رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مفاوضات "النهضة" تصل مرحلة "السد": إثيوبيا تناور والقاهرة تحتفظ بحق الرد

الرئيس عبدالفتاح
الرئيس عبدالفتاح السيسي

بعد سنوات من تستر إثيوبيا بالغطاء التفاوضي واستغلالها له أعلنت وزارة الموارد المائية والري انتهاء "المسارات التفاوضية" بشأن سد النهضة، لتكريس الأمر الواقع على الأرض الذي فرضته، وهو بناء السد رغم الأضرار الذي سيتسبب فيها لكل من دول المصب "مصر والسودان" وتأثيره على حصصهما في مياه النيل.

إذ أنه على مدار 12 عامًا مضت، وضعت إثيوبيا حجر أساس سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب، بدلًا من 14 مليارا كانت مقررة، واستمرت في البناء حتى أنهت ما يزيد على 90%، وأيضًا الملء لأربع سنوات متتالية بكمية تقدر بنحو 40 مليار متر مكعب، وفي كل مرة تؤكد مصر أن استمرار إثيوبيا هكذا يشكل "خطرًا وجوديًا".

في هذا الوقت استمرت مصر في التأكيد على أن سد النهضة يمثل تهديدًا خطيرًا لإمدادات مياه النيل التي تعتمد عليها بالكامل تقريبًا، وطالبت بالحفاظ على حصتها التاريخية في المياه، وفق نصوص معاهدة 1929 بين مصر والسودان، والتي تُخصص نحو 66 في المئة من تدفق مياه النهر لمصر، و22 في المئة للسودان.

إلا أن إثيوبيا رفضت الأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسطى والتي تؤمن مصالح الدول الثلاث "مصر والسودان وأثيوبيا"، وذلك حسب بيان وزارة الري الأخير، والذي أشار إلى أن أديس أبابا تمادت في "النكوص عما جرى التوصل له من تفاهمات ملبية لمصالحها المعلنة".

البداية من السبعينيات

يعود تاريخ التوتر بين مصر وأثيوبيا بخصوص سد النهضة منذ سنوات طويلة وتحديدًا منذ السبعينات، وذلك عندما أعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات عن إرادته مدّ مياه النيل إلى سيناء عام 1979 لاستصلاح 35 ألف فدان، وهو الأمر الذي أثار غضب أثيوبيا ما جعلها تعارض المشروع بشدة وتقدم شكوى رسمية ضد مصر عام 1980 إلى منظمة الوحدة الإفريقية.

استمرت أوضاع التوتر بين مصر وإثيوبيا على هذا الوضع إلى أن أُبرمت معاهدة لتسوية المنازعات بينهما كانت على رأسها اتفاقيات خاصة بالمياه، بالإضافة إلى العشرات من اتفاقيات التعاون فيما بين البلدين.

  • في عام 1993 تم توقيع وثيقة تفاهم بين الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، ورئيس الوزراء الإثيوبي آنذاك، ميليس زيناوي، تضمنت عدة مبادئ، أهمها عدم قيام أي من الدولتين بأي نشاط يتعلق بمياه النيل من شأنه إلحاق الضرر بمصالح الدولة الأخرى.
  • في 26 يونيو 1995 دخلت العلاقات بين كل من مصر وأثيوبيا مرحلة شديدة التوتر، وذلك إثر محاولة اغتيال مبارك في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، والتي تبعها توقف لأعمال المجلس المصري الإثيوبي لمدة 17 سنة.
  • في 2001 أعلنت إثيوبيا عن نيتها إنشاء عدد من المشروعات على أنهارها الدولية، وفق ما أسمته استراتيجية وطنية جديدة للمياه ستنتهجها.
  • وفي 11 مايو عام 2010 تم توقيع اتفاقية "عنتيبي" التي رفضتها كلًا من مصر والسودان بشدة باعتبارها تخالف حصتهما التاريخية وفقًا لاتفاقيات 1929، 1959، ووّقع هذه الاتفاقية ست دول لحوض النيل، هى إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا وبوروندي.
  • في أغسطس عام 2010 انتهت الحكومة الإثيوبية من عملية مسح موقع سد النهضة، وبحلول شهر نوفمبرمن العام نفسه أعلنت الحكومة الإثيوبية انتهائها من تصميم السد، وأعلنت اعتزامها التنفيذ.
  • أما في الثاني من أبريل عام 2011 أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين مشروع السد لتوليد الطاقة الكهرومائية.

وبعد سقوط حكومة مبارك، أعلنت إثيوبيا أنها ستطلع مصر على مخططات السدّ لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب وهما مصر والسودان.

  • في سبتمبر 2011 وفي الوقت الذي اقتحم فيه عدد من الشباب السفارة الإسرائيلية بالقاهرة، وبعد هروب السفير ازدادت الأوضاع حدة بين كل من مصر وإثيوبيا حتى توصلا إلى تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء سد النهضة.
  • في يوليو 2012 وبعد زيارة محمد مرسي إثيوبيا لمناقشة ملف المياه توقفت المفاوضات بين البلدين لعدة أشهر، ثم تلاه إعلان أديس أبابا في 28 مايو 2013 بدء العمل في بناء سد النهضة.
  • زاد هذا الأمر سوءًا إعلان محمد مرسي وحكومته آنذاك على الهواء  عام 2013 الذي حمل تلميحات باستخدام القوة ضد إثيوبيا في حال بناء السد، تلك التلميحات التي أثارت غضب المسئولين في أديس أبابا ما دفع رئيس الوزراء هايلي ميريام ديسيلين للرد قائلا: "لا أحد ولا أي شيء يستطيع الوقوف أمام بناء السد".

وثيقة تتفق ومبادئ القانون الدولي

عقب تولي الرئيس السيسي الحكم عادت المفاوضات من جديد في يونيو 2014، وفي مارس 2015 وقَّع الرئيس  ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء أثيوبيا هايلي ميريام ديسيلين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة إعلان مبادئ "سد النهضة"، وتضمَّنت الوثيقة 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية.

مع استمرار المفاوضات التي كانت تنتهي بالفشل صرح الرئيس عبدالفتاح السيسي في عام 2020 بأن الدولة تتحرك في معركة تفاوض حول ملء وتشغيل سد النهضة، الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق وتخشى القاهرة تأثيره على حصتها من مياه نهر النيل. 

الرئيس 2020: "نحن في معركة تفاوض"

وقال "هناك من تحدث بالإعلام عن أعمال عسكرية.. بحترم كل رأى بس محدش يقول نعمل كذا وكذا.. بحترم كل رأى.. إحنا نتفاوض.. ودى معركة.. التفاوض معركة وستطول"، وتابع "ولن نوقّع على شيء لن يحقق لنا المصلحة".

الرئيس 2023: “لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة من مياه مصر"

تفاقم فشل المفاوضات بين كل من مصر وإثيوبيا واستمرار إصرار إثيوبيا على اتباع نهج سياسة التعنت وعدم مراعاة دول الجوار أدى إلى أن أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي في عام 2021، "أنه لا أحد يستطيع المساس بحق مصر في مياة النيل، محذّرًا من أن المساس بها "خط أحمر" وسيكون له تأثير على استقرار المنطقة بكاملها".

وأضاف السيسي في تصريحاته التليفزيونية حينها: لا أحد يستطيع أن يأخذ قطرة ماء من مياه مصر، ومن يريد أن يحاول فليحاول وستكون هناك حالة من عدم الاستقرار في المنطقة بكاملها ولا أحد بعيد عن قوتنا، كما لفت إلى أنه لا يهدد أحدا بتصريحاته، مؤكدًا أن "العمل العدائي أمر قبيح وله تأثيرات طويلة لا تنساها الشعوب"، وقال أيضًا أن التفاوض هو الخيار الذي بدأته مصر وأنها في مسألة التفاوض بخصوص أزمة سد النهضة وتأمل في التوصل إلى اتفاق قانوني منصف وملزم يحقق الكسب للجميع.

الرئيس 2023: تفاوض الـ10 سنوات

في شهر يونيو من هذا العام قال الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الأنجولي جواو لورنسو، في العاصمة لواندا، أنّ التفاوض مستمر منذ عشر سنوات مع السودان وإثيوبيا لإيجاد اتفاقية قانونية مُلزمة بشأن ملء وتشغيل السد طبقا للأعراف القانونية والدولية، كما أوضح أنّ مصر ليس لها مطالب خاصة في الاتفاقية، لافتًا إلى تفهم التنمية في إثيوبيا، لكن مياه النيل تمثل المصدر الوحيد لمصر على مدار آلاف السنوات.