رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غزة فى الإعلام الغربى

كنا نصف إعلامنا بعدم الشفافية الضرورية للتعبير عن واقع البلاد فى تلك المنطقة، ما دفع ملايين المتابعين من أبناء تلك الشعوب إلى تتبع وسائل الإعلام الغربية.

ولكن قضية غزة التي بدأت في التفاقم منذ 7 أكتوبر 2023 كشفت عن أن إعلامنا كان في منتهى الشفافية، بينما انقلبت الآية وتحول الإعلام الغربي إلى الكذب والتضليل.

لا يوجد تعريف محدد للإعلام، ولكنه في أبسط صوره هو النافذة التي نطل منها على الآخرين، ونعرف منها ما يجري في العالم حولنا، أو هو صناعة المعلومات، ويعتبر الإعلام حرفة ومهنة تطورت مع الوقت بهدف إعادة تشكيل المواقف والآراء في كل المجالات.

كل دولة تنتهج إعلامًا يخدم نظامها السياسى، كان هذا فى مراحل الستينيات والسبعينيات، والثمانينات، وكان الإعلام يوجد حسب رغبة نظام الحكم فى كل دولة. فكنا نسمع من يمدح النظام الرأسمالي، أيضا من يصب اللعنات عليه، وكنا أيضًا نسمع من يصف النعيم الذى تعيش فيه الدول الشيوعية والاشتراكية. إلى أن تكشفت لنا مؤخرًا حقيقة الأوضاع فى تلك الدول، وثوراتها على هذا النظام. وكانت الشعوب يتم تشكيل وعيها طبقا لتلك النظرية.

أمام ما تشهدُه غزّة الآن من قتل وتشريد وإبادة جماعية للشّعب الفلسطينيّ المطالِب بحقوقه المشروعة، من طرفِ الجيش الإسرائيليّ المحتلّ، حيث تستبدّ الحيرة والدهشة بكل ذي عقلٍ سليم من بشاعة ما يحدث وجدواه، كما تسيطر مشاعرُ الحزن والقلق على كلّ ذي ضمير حيّ يتمتع بحس إنساني.

فإذا كان مقبولًا أن يختلفَ الناس حول عدالة القضية الفلسطينيّة، فيناقشون قرارات الأمم المتحدة مثلًا، تماهيًا مع الطرح الإسرائيلي الداعي إلى حقّ الدفاع عن النفس، أو الطرح الفلسطينيّ الداعي إلى الحقّ في المقاومة والحق في العودة إلى ديارهم المسلوبة، فإنّه من غير المقبول أن يقع الاختلافُ حول فظاعة ما يحصل أمام أعيننا من تدمير لمقوّمات وجود الإنسان الفلسطيني، وأن يسمح العالم بهذا الدمار، وتمتنع القوى المُتحكّمة في شئون العالم وفي مصير البشريّة عن الدعوة إلى إيقافه.

لم تكن الصورة التى نراها الآن فى الإعلام الغربى مشابهة لما رأيناه وقت اندلاع الأزمة فى 7 أكتوبر والأيام التى تلتها، فمنذ اندلاع طوفان الأقصى بدأ الإعلام الغربى وقنواته الدولية فى تبرير حرب الإبادة الجماعية التى شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلى على غزة، وتفسير ما يحدث بأنه من قبيل الدفاع عن النفس من جانب إسرائيل، من أجل إيهام الرأى العام فى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وتوجيهه إلى تأييد وجهة النظر الإسرائيلية المضللة، وعدم التأثر بالفظائع والمجازر اللا إنسانية التى يرتكبها الاحتلال ضد الفلسطينيين فى قطاع غزة، حينها كان يزعم الإعلام الغربى أن ما تفعله إسرائيل هو دفاع عن نفس، وكان الإعلام الغربى يصف فى تحليله وبرامجه جريمة التطهير العرقى بأنها مجرد حرب على غزة دون الإشارة إلى أى جرائم ترتكب ضد الإنسانية هناك، إلى حد قيام رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بترديد الرواية الإسرائيلية الكاذبة والمفضوحة عن قيام الفلسطينيين باختطاف وقتل أطفال. وهي الرواية التي اعتذرت عنها معظم وسائل الإعلام الغربية بعد اكتشاف زيفها وكذبها؟
إلا أن الإعلام العربى عامة، والفلسطينى خاصة، كانت له كلمة أخرى، واستطاع نقل الحقيقة الواقعية، وكشف زيف تلك الروايات الغربية، وكشف ازدواجية الإعلام الغربى الذى ادّعى كثيرا الحيادية إلى أن جاءت أحداث غزة لتكشف حقيقته.

تتداول منصات التواصل الاجتماعيّ من بين ما تتداوله مشهدًا لامرأة بريطانية تُوبِّخ ابنتها لتنهاها عن الكذب، وهي تقول: "إذا لم تتجنَّبي الكذب وأنت صغيرة فإنك حين تكبرين ستصيرين مذيعةً من مذيعات البي بي سي". ينقل هذا الطرح واقعا حقيقيا بقيام القنوات في الدول الغربية بالاندفاع في مسلسل تزييف الحقائق والابتعاد عن الحق والواقع، في أكبر عملية غسيل للعقول. 
صحيح أنَّ لوسائل الإعلام الغربية باعًا طويلًا في نقل الأخبار، وأنها تتمتّع بمصداقيّة كبيرة حين يتعلّق الأمر بكشف الوقائع، ولكنها لا تمانع في إخفاء الحقائق كذلك، وهو ما يمثل وجهًا من وجوه الكذب الأكثر  بشاعةً.
لقد شاهدنا أن بعض القنوات الغربية تنقل ما يحدث في غزة ومسرح العمليات من مكاتبها في تل أبيب أو القدس المحتلة، دون التغطية المباشرة من بؤرة الأحداث في غزة، والتي تقتصر فقط على مرافقة جيش الاحتلال، أو إرسال مجموعات محددة كمراسلين لنقل مجريات العدوان.
بعض وسائل الإعلام سقطت في فخ التضليل والمعلومات الكاذبة، مثل قطع الرءوس والاغتصاب، وما إلى ذلك، وإسرائيل ستظل تمارس هذا التقييد للسيطرة على جرائمها في هذا الصراع، والرغبة في وجهة النظر الأخرى، المتعلقة بالرواية التي يكرسها الجانب الإسرائيلي.