رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليست مجرد شعارات

 

لعلنا نتذكر حين كانت بلادنا تعانى قبل أكثر من عقد من الزمان من حالة سيولة فى قطاعات كثيرة وبدت الأمور فى أسوأ حال. حينها، استلهم الشعب المصرى من مخزونه الحضارى والثقافى شعارًا لا يخلو من العبقرية. فرغم اقتصار هذا الشعار على كلمتين اثنتين فقط، فإنه لخّص معاني كثيرة فى تلك العبارة القصيرة.. إنه شعار «إيد واحدة».

فكنا بالفعل يدًا واحدة شعبًا وجيشًا، يدًا واحدة مواطنين وحكامًا، يدًا واحدة مسلمين وأقباطًا، يدا واحدة بمعنى الكلمة، فحفظ الله الوطن مما كان قد دُبر بليل للانقضاض عليه، وتدمير مقدراته، والإجهاز على قواه، والقضاء على كل فرصه فى النجاة.
 عبقرية مصرية تظهر وقت الشدة تذكرنا بشعار مشابه من كلمتين أيضًا أطلقه المصريون فى حرب العبور حين اشتدت الأزمة وظن المرجفون أن لا مجال للانتصار أو إعادة الاعتبار. ساعتها نطق الشعب بشعار «الله أكبر»، لكنه لم يكن مجرد شعار تردده حناجر العابرين من المحاربين العظماء وقادتهم.

لقد كان شعار «الله أكبر» تعبيرًا صادقًا عن يقين المصريين جميعًا فى النصر الذى هو من عند الله الكبير المتعال. وبهذا اليقين وذلك الإيمان مع جهد مخلص من المصريين جميعا فى ميدان القتال أو فى الجبهة الداخلية تحقق النصر المبين، الذى ما يزال ملهما لكل مظلوم وكل ساع لتحرير ترابه الوطني.

وأظن اليوم- ونحن نودع عامًا ونتهيأ لاستقبال عام جديد- أننا فى حاجة ماسة لتكرار هاتين العبارتين واستحضار معانيهما، ليس فقط بترديدهما، ولكن بالاقتناع بهما وجعلهما خطة عمل فى مواجهة التحديات التى تواجه البلاد والعباد،الوطن والمواطن، الشعب والقيادة.

إذ لا يخفى على كل مهتم بالشأن الوطنى كم التحديات التى تواجهها البلاد وتتصدى لها القيادة.

من الواضح أن المستهدف من كل تلك المكائد والمؤامرات التى تحاك لنا هو الصف الداخلى الذى كان حجر العثرة التى تتحطم عليها كل مكيدة وتتصدى لكل تآمر. الصف الداخلى المصرى الذى أثبت وعيًا كبيرًا قبل أسابيع قليلة حين حافظ على مقدرات الوطن واختار المُضى قُدمًا فى مسيرة الاستقرار، فأعاد انتخاب الرئيس بنهج ديمقراطى وحضور حاشد وآلية دستورية أذهلت جميعها كل من تابع وأربكت حسابات كل المتآمرين.

وبعد أن انتهى الاستحقاق الدستورى متمثلا فى انتخابات رئاسة الجمهورية – رأس السلطة التنفيذية - بنجاح مشهود عادت كل القوى التى شاركت فيه وأسهمت بنصيبها فى نجاحه إلى صفوفها لتواصل عملها المعتاد، كل فى موقعه. وهكذا تفعل الأمم المتحضرة. فالمؤيد ابتهج بفوزه ثم ما لبث أن انطلق ليواصل العمل فى فترة رئاسية جديدة مليئة بالتحديات وساعية لتحقيق مزيد من الإنجازات، والمعارض عاد لصفوف المعارضة يراقب وينتقد – لكن على أرضية وطنية – وفقًا لآلية دستورية.

ورغم ما يبدو من تباين فى منهج عمل المؤيد والمعارض، فإنهما اجتمعا على الوقوف خلف الدولة الوطنية المصرية، ودعم قيادتها السياسية المنتخبة بإرادة شعبية كبيرة. لقد أدركنا جميعا - نحن المصريين - بوعينا السياسى الكبير وإرثنا الحضارى الممتد إلى آلاف السنين، كم هى مقلقة تلك المخاطر الخارجية التى تهدد الأمن القومى المصري.

وهنا انسقنا جميعًا بوعى متوارث ودون ضغوط أو إملاءات أو توجيهات إلى دعم الوطن ممثلا هذه المرة فى تأييد قرارات القيادة الوطنية ومواقفها الثابتة والواضحة فى الحفاظ على التراب الوطني، ومؤازرة موقفها الرافض لكل ما يمس السيادة الوطنية على أى شبر من أراضينا حماية لمقدراتنا داخل حدودنا، وفى سبيل هذا الهدف تهون منا الأرواح وترخص الدماء.

يبقى أن نتمنى ونبتهل إلى الله تعالى - ونحن نتهيأ لاستقبال العام الميلادى الجديد - أن يحفظ الله لنا بلادنا وأن يحافظ على قيادتنا وأن يديم علينا وحدتنا الوطنية، وأن يبقى شعبنا واعيًا مدركًا واقعه ساعيًا لتحويل القادم من أيامه وأعوامه ومستقبله إلى الأفضل والأعظم والأكثر رخاءً واستقرارًا. فليبقى شعارنا «إيد واحدة»، وليظل إيماننا أن «الله أكبر».

ومن كانت تلك قناعاتهم وهذا يقينهم فليطمئنوا، إذ لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، وإنهم إن شاء الله لمنتصرون.