رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بعد حرب غزة

رغم كل ما حدث من تحليل للحرب التى نشبت مؤخرًا فى غزة، فإن التحليلات دائمًا تتوقف عند تأثير تلك الحرب على دول الجوار. 
ويتعين علينا نحن- المصريين- أن نعيد التفكير فى مستقبلنا، فى ضوء ما حدث فى حرب غزة، والمواقف الدولية من تلك الحرب. 
فمن خلال من ظهر من مواقف الدول الغربية تجاه ما يحدث فى غزة، فقد ظهرت مواقف معظم الدول الغربية بصورة مؤيدة لإسرائيل على طول الخط. باعتبارها دولة تعرضت لعدوان من جماعة منطرفة توصمها قوانين تلك الدول بأنها إرهابية، وفى ضوء ذلك قامت الدول الغربية بتبرير حالة العنف المتصاعدة والتدمير غير المسبوق الذى تقوم به إسرائيل من هدم القطاع على رءوس المقيمين فيه. وهو عنف غير مسبوق، حتى فى الحروب التى خاضتها إسرائيل من قبل ضدر فلسطين أو الدول العربية. كانت إسرائيل تخوض تلك الحروب فى ظل مجتمع دولى يرفض تصرفاتها العدوانية، وفى ظل مجتمع دولى تحكمة قوتان متنازعتان، فقد كان الأمريكان يحسبون ألف للوجود السوفيتى فى منطقة الشرق الأوسط. لأجل هذا كانت هناك حدود لتلك القوة المفرطة التى تعاملت بها إسرائيل فى حروبها السابقة.
الآن إسرائيل وحدها على الساحة الدولية تفعل ما تشاء تحت ستار الدفاع الشرعى الذى أسبغه عليها أصدقاؤها. وبالتالى فلا يوجد أى تخوف من أى قوة أخرى، طالما الدول الكبرى دائمة العضوية فى مجلس الأمن الدولة، وبالتالى فإسرائيل فى مأمن من أى عقاب.
ومن خلال تلك الحرب برز على الساحة مشروع قديم، كانت إسرائيل قد لوحدت به، ثم أعادت إخفاءه عندما رفضت مصر ومعها بعض القوى العربية هذا المشروع، فحسب وثائق سرية، كانت إسرائيل قد وضعت خطة سرية قبل 52 عامًا لترحيل الآلاف من فلسطينيى غزة إلى شمال سيناء. بعد احتلال الجيش الإسرائيلى غزة، إلى جانب الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان السورية، فى حرب يونيو 1967، أصبح القطاع مصدر إزعاج أمنى لإسرائيل. وباتت مخيمات اللاجئين المكتظة بؤر مقاومة للاحتلال. فمنها انطلقت عمليات مقاومة ضد القوات المحتلة والمتعاونين معها. 
لقد استشعرت إسرائيل خطورة الكثافة السكانية فى قطاع غزة وبعض مدن الضفة، فأصبحت تفكر فى طريقة تستطيع بها استيعاب تلك الكثافة فى مساحة من الأرض، لينتشروا فيها بحرية، بدلًا من الزحام الذى وصل حد الاختناق فى غزة ومدنها، بحث يتناسى هؤلاء السكان فى المناطق الجديدة فكرة العودة لأرض إسرائيل من جديد، ويعيش هؤلاء السكان فى أراضيهم الجديدة كدولة مستقلة لا تفكر إلا فى كيفية إطعام هؤلاء.
يجب علينا قراءة المستقبل فى ضوء الأهداف الإسرائيلية التى تعلنها إسرائيل من أجل تلك الحرب وهي:
أولا، محاولة تقويض البنى التحتية للمقاومة الفلسطينية، ما أمكن ذلك، أو جعلها، على الأقل، غير فاعلة.
ثانيا، إخضاع الشعب الفلسطينى نهائيا لإملاءاتها، بالتسليم بسيطرتها من النهر إلى البحر.
ثالثا، إزاحة جزء من الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم بكل الطرق، لاستكمال ما لم تنهه فى النكبة الأولى «1948»، أى إزاحة وتغييب الفلسطينيين، بالتخفف من الثقل الديموغرافى الذى يشكله 2.3 مليون فلسطينى فى قطاع غزة الضيق «365 كلم مربع»، فى محاولة ترانسفير جديدة، كجزء من عملية إخفاء أو تطهير عرقى أو إبادة.
رابعا، إنشاء مشرق عربى مختلف، بكل تنويعاته، متصالح مع إسرائيل، ويتيح علاقات طبيعية معها فى المنطقة «لاحظ الاستثمار فى النظام الإيرانى وميليشياته بتشريد ملايين السوريين والعراقيين مثلًا.
لأجل هذا تحاول إسرائيل إحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد بالقوة المسلحة بالضغط على السكان للاتجاه ناحية الدول العربية المجاورة وهى مصر والأردن، ولتخلق واقعًا جديدًا بالقوة المسلحة، ويصبح هؤلاء النازحون مشردين ولاجئين بصفة مؤقتة، ومع مرور الوقت ترفض إسرائيل عودتهم للأدهم، ويصبح بقاؤهم فى المناطق التى نزحوا إليها واقعًا لا يمكن تغييره.
وقد تزايدت المخاوف من إقدام إسرائيل على إجبار أهالى غزة على النزوح إلى سيناء، مع تواصل العدوان بالقوة المفرطة على مدينة خان يونس، وهو ما يعرف بعملية الرصاص المصبوب، حسبما تطلق عليها إسرائيل، وهو الأمر الذى دفع سكانها إلى النزوح إلى مدينة رفح المجاورة، فى وقت أعلن فيه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية أن عشرات الآلاف من الفلسطسنيين النازحين، وصلوا إلى محافظة رفح، التى تقع أسفل جنوب غزة. وقد أقام النازحون الفلسطينيون القادمين من مدينة خان يونس خيامًا بالقرب من الحدود المصرية فى مدينة رفح الفلسطينية أقصى مدن الجنوب. وأن إسرائيل تطلب من النازحين فى قطاع غزة المزيد من النزوح لحشرهم وتحديد حركتهم باتجاه واحد نحو معر رفح الحدودى مع مصر.