (يو3: 3) بينما كل الذين يؤمنون بالرب ويتقدمون إليه فيُحسبون أهلًا لهذا الميلاد، يجلبون فرحًا وابتهاجًا عظيمًا جدًا فى السماوات للوالدين الذين ولدوهم، فكل الملائكة والقوات المقدسة تفرح بالنفس التى وُلدت من الروح القدس وغَدَت روحًا.لأن هذا الجسد هو على شبه النفس، أما النفس فهيصورة الروح، وكما أن الجسد بدون النفس ميت لا قدرة له على فعل شئٍ، هكذا بدون النفس السماوية، أي الروح الإلهي، تكون النفس ميتةً عن الملكوت، إذ لا قدرة لها على فعل شيء مما لله بدون الروح القدس"

لهذا السبب نحن نبتهج ونتهلل فى هذا اليوم، يوم ميلاد الرب يسوع ونصرخ بلحن رائع وهو لحن ( إي بارثينوس ) الذى يعنى:

"اليوم البتول تلد الفائق الجوهر: والأرض تقرب المغارة لغير المقترب إليه: الملائكة مع الرعاة يمجدون: والمجوس مع الكوكب فى الطريق سائرون: لأن من أجلنا وُلد صبيًا جديدًا: الإله الذي قبل الدهور".

كل عام ومصرنا الحبيبة فى سلام ونصلي من أجل السلام فى العالم كله، ولكي ينهي ملك السلام مولود المذود كل الحروب والانقسامات التي من صُنع إبليس، ونسأله أن ينمي بلادنا بالخير ويفيض عليها بالبركات ويملأ مخازنها بالثمر المتكاثر ببركة هذا العيد وشفاعة والدة الإله القديسة العذراء مريم وصلوات قداسة البابا تواضروس الثاني وكل الآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة وكل شعب المسيح.