رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خلصت الحرب؟.. بدنا نلعب يا "سانتا كلوز"

"خلصت الحرب؟؟.. بدنا نلعب".. صوت عربي اختلط بأصوات أطفال العالم، ولأنه يعرف العربية كما يعرف لغات الكوكب الدري، انجذب نحو هذا الصوت، ببساطه السحري هبط في إحدى "مدارس الأونروا" مترجلًا بين الخيام في ليلة غاب قمرها، أطلق صيحته: "هل من أطفال هنا؟؟.. جئت إليكم من دون أطفال العالم، سمعت أنين وصرخات خطفت قلبي وعقلي ولم أحتمل". 
من خلف ستار إحدى الخيام أطل طفل صغير لمح "سانتا كلوز" فدعاه يا "بابا نويل" نحن هنا ادخل خيمتنا نحميك من سقيع الخارج، أجابهم العم نويل: "نعم أبحث عنكم أين أنتم".. اجلس إلينا نحن لا نملك غير دفء أنفاسنا يحتضن بعضنا البعض حتى تسري حرارة أجسادنا وتهدأ أنفاسنا.. الغطاء لا يكفينا والبرد لا يرحمنا".. كيف عرفت بنا "بابا نويل"؟ من أخبرك بهذا المكان، هل من بشر غيرك يعرف ماذا يحدث لنا؟.. هل ما زلنا نشارك أطفال الكوكب نبض الحياة؟
بابا نويل: جئت أستمع إليكم، وأحمل الهدايا.. صرخاتكم أوجعت الضمائر الإنسانية.. كل أطفال الأرض في انتظاري عشية عيد الميلاد، اعتذرت إليهم جميعًا وأخبرتهم "أنني قادم إليكم". 
طفل الخيمة "ي": هل أمي لا تزال نائمة كما تركتها آخر مرة؟.. كنت أجلس إلى جوارها نسترجع دروسنا، وأخطأت في الإجابة، ثم عاودت مرة أخرى أصوب الخطأ، احتضنتني وقبلت جبيني، سمعت صوت رعد، قلت إنني خائف يا أمي، أجابتني لا تخف يا بني هذا ليس رعدًا، صوت انفجار أعلى، انقطعت الكهرباء، ظلام دامس، لم أعد أرى أمي وهي تناديني: "يوسف.. يوسف" ظلت تنادي.. يبدو أنها نامت، تركتها تستريح في عتمة الليل، وما أن استيقظت، أزاح الطبيب الغطاء عن عيني، فسألته هل أمي نائمة؟.. أجابني الطبيب حمدالله على سلامتك.. أين أمي يا "بابا نويل" هل هي بخير؟ هل استيقظت من نومها؟.. هل عاد أبي من عمله.. أنا هنا أنتظرهم.
اقترب طفل آخر من "بابا نويل" وضع كفيه الصغيرتين بين كفي زائر الليل الحزين، وسأله: هل معك كسرة خبز، أنا جوعان والطعام لا يكفيني أنا ورفاقي هنا في الخيمة؟
أخرج "بابا نويل" الهدايا من جرابه الشهير، فلم يقترب منها أحد، اندهش "سانتا كلوز" متسائلًا: ألا تعجبكم الهدايا؟.. كان ردهم.. شكرًا شكرًا، لقد تركنا ألعابنا وشجرة الكريسماس وكل أغراضنا في بيوت كانت لنا فيها حياة، خرجنا منها دون أن نودع أغراضنا، هنا في الخيمة لا حلم لنا ولا مطلب غير أن نعود إلى ديارنا.. كم نشتاق إلى حياتنا السابقة.
طفل الخيمة "أ": منذ الصباح وكلنا يعمل على إزاحة مياه البركة الكبيرة، كان مطرًا غزيرًا كاد أن يغرق كل سكان الخيام.. ظللنا نسبح ونلعب حتى غابت شمس النهار.. سأحضر لك كوبًا من الشاي الساخن بالمرمرية، جيراننا في الخيمة الأخرى هم أهل كرم يتقاسمون معنا الطعام، أخبرتني "أمل" الابنة الصغرى أن معظم عائلتها ارتقوا إلى السماء، أمها على قيد الحياة، وحين سألتني عن إخوتي أين هم أخبرتها أنهم جميعًا شهداء، كما علمت من "الأستاذ نضال" الذي جاء بي هنا إلى الخيمة.. يا "بابا نويل"، إن خيمتنا أطفال بلا أهل، فقدناهم جميعًا ونحن في طريقنا من مستشفى "الشفاء" في شمال القطاع إلى "خان يونس" في الجنوب، أطلقوا علينا القذائف والدبابات دهست الجميع، أنا عملت نفسي نائم حتي لا يقتلني الجندي الإسرائيلي، سمعته يقول بالعربي: "فيكن حد لسه عايش"، كتمت أنفاسي حتى مضى.. يا "بابا نويل"، أليس هؤلاء الصهاينة أعداء البشرية جمعاء؟
اقترب "سانتا كلوز" من طفل كان يجلس في آخر الخيمة، يبدو أن ساقه تؤلمه وترتعد فرائصه من البرد، ألقى بردائه الأحمر على الطفل، فتبسم له قائلًا: "كنت أحلم أن أراك يومًا، وتمنحني هدية من هداياك، لكن أنا اليوم لا أقوى على الحركة، تم بتر ساقي والأخرى لم تعد تحملني، اسمح لي بسؤال "بابا نويل" بأي ذنب قطعت قدمي؟ بأي ذنب نهجر ونقتل وتتم إبادتنا جميعًا؟.. أخبرني ليش الطفل الفلسطيني يقتل دون أطفال العالم؟.. إن قطعت ساقي وفقدت يدي ولم أستطع الحركة فكل قطعة من جسدي فداء لهذا الوطن.
هيا بنا "بابا نويل" نطوف على أطفال الخيام الأخرى، هيا بنا نستمع إليهم، فأنت وعدتنا بأن تنشر قصصنا وحكايتنا لأطفال العالم، هل ستخبرهم بأن العدو الصهيوني يستهدف أطفال غزة؟، لكنه لن يقوى على استهداف كل أطفال القطاع، سنكبر يومًا ونلتقى بأجيال في مثل أعمارنا، سنخبرهم بما عمل السفهاء منهم، أريد أن أعدك بأننا دعاة سلام.. لكن الجرح لم يندمل بعد، كيف لي أن أتعاهد معك والجندي الإسرائيلي قام بطردنا من المستشفى ولم أجد الدواء ولا الطبيب ولا المسعف، لقد استُشهدوا جميعًا ولم يتبقَّ سوى الجرح الغائر في نفوسنا.
يا "بابا نويل" ليس كل الخيام فقدوا أهاليهم جميعًا مثلنا، الله يحمينا جميعًا، خلف خيمتنا العم "صابر" نزح من الشمال إلى الجنوب مع أبناء أخيه، بعد أن فقد زوجته وأطفاله الأربعة، "عم صابر" يقوم بتجهيز الحطب في الصباح ليشعله في المساء ونجلس إلى جواره يحكي لنا عن أطفاله كيف ارتقوا جميعًا، بحث عنهم تحت الأنقاض لأيام، وجد جثة زوجته وابنتيه، ولم يعرف الوصول إلى باقي الجثث حتى يواريهم الثرى.. لكن العم "صابر" قال إن كل الجثث تتحلل في تراب فلسطين، وهذا هو سر بقاء الوطن... أتعرف يا "بابا نويل" أن كل المدارس أغلقت ودمرت، أتعرف أن بيوتنا أصبحت كومة من التراب. لقد تعلمنا من عم "صابر" أن الفلسطيني لا يتخلى عن أرضه، حتى وإن فقدنا كل أفراد عائلتنا، سيبقى الوطن، وسنكبر يومًا ويكون لنا في الوطن حياة.. لم يعرف اليأس قلوبنا بعد ولن نستسلم أبدًا... "بابا نويل" لقد جئت لنا بالهدايا، ونحملك أمانة كبيرة، أن تخبر أطفال العالم بما رأيت من حالنا هنا ونحن نعيش في هذه الخيام، احكِ لهم بما رأيت وأخبرهم بأن فلسطين باقية طالما أن الشعب الفلسطيني يعيش على أرضه. شكرًا شكرًا لزيارتك "بابا نويل".. وقبل أن تمضي هل لك أن تغني معنا.. أنا دمي فلسطيني فلسطيني، على عهدي على ديني، على أرضي تلاقيني.. أنا لأهلي، أنا أفديهم.. والله أنا دمي فلسطيني، فلسطيني، فلسطيني.