رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب المنسية| اشتباكات عنيفة بين الجيش السودانى وميليشيا الجنجويد فى «الجزيرة».. ونزوح الآلاف

الجيش السودانى
الجيش السودانى

وصلت الأزمة السودانية إلى مفترق طرق، وسط تطور خطير على الأرض، يتمثل فى الاشتباكات القوية الدائرة حاليًا بين قوات الجيش وميليشيا "الدعم السريع" فى ولاية "الجزيرة"، وتحديدًا عاصمتها "ود مدنى".

وتضغط ميليشيا "الدعم السريع" بقوة للسيطرة على هذه الولاية الاستراتيجية المهمة، لأن ذلك يمكنها من دخول مناطق مهمة أخرى مثل "النيل الأزرق" و"بورتسودان"، وفق ما أكده سياسيون سودانيون. وقال سياسيون سودانيون، لـ"الدستور"، إن الاشتباكات الأخيرة المستمرة منذ أيام دفعت الآلاف من المواطنين للنزوح إلى ولايتى "سنار" و"القضارف"، وسط انتشار أعمال العنف والقتل والسلب بحق المواطنين، واستهداف المؤسسات الحكومية والبنية التحتية، من قبل الميليشيا المسلحة.

الانتهاكات المروعة للميليشيا تهدد بكارثة إنسانية غير مسبوقة

حذر السياسى السودانى، محمد حسن بوشى، من خطورة اتجاه ميليشيا "الدعم السريع" إلى مدينة "ود مدنى" ذات الكثافة السكانية الكبيرة فى ولاية "الجزيرة"، مشيرًا إلى أن ذلك قد يؤدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وأوضح "بوشى" أن مدينة "ود مدنى" تُمثل قلب السودان، وملتقى عدة طرق مهمة، لذا فإن من يسيطر عليها يمكن أن يتحرك فى اتجاهات كثيرة، وبالتالى فإن المقصود من محاولات السيطرة على هذه المدينة، هو الانطلاق منها لمناطق ثانية ذات أهمية استراتيجية.

وأضاف: "الخيار الأول أمام (الدعم السريع)، بعد السيطرة على مدينة (ود مدنى)، هو التحرك نحو الجنوب والسيطرة على ولاية (النيل الأزرق)، وهذا يعنى السيطرة على الحدود مع إثيوبيا، وبالتالى إمكانية تلقى الدعم عبر هذه الحدود".

وواصل: "أما الخيار الثانى فيتمثل فى إمكانية انطلاق هذه الميليشيا شرقًا نحو معقل الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين)، الذين نظموا أنفسهم فى هذه المنطقة وبدأوا التدخل فى الحرب الدائرة، وإذا ما تمت السيطرة على الشرق، سيكون من السهل الدخول إلى (بورتسودان)، ومن ثم السيطرة على معقل الحكومة السودانية بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان، معتبرًا أن هذا أهم أسباب محاولات (الدعم السريع) للسيطرة على (ود مدنى)".

ونبه السياسى السودانى إلى أن تداعيات الحرب وانتقالها إلى مناطق جديدة تمثل خطورة على المواطنين، فى ظل الانتهاكات المروعة لميليشيات "الدعم السريع"، واصفًا الانتهاكات التى مارستها "الدعم السريع"، سواء فى "ود مدنى" أو غيرها، بـ"غير المسبوقة".

وتابع: "ميليشيات الدعم السريع لا تفعل شيئًا إلا ممارسة الانتهاكات تجاه المواطنين، فى ظل أن مهمتها الأساسية منذ تشكيلها فى ٢٠٠٦ كانت ممارسة جرائم فى دارفور، من سلب ونهب وسرقة، وغيرها من الأفعال غير الأخلاقية".

وشدد على أن: ميليشيا "الدعم السريع" لا تعرف عملًا سوى هذه الأعمال، فهى متخصصة فى السرقة والنهب والقتل والاغتصاب، وهذا ما تفعله الآن، سواء فى "ود مدنى" أو غيرها، موضحًا أنها "عندما تدخل أى منطقة تتجه إلى بيوت المواطنين لسرقتها ونهبها، وخلال اليومين الماضيين، تعرضت المدينة لأكبر عملية سرقة ونهب لآلاف السيارات، وهذا غير مستغرب من ميليشيا مُجرمة مثل (الدعم السريع)".

ورأى أن "الدعم السريع" لجأت إلى التصعيد العسكرى الأخير ضد الجيش، بهدف رفع سقف التفاوض، لافتًا إلى أن "عرقلة" العملية السياسية لا تتم من "الدعم السريع" فحسب، بل "تُعرقل" أيضًا من قبل "الإخوان" المتخفين.

وعن السيناريوهات المتوقعة فى ظل هذا التصعيد، قال السياسى السودانى: "سيناريوهات متشعبة وكثيرة، وللأسف كلها مُظلمة لا تصب فى مصلحة الشعب السودانى، الذى له مصلحة عاجلة هى توقف الحرب الدائرة فورًا".

واختتم بقوله: "يجب أن تقف هذه الحرب دون أى تعقيد، ودون أى إطالة لعمرها خلال الفترة المقبلة، لأن ذلك يعنى مزيدًا من النزوح والجراح للسودانيين، ومزيدًا من الخراب للبنية التحتية فى وطنهم الغالى".

التصعيد يعرقل الوصول لأى تسوية.. ويمد الحرب إلى دول الجوار

أرجع الصحفى والسياسى السودانى، كمال كرار، التطورات الأخيرة فى السودان إلى استمرار الحرب العبثية وطول أمدها، وتحولها إلى "حرب منسية"، بعد فشل الجهود الإقليمية والدولية فى إيقافها حتى الآن، مع عدم وجود أى آليات فعالة للضغط على الطرفين.

ورأى "كرار" أن طرفى القتال لا رغبة لهما فى إيقاف الحرب، ولا يأبهان بالضحايا من المدنيين، ولا بالدمار الواسع الذى يحدث للوطن، إلى جانب مخاطر تقسيمه، لذا تتمدد الحرب وتنتقل من مكان إلى آخر، وسط رغبة كل طرف فى الانتصار، أو تحقيق نقاط قوة من خلال التوسع الجغرافى.

وحذر السياسى السودانى من أن استمرار الحرب يعنى مواصلة سقوط الضحايا من المدنيين، وتفريغ المدن من السكان، وانهيار البنى التحتية والاقتصاد عمومًا، محملًا طرفيها مسئولية ما يحدث من انتهاكات، لأن "القذائف تنطلق من الجانبين دون تمييز"، وفق تعبيره.

ونبه إلى أن التصعيد يعرقل الوصول لأى تسوية سياسية، فى ظل وجود أطراف خارجية لا ترغب فى وقف الحرب، لأنها تستفيد منها، إلى جانب أطراف داخلية تغذيها لتحقيق طموحاتها السياسية مستقبلًا، وعلى رأس هؤلاء "الإخوان"، الذين "خلعهم الشعب من السلطة قبل ٤ سنوات، ويودون العودة من خلال فوهات البنادق".

واختتم بالتحذير من أن تداعيات الحرب ستنتقل سريعًا إلى دول الجوار، لتصبح حربًا إقليمية تهدد القارة الإفريقية بأسرها، إذا لم يأبه العالم لها، خاصة بالمحيط الإقليمى.

المسلحون يواصلون القتل والسرقة.. وتوقف الخدمات يطول مرضى السرطان

قال القيادى فى "قوى الحرية والتغيير"، شهاب إبراهيم الطيب، إن توسع دائرة الحرب فى السودان وانتقالها إلى مناطق جديدة يقلص من إمكانية التوصل إلى حلول تفاوضية لإنهاء الحرب، بما يزيد معاناة الشعب السودانى، ويحول الصراع إلى حرب شاملة. وأضاف "الطيب": "لا يوجد انتهاك أسوأ من فقد المواطنين أرواحهم ومساكنهم، وسط استمرار القتل والسرقة والنهب"، مشيرًا إلى أن تمدد الحرب أدى إلى توقف الخدمات الأساسية، وهى قليلة فى الأساس، لتتضرر فئات عديدة من المواطنين، حتى مرضى السرطان والفشل الكلوى. وواصل: "التصعيد العسكرى يعرقل أى حل سياسى"، معتبرًا أن السيناريو الأفضل هو الرجوع إلى التفاوض وفق آلية "منبر جدة"، بينما السيناريو الأسوأ هو انهيار الجيش وتبنى "الإسلاميين" خيار استمرار الحرب وتحويلها إلى حرب شاملة.