رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خواطر سائح فى الانتخابات

السائح الأجبني الذي يسعده الحظ، ويزور مصر، ويتجول فيها خلال أيام 10 و11 و12 من هذا الشهر ديسمبر 2023، سوف يلفت نظره هذا الزخم الذي يعيش فيه الشعب المصري، خلال فترة اختياره لمن يحكمه لمدة ست سنوات قادمة. 
ولأن السائح سعيد الحظ، سوف يرى مصر التي لم يرها من قبل، ويرى ظاهرة لم يكتب عنها الرحالة الذين قرأ كتبهم وتجاربهم قبل أن يفد إلى مصر، ظاهرة لم يعرفها التاريخ القديم لمصر ولا حتى ما قبل أسرة محمد على، سيرى مصر في حالة عرس يختلف عن أعراسها واحتفالتها التي تجري كل عام، سواء كانت احتفالات دينية أو قومية، سيرى احتفالًا بالديمقراطية.
سيرى السائح منذ الصباح يقدم المصريون ملحمة وطنية خالصة في جميع شوارع الجمهورية، مصطفين بالآلاف أمام اللجان الانتخابية للمشاركة في انتخابات الرئاسة 2024 لاختيار رئيس الجمهورية الجديدة، والتي بدأت منذ صباح اليوم الأحد 10 ديسمبر، ومستمرة لمدة ثلاثة أيام متتالية. 
كما سيرى مظاهر الاحتفالات تملأ الشوارع في أول أيام الانتخابات الرئاسية 2024، علم مصر في كل مكان وبيد كل صغير وكبير، والزغاريد والفرحة والرقص تملأ الشوارع، والأغاني الوطنية تتردد في كل شارع بصوت عالٍ تجعلك تشعر بالانتماء ومعنى كلمة وطن، لنجد أنفسنا أمام عُرس انتخابي مصري فريد من نوعه. 
سيعرف السائح أنه في هذا البلد، لا صوت يعلو فوق صوت الأغاني الوطنية في حب مصر، تلك الأغاني التي تزيد المواطنين حماسة، وتشجيعًا على المشاركة في الانتخابات، وهو المشهد الذي اعتدنا عليه لسنوات طويلة أمام اللجان، بخلاف السيارات التي تجوب الشوارع وتخرج منها أصوات الأغاني الوطنية التي تدفعك دفعًا للنزول والمشاركة في المهمة الوطنية. 
وإن كان هذا السائح سيتابع وسائل الإعلام، فإنه بلاشك سيصاب بدهشة شديدة عندما يعرف أن هذا الشعب الذي يحتفل باختيار رئيسه، ترك أبناءه وفلذات أكباده على الحدود المصرية الملتهبة من كل نواحيها. 
لن يصدق السائح نفسه وهو يرى عريسًا وعروسة وهما يدليان بصوتيهما بفستان الزفاف وبدلة الفرح في ختام اليوم الأول للتصويت بالانتخابات الرئاسية ٢٠٢٤، وأيضًا اصطحبا برفقتهما ذويهم وعددًا من معازيم الفرح وسط احتفالات كبيرة من الحضور والمشاركين فى العرس الانتخابي. 
ففي الجنوب يتقاتل الأشقاء في السودان، من أجل الاستئثار بالسلطة، وكان نتيجة قتالهم أن فر أكثر من 5 ملايين سوداني من بلادهم إلى البلاد المجاورة، وكان لمصر النصيب الأكبر من هؤلاء الإخوة اللاجئين، الذين وفدوا ليقدم لهم المصريون كل عون ومساعدة وترحيب بقدومهم. 
كما لن يصدق السائح أن الحدود الغربية لهذا البلد، والتي يتقاتل على حدودها أبناء ليبيا باستقدام الأتراك وميليشيات مرتزقة، استعان بها فريق من أهل ليبيا على الفريق الآخر، ويعاني هذا البلد من محاولة جمع شتات نفسه في مواجهة العالم على الجانب الآخر من المتوسط، الذي يحاول أن يدس أنفه في شئونها لحماية الذهب الأسود المتدفق من صحرائها إلى شرايين أوروبا، التي بدأت تعاني من الانسداد من ناحية روسيا وأوكرانيا، ويصبح البترول الليبي معادلات لما فقدوه من غاز وبترول روسيا وأوكرانيا الذي توقف بسبب الحرب.
لن يصدق السائح الأجبني أن على الحدود الشمالية والشرقية لهذا البلد تجري أكبر عملية تهجير قسري عرفها العالم في العصر الحديث، وأن دوي الانفجارات في غزة وخان يونس يتردد صداه في مصر، وتسمعه جيدًا الطوابير الصامتة أمام صناديق الانتخابات، ويؤدون واجبهم في زخم، وكان ما يحدث على حدودهم لا يؤثر فيها. 
ولا يعرف السائح أن المواطن المصري يغلي من داخله لما يحدث بين الأشقاء من حوله، ويؤدي واجبه في اختيار رئيسه ليستكمل ما بدأه من النهوض بذلك البلد وتجنيبه ويلات الصراع، بعد أن جنبه الحرب الأهلية التي كادت أن تشتعل بمصر في عام 2012 بفعل وجدود فصيل إرهابي في الحكم، والذي نجح في فترة الانفلات الأمنى من حشد قوته بالقفز على السلطة. 
ولا شك أن السائح لن يصدق أن وزارة الخارجية لهذا البلد، الذي يحتفل بالانتخابات، قد تحولت إلى خلية نحل لمقاومة ما يعرف بمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذى تحاول إسرائيل أن تفرضه بقوة السلاح على الفلسطينيين، لتهجيرهم من بلادهم وإجبارهم على اقتحام الحدود المصرية، ولا يعرف هذا السائح أن وزارة الخارجية المصرية ورجالها يقفون في مواجهة أكبر مشروع استيطاني مدعوم ببعض دول الغرب وعلى رأسها أمريكا.