رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«تقنيات حارقة».. «الدستور» تحقق: كيف تستخدم إسرائيل الذكاء الاصطناعى فى حرب غزة؟

الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي في الحرب

يبدو أن كل ما يملكه الكيان الصهيونى من أسلحة لم يكفِ لطمأنته فى حربه الغاشمة ضد قطاع غزة، رغم أن هذه الحرب موجهة ضد مدنيين عزّل جُلهم من الأطفال والنساء، وفصائل مقاومة تدافع عن الأرض بأقدام حافية، وبأبسط الإمكانات التى تتوافر لأى مقاتل.

لذا سعى جيش الاحتلال الإسرائيلى لاستخدام أسلحة جديدة تعتمد على «الذكاء الاصطناعى»، لارتكاب مزيد من جرائم الحرب ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض، ولتقليل المواجهات المباشرة بين جنوده والمقاومة، والتى لا تنتهى لصالح المحتل عادة.

فى هذا التحقيق، نكشف كيف يستخدم جيش الاحتلال تقنيات «الذكاء الاصطناعى» لشن الهجمات على أهالى غزة، وأثر ذلك فى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا، إلى جانب المبادئ والتحديات المتعلقة باستخدام هذه التقنيات فى النزاعات المسلحة.

جيش الاحتلال يستخدم الذكاء الاصطناعي في الحرب على غزة

الاحتلال يضع أهالى القطاع فى «مختبرات الـ AI» بالتعاون مع شركات أمريكية 

فى إحدى الغارات على قطاع غزة، خلال أكتوبر الماضى، استخدم جيش الاحتلال سلاحًا جديدًا يسمى «اللدغة الحديدية- Iron Sting»، وهو نوع من قذائف الهاون عالية الدقة، وأظهر فيديو نشره الاحتلال كيف جرى إطلاقها بواسطة وحدة «ماجلان»، وكشفت شركة «أنظمة إلبيط- Elbit Systems» الإسرائيلية، عن هذا السلاح لأول مرة فى مارس ٢٠٢١، لكنه لم يُستخدم إلا فى الحرب الحالية.

وتعتبر قذائف الهاون من الأسلحة الشائعة فى مناطق القتال، وتستخدمها أيضًا «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة حماس، فى مواجهة جنود الاحتلال، لكنها تفتقر إلى الدقة العالية، ما يجعل من الضرورى إطلاق كميات كبيرة منها للنجاح فى إصابة هدف ما، وعلى العكس تمتاز قذائف «اللدغة الحديدية» بالدقة الشديدة، مستعينة بتقنية الليزر ونظام تحديد المواقع العالمى GPS، وفقًا لما ذكرته الشركة المنتجة.

وسلاح الهاون الجديد ليس الوحيد الذى تجربه إسرائيل فى حربها الوحشية على غزة، بل إنها تعتمد على مجموعة أخرى من الأسلحة المتطورة؛ فبعد ساعات قليلة من عملية «طوفان الأقصى» اتصل جيش الاحتلال بشركة «سكايديو- Skydio» الأمريكية المتخصصة فى صناعة المُسيّرات، وطلب منها إرسال طائرات مُسيّرة قادرة على الاستطلاع على مسافات قصيرة، تعمل بالذكاء الاصطناعى دون الحاجة إلى تدخل بشرى، وتستطيع إجراء فحص ثلاثى الأبعاد للمنشآت الهندسية المعقدة مثل أنواع مختلفة من المبانى.

وخلال ثلاثة أسابيع، أرسلت الشركة الأمريكية أكثر من ١٠٠ طائرة مُسيّرة جديدة من هذه الفئة إلى جيش الاحتلال، مع تعهد بتزويده بالمزيد فى المستقبل، حسبما قال مارك فالنتين، المدير التنفيذى للعقود الحكومية فى الشركة. يأتى ذلك فى الوقت الذى يستعمل فيه جيش الاحتلال بالفعل طائرات مُسيّرة من شركة «شيلد إيه آى- Shield AI» الأمريكية، وهى طائرات «نوفا ٢»، ولكن هذه الطائرات تستخدم داخل المبانى فقط، إذ تعتمد على خوارزميات التخطيط والرؤية الحاسوبية للتنقل ذاتيًا داخل المبانى دون الحاجة إلى نظام GPS أو توجيه بشرى.

وتسعى إسرائيل أيضًا لشراء ٢٠٠ طائرة مُسيّرة انتحارية من نوع «سويتش بليد ٦٠٠»، من الولايات المتحدة، وهى طائرات تحتوى على كاميرا متقدمة وتحمل مواد متفجرة، وتستطيع تلقى المعلومات من الطائرات الأخرى دون طيار المجاورة لها. وتستخدم «سويتش بليد ٦٠٠» أساسًا لهجوم الأهداف القريبة، ويبلغ مداها الأقصى ٤٠ كيلومترًا، وتستطيع الطيران لمدة ٤٠ دقيقة، وهى نفس الطائرات التى قدمها الجيش الأمريكى لأوكرانيا العام الماضى فى حربها ضد روسيا.

ويستخدم الجيش الإسرائيلى الذكاء الاصطناعى ليس فقط فى هذه الطائرات المُسيّرة الجديدة، بل أيضًا فى تحديد الأهداف على الأرض عند القصف، فالحرب الحالية أتاحت لجيش الاحتلال فرصة لاستعمال هذه التقنيات فى مسرح عمليات أكبر بكثير من السابق، خصوصًا فيما يخص منصة تحديد الأهداف بالذكاء الاصطناعى المسماة «جوسبل».

الاحتلال يحدد الأهداف والمواقع باستخدام الذكاء الاصطناعي

«روبوتات حارقة» تقود الحرب ضد الفلسطينيين فى المستقبل

شرح المهندس شاكر الجمل، خبير أمن المعلومات، كيف بدأ الجيش الإسرائيلى فى استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعى مع برنامج Fire Factory عام ٢٠١٩، الذى يساعد على تحديد الأهداف وكمية الذخيرة والزمن المناسب للغارات الجوية، موضحًا أن هذا النظام جرى استخدامه بشكل واسع لأول مرة فى حرب ٢٠٢١، والتى استمرت ١١ يومًا، وضربت فيها إسرائيل ١٥٠ هدفًا بتقنية الذكاء الاصطناعى.

وقال «الجمل» لـ«الدستور»: «لا شك فى أن إسرائيل تحقق تقدمًا تكنولوجيًا فى مجال الذكاء الاصطناعى لا يمكنها فقط من الاستمرار فى الاحتلال، وإنما أيضًا من تغيير نظرتها لكيفية خوض الحرب، خصوصًا بالاعتماد على الطائرات دون طيار، أو ما يسمى بالمركبات الجوية الآلية، ولكنها لجأت إلى استخدام هذه الأنظمة حاليًا بعد فشلها العسكرى فى التوغل بريًا داخل القطاع، ومن الواضح أن الحرب المقبلة ستكون بقيادة (الروبوتات الحارقة)».

أما عن مستقبل استخدام تقنية الذكاء الاصطناعى فى الحروب، فذكر أنه من المتوقع أن تزيد الاعتمادية على الذكاء الاصطناعى فى الحروب العسكرية فى المستقبل، حيث سيستخدم فى تحسين القدرات والموارد والاستراتيجيات العسكرية للأطراف المتحاربة، مثل الاستخبارات والاستهداف والدفاع والهجوم والتنسيق والتخطيط والتنفيذ.

وأكمل: «سيستخدم أيضًا فى تطوير وإنتاج واستخدام أنظمة الأسلحة الذكية والمستقلة والفتاكة، التى تستطيع اتخاذ قرارات الهجوم والقتل دون تدخل بشرى، ففى الوقت الراهن لا توجد معاهدات أو أنظمة محددة تحظر أو تقيد هذه التقنية دوليًا، ما يفتح الباب أمام استخدامها بشكل غير مسئول أو مفرط أو عشوائى أو مخالف للقواعد الدولية والإنسانية».

المهندس شاكر الجمل، خبير أمن المعلومات

وأضاف: «من أمثلة الأسلحة الإسرائيلية المدعومة بالذكاء الاصطناعى طائرة النسر الذهبى الآلية (UAVs)، التى تتميز بخفة وزنها وانخفاض تكلفتها، وتستفيد هذه الطائرات من تقنيات الذكاء الاصطناعى لاستهداف الأهداف الثابتة والمتحركة وملاحقتها بكفاءة ودقة فى الزمن الحقيقى، ما يمكّنها من تنفيذ ضربات موجعة للهدف على الأرض أو فى الجو، دون النظر إلى ظروف الإضاءة».

وأشار إلى أن إسرائيل تستخدم الحرب السيبرانية على غزة بطرق مختلفة، منها استخدام الذكاء الاصطناعى لاختيار أهداف القصف فى غزة، بناء على تحليل كميات هائلة من البيانات الاستخباراتية والجغرافية والعسكرية التى تجمعها من مصادر مختلفة، مثل الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار والاستماع والمراقبة والتجسس، لتحديد الأهداف المهمة والخطرة والمستعصية.

وأكد أن إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعى لتحسين دقة وسرعة وفاعلية أسلحتها الذكية، التى تستطيع تتبع ومهاجمة الأهداف الحركية أو المتغيرة، إضافة إلى أنظمة الأسلحة الذكية، التى تستخدم أجهزة استشعارية وخوارزميات لتحديد ومراقبة ومهاجمة الأهداف الفلسطينية بدقة عالية.

واختتم: «يتم أيضًا استخدام الاختراق والتشويش والتضليل والتجسس لتعطيل أو تخريب أو تضليل أو مراقبة الشبكات والمواقع والبنية التحتية الإلكترونية لحركة حماس والسلطة الفلسطينية والمنظمات الأخرى، فضلًا عن تزييف الحقائق ونشر المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعى؛ للتأثير على الرأى العام والقرارات السياسية والعلاقات الدولية».

«روبوتات حارقة» تقود الحرب ضد الفلسطينيين في المستقبل

«خوارزميات» لتحديد الأهداف.. والاستهداف دون النظر لعدد الضحايا المدنيين

قال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن تقنيات الذكاء الاصطناعى تساعد الاحتلال على ارتكاب مزيد من جرائم الحرب، مشيرًا إلى أن «الوحدة ٨٢٠٠»، التى تعتبر أقوى وحدات الاستخبارات الإسرائيلية، استعانت ببرنامج «جوسبل» لتحديد الأهداف التلقائية، ومن ثم اتخاذ القرار والقتل والتدمير دون النظر إلى عدد الضحايا.

وأضاف «الرقب» أن جيش الاحتلال يستعمل «جوسبل» فى تقييم عدد الضحايا المدنيين فى القصف، واختيار الأهداف الأكثر ارتباطًا بالهجوم داخل منطقة معينة، وحساب كمية الذخيرة الضرورية، كما تعتبر هذه الخوارزميات من أكثر طرق القصف دمارًا وقتلًا فى القرن الحادى والعشرين، لافتًا إلى أن «الوحدة ٨٢٠٠» استخدمت هذا النظام فى اغتيال شخصيات سياسية داخل غزة، ولكن الاحتلال لم يفصح عن أسمائهم بعد.

وذكر أن استخدام هذه الحلول التقنية يشرح كيف استطاع الجيش الإسرائيلى قصف قطاع غزة بهذا النهج المتسارع. فحسب إحصاءات جيش الاحتلال، قُصِف ١٥ ألف موقع خلال الـ٣٥ يومًا الأولى من الحرب على القطاع، واعترف بأن خوارزمية «جوسبل» مكنته من تحديد الأهداف بسرعة تلقائية، كما أن جيش الاحتلال قال إن خوارزمية «جوسبل» تسجل ١٠٠ هدف يوميًا للقصف، بينما كان الجيش يضع ٥٠ هدفًا سنويًا فى غزة لقصفها.

ونوه بأن إسرائيل تمتلك مخزونًا ضخمًا من البيانات والمعلومات عن المدنيين فى غزة، ورغم ذلك قصفت المستشفيات والمدارس والمصانع والمنشآت الحيوية، كما ندد بوحشية إسرائيل فى استهداف أى شخص حددته، حتى لو كان فى منشآت مدنية مزدحمة بالناس.

 الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس

وأعرب عن قلقه من عدم وجود تنظيم قانونى كافٍ لضبط استخدام الذكاء الصناعى فى الحروب، مشددًا على ضرورة تحديد وتطبيق معايير الأمن والشفافية والمراقبة عند استخدام تقنيات الذكاء الصناعى، إذ إن هذه الأدوات الخطيرة ستؤثر على العالم كله فى المستقبل، ولن يستطيع أحد ردعه.

وقال: «يستخدم الاحتلال أيضًا أنظمة الترجمة الآلية والتحليل اللغوى والتعرف على الكلام والوجه والصوت والبصمة، لجمع وتحليل وتصنيف وتخزين ومشاركة المعلومات الشخصية والسرية عن الفلسطينيين، مثل الاسم والعنوان والهوية والانتماء والنشاط والتواصل والعلاقات».

وأكد أن «الاحتلال فشل فى استخدام الذكاء الاصطناعى فى تدمير أنفاق غزة، وذلك اتضح من خلال الصواريخ ذاتية التحكم التى قصفت الأنفاق من الخارج، ولم تُحدث بها أى أثر، بسبب دراية المقاومة الفلسطينية بالتقنيات التكنولوجية الحديثة، وبناء الأنفاق على مراحل عدة وغير متصلة، وذلك ما يحاول الاحتلال التعتيم عليه».

ورأى أنه بعد فشل الاحتلال فى مواجهة المقاومة الفلسطينية، جرت الاستعانة بعدد من المرتزقة الإسبان مقابل آلاف اليوروهات، وذلك من خلال شركات عسكرية مثل «Raven» و«Global CST»، ولكن على الجانب الآخر، هناك أيضًا «هاكرز» عرب وفلسطينيون يتصدون للهجمات السيبرانية على القطاع، بل ويخترقون أنظمة «الوحدة ٨٢٠٠»، وذلك تبين حين تم قطع الكهرباء عن دولة الاحتلال لساعات قليلة.

الاحتلال يستخدم أنظمة التعرف على الكلام والوجه والصوت والبصمة

التضليل والتشويش والاختراق.. 3 آليات لـ«الحرب السيبرانية»

أكد الدكتور مشهور أبودقة، وزير الاتصالات الفلسطينى السابق، أن الحرب السيبرانية على غزة لا تقتصر على الأسلحة ذاتية التحكم فقط، ولكنها تستخدم مجموعة متنوعة من الأساليب لشن الهجمات، مثل اختراق الأنظمة والبرامج والحسابات الإلكترونية للخصم، والاستيلاء على البيانات والمعلومات الحساسة أو تغييرها أو حذفها أو تسريبها، فضلًا عن التشويش، الذى يتضمن إرسال إشارات أو رسائل أو برامج ضارة لتعطيل أو تخريب أو تضليل الهدف أو إثارة البلبلة أو الفوضى.

ونوّه «أبودقة» بأن التضليل هو أحد أساليب الحرب السيبرانية على غزة، حيث يتم نشر أو ترويج أو تضخيم المعلومات الخاطئة أو المزيفة للتأثير على الرأى العام أو القرارات السياسية أو العلاقات الدولية، وذلك بجانب التجسس الذى يعتبر بدايات الحرب السيبرانية، وذلك من خلال مراقبة أو تتبع أو تسجيل أو تحليل الأنشطة والاتصالات والتحركات الإلكترونية للطرف الآخر للحصول على المعرفة أو الاستخبارات أو الأدلة.

الدكتور مشهور أبودقة، وزير الاتصالات الفلسطينى السابق

وبيّن أن الحرب السيبرانية تستهدف مجموعة متنوعة من الأهداف لتحقيق الأغراض والمصالح المختلفة، مثل الأهداف العسكرية التى تتعلق بالقدرات والموارد والخطط والاستراتيجيات العسكرية للخصم، مثل القواعد والمنشآت والأسلحة والأقمار الصناعية والطائرات والسفن والدبابات والصواريخ والرادارات والاتصالات والتنسيق والتخطيط والتنفيذ.

واستكمل: «تستهدف أيضًا الأهداف المدنية التى تتعلق بالحياة والخدمات والمؤسسات والمنظمات المدنية للخصم، مثل الحكومة والبرلمان والقضاء والمنظمات غير الحكومية والإعلام والبنوك والمستشفيات والمدارس والمواصلات والكهرباء والمياه والإنترنت، وذلك فضلًا عن الأهداف الشخصية التى تتعلق بالجماعات والهويات والمواقف، مثل المسئولين والقادة والناشطين والصحفيين والمشاهير واللاجئين».

وأشار إلى أن الحرب السيبرانية لها تداعيات خطيرة على الأمن والحريات والحقوق فى المنطقة، مثل التداعيات الأمنية التى تهدد الأمن والاستقرار والسلام فى المنطقة.

وثيقة رسمية حصلنا عليها من الوزارة بشأن القيود الإسرائيلية على قطاع الاتصالات الفلسطيني

وزير الاتصالات الحالي يكشف عن آليات مواجهة الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي

في هذا السياق، تواصل «معد التحقيق» مع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، الدكتور إسحاق سدر، ليتحدث عن كيفية مواجهة الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي خلال الحرب الدائرة في قطاع غزة، موض ًحا أنه منذ بداية الحرب قامت دولة الاحتلال بشن عدة هجمات سيبرانية، وخاصة هجمات من نوع حجب الخدمة (DDOS) على المواقع الإلكترونية الفلسطينية في قطاع غزة.

أشار «سدر» إلى شن الاحتلال هجمات أخرى على القطاع المصرفي مثل البنوك التي تأثرت خدماتها بشكل كبير، بالإضافة إلى استغلاله مبدأ عمل الذكاء الاصطناعي وتجميع معلومات وصور؛ لتحقيق غاياته في الحرب الغاشمة.

وقال الوزير الفلسطيني، إن الذكاء الاصطناعي يؤثر بشكل كبير في الحرب السيبرانية من خلال تحليل البيانات، حيث يستطيع تحليل كميات هائلة من البيانات من مصادر متعددة مثل تدفقات البيانات من الشبكات الاجتماعية، للكشف عن محتوى معين، أو من خلال التعرف على الأنماط، حيث تعتبر هذه التقنية مفيدة في تحديد أنماط الهجمات السيبرانية مثل التعرف على محاولات الاختراق المتكررة أو التغيرات غير المعتادة في حركة البيانات، مما يشير إلى محاولات تسلل أو من خلال التنبؤ بالهجمات السيبرانية المحتملة بنا ًء على البيانات التاريخية.

ولمواجهة تأثيرات الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي، يؤكد «سدر» أنه يجب تطوير برامج الأمن السيبراني التي تستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الهجمات واحتوائها بسرعة، بالإضافة إلى تحديث البروتوكولات الأمنية باستمرار وتدريب الأفراد على أحدث التقنيات في مجال الأمن السيبراني.

وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الفلسطيني، الدكتور إسحاق سدر

نوه أيضًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يلعب دورا حاسًما في توجيه وتحليل استراتيجيات الأمن السيبراني؛ وذلك بسبب قدرته على معالجة وتحليل مجموعات بيانات واسعة النطاق من مصادر متعددة، بما في ذلك الإشارات الراديوية وصور الأقمار الصناعية، الأمر الذي يؤدي إلى تحديد التهديدات الأمنية بدقة أكبر وسرعة.

وواصل: «هذا يشمل التعرف على التغييرات الطارئة في التضاريس أو البنية التحتية التي قد تشير إلى أنشطة عسكرية، وكذلك رصد أنماط الاتصالات التي تنبئ بالتحضير لعمليات قصف هذه المعطيات تساعد على تحديد الأهداف للقصف».

كشف «سدر» أيضًا عن الإجراءات والسياسات التي تتبعها الوزارة لحماية الشبكات والمواقع والبنية التحتية الإلكترونية للسلطة الفلسطينية والمنظمات والمواطنين من الهجمات السيبرانية، مؤك ًدا أنه إضافة إلى الجدر النارية والحمايات من قبل الحاسوب الحكومي، تعمل الوزارة على مراقبة جميع الأحداث الأمنية السيبرانية من خلال نظام مراقبة الأحداث الأمنية وتحليلها والتبليغ عنها عند أي حدث، كما يتم الاستناد الى سياسة أمن المعلومات.

واستكمل: «تعمل الوزارة على تأمين الخدمات الحكومية المقدمة إلكترونيًا للمواطنين والمستفيدين على مدار الساعة وعدم تعطيل الخدمة وإيقاف الهجمات السيبرانية بشتى أنواعها والتبليغ عنها لمديري الأنظمة، إضافة الى اعتماد وتطبيق نظام إدارة أمن المعلومات ISMS على جميع المؤسسات التي تقدم خدماتها إلكترونيا».

أما عن التحديات التي تواجهها الوزارة في مواجهة الحرب السيبرانية على غزة، أوضح «سدر» أن تداخل المكان الجغرافي مع الاحتلال يمكن أن يؤدي إلى تضرر فلسطين، وفي حال حدوث هجوم سيبراني من الاحتلال، يحدث تدمي ًرا كبي ًرا لمقار لشركات الاتصالات سواء الثابتة والمتنقلة والشركات المزودة لخدمات الإنترنت، مما يؤدي الى تدمير البنى التحتية ومكوناتها من أجهزة حماية وغيرها، وقد يعرض حياة المواطنين إلى الخطر وانتهاك خصوصياتهم على شبكة الإنترنت.

وبسؤاله عن الفرص والموارد التي تحصل عليها الوزارة من الجهات الدولية والإقليمية لتطوير وتحسين قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا السيبرانية، أوضح: «في الغالب يكون الدعم على شكل بناء قدرات من خلال الدورات وتبادل المعرفة فقط».

في ختام الحديث، شدد «سدر» بأن الوزارة تحمل على عاتقها مسؤولية كبيرة تجاه الاستخدام الأخلاقي والمسؤول لهذه التقنيات، وتتمثل رسالتها في توظيف هذه  التقنيات لتعزيز الأمن والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، مع التأكيد على احترام الخصوصية وحقوق الإنسان، كما تلتزم الوزارة بتطوير بنية تحتية تكنولوجية قوية تخدم السلم والاستقرار وتعمل على تعزيز الوعي والفهم العام لأهمية الأمن السيبراني ودور الذكاء الاصطناعي في المجتمع.

الذكاء الاصطناعي الإسرائيلي يهدد حياة وخصوصية المواطنين

التشريعات الدولية لا تلتفت لمخاطر التقنية حتى الآن

هناك بعض التشريعات الدولية التى تحظر أو تقيد استخدام التقنية فى الحروب، وقد سبق الاتحاد الأوروبى الجميع فى وضع السياسات التى تنظم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى على المستوى الدولى، كما يدل على ذلك قانون تنظيم الذكاء الاصطناعى الذى طرحته المفوضية الأوروبية فى ٢٠٢١.

لكن الاتحاد الأوروبى ركز على التقليل من الأضرار الشخصية الناتجة عن استخدام الذكاء الاصطناعى، بدلًا من التصدى للمخاطر الجماعية التى قد تنجم عن هذه التقنية الحديثة للمجتمع، ولهذا السبب، وقبل البدء فى الدعوة إلى الاستخدام الأخلاقى للذكاء الاصطناعى وتحويل هذا المفهوم من نظرى إلى عملى، يجب تقييم مخاطر هذه التكنولوجيا على المجتمع، خاصة تأثيرها على الحقوق المدنية والاجتماعية، مثل الحق فى الخصوصية وحرية التعبير وتشكيل الجمعيات، إضافة إلى الحريات المدنية والاجتماعية الأساسية الأخرى.

ومن ضمن التشريعات المرتبطة بالأمر اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة فى التأثير أو غير مميزة، وهذه الاتفاقية، التى تم اعتمادها فى عام ١٩٨٠، تهدف إلى حظر أو تقييد استخدام بعض الأسلحة التقليدية التى تسبب أضرارًا مفرطة أو عشوائية، مثل الألغام والفخاخ والقنابل العنقودية والأسلحة الحارقة والذخائر النفاثة والأسلحة الليزرية.

وهناك اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية أيضًا، التى تم اعتمادها فى عام ١٩٩٣، وتهدف إلى حظر تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام ونشر الأسلحة الكيميائية، وتطالب بتدمير جميع المخزونات الحالية من هذه الأسلحة، إضافة إلى اتفاقية حظر الأسلحة البيولوجية، التى تم اعتمادها فى عام ١٩٧٢، وتهدف إلى حظر تطوير وإنتاج وتخزين واستخدام ونشر الأسلحة البيولوجية، وتطالب بتدمير جميع المخزونات الحالية من هذه الأسلحة أيضًا.

الآن بات ضروريًا تضمين بنود تتعلق باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعى فى هذه الاتفاقيات، أو البحث فى وضع اتفاقية خاصة بالاستخدام العسكرى للتقنية.

«تقنيات حارقة»

«جميع الصور التعبيرية المستخدمة في التحقيق تم توليدها باستخدام الذكاء الاصطناعي»