رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. ومفاوضات غزة

التفاوض، أو المفاوضة، نوع من أنواع النقاش أو الجدال الذي يُستخدم لحلّ النزاعات، والوصول إلى اتفاق مشترك بين طرفين أو أكثر. وغالبًا ما ينتُج عن المفاوضات نوع من أنواع التسوية، حيث يقدّم كلّ طرف بعض التنازلات لصالح بقية الأطراف في ذات العلاقة.  
في مجال العلاقات الدولية تعتبر نظرية التفاوض من النظريات التي تستهدف دراسة وتناول الأبعاد والمحددات التي من خلالها يمكن حسم مواقف الصراع، ورسم السياسات وإدارة العلاقات الدولية في الظروف الطبيعية، بعيدًا عن الحرب. 
وقد أدرك الرئيس السادات مبكرًا. منذ أن وضعت حرب 1973 أوزارها. بين مصر وإسرائيل. وأدرك السادات حتمية الاقتناع بفكرة التفاوض المباشر. 
فقد اقتنع الرئيس السادات بفكرة أن الولايات المتحدة الأمريكية تمتلك كل أوراق اللعب السياسي في منطقة الشرق الأوسط، وعلى ذلك قرر أن يختار التفاوض المباشر مع إسرائيل، برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وقد قادت الولايات المتحدة الأمريكية المفاوضات المباشرة في كامب ديفيد، وأخرجت أهم وثيقة سلام بين مصر وإسرائيل، وصارت بعد ذلك نموذجا لكل وثائق السلام بين العرب وإسرائيل، سواء في الأردن، أو مع فلسطين، منظمة التحرير الفلسطينية. 
ولما كنا بصدد الحديث عن اتفاق إسرائيل وحماس الأخيرة، فإن هذا النوع من التفاوض بين الأعداء، لا يمكن أن يتم بتفاوض المباشر بين الطرفين، احتاج الأمر لوسطاء يتدخلون لدي الطرفين، فلا يمكن إغفال الجانب الأمريكي، بما له من علاقة قوية بإسرائيل.
ومصر بما لديها من علاقات قوية مع حماس، ولخبراتها العديدة في فهم القضية الفلسطينية، وما يدور في افق حماس السياسي، من خلال المفاوضات السابقة التي قامت بها بين إسرائيل وحماس، في أعقاب كل عدوان إسرائيلي على غزة حماس، سواء في عهد الرئيس مبارك، أو في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ابتداء من عام 2014. 
يتطلب الأمر، وجود ممول لعملية التفاوض التي لا تتم مباشرة، ولكنها تحتاج إلى تمويل ضخم، يتولى الإنفاق على شئون التفاوض، فكانت دولة قطر، والتي توافرت لها الخبرات الدولية والمعرفة بكيفية التأثير على الأطراف باستخدام المال، وهو ما حدث حينما قادت المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية بكل قدراتها وبين منظمة طالبان الإرهابية، فاستضافت في الدوحة كل قيادات طالبان، وأمكن لها التوافق على خروج الولايات المتحدة من أفغانستان بأقل خسائر ممكنة. 
كما نجحت قطر في جمع إيران وأمريكا، في مفاوضات مباشرة، بعد أشهر من تعثر محادثات فيينا بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والغرب. فقد قامت قطر بتفعيل دورها في مواصلة الحوار لمعالجة نقاط الخلاف بين واشنطن وطهران، بعد إعلان ترحيبها باستضافة جولة محادثات غير مباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيراني.
اختيار الدوحة، والتي تُعتبر العاصمة الأقرب لقلب الإدارة الأمريكيّة الحاليّة، وتحظى بوضع الشّريك المُفضّل لحلف الناتو، وتتواجد على أرضها أكبر قاعدة عسكريّة أمريكيّة في الشرق الأوسط "العيديد".
لأجل ذلك، لم يكن من قبيل الصُّدفة، ولكن بما لدي قطر من أموال قدمتها كمساعدات لحماس، تدفع لهم بالشيكل الإسرائيلي، على مدى أعوام سابقة، وبما توفره من إقامة آمنة ومجانية لقادة حماس على أراضيها. 
بعد مجهودات مضنية وصعبة، استمرت منذ اندلاع القتال في 7 أكتوبر 2023، وحتى يوم 22 نوفمبر، حيث تمكنت الأطراف من التوصل إلى اتفاق، يتم بمقتضاه تبادل الأسرى بين الطرفين المتقاتلين، وفرض هدنة مؤقته، وإدخال المساعدات المتراكمة عن معبر رفح الحدودي. 
توصلت إسرائيل وحماس إلى اتفاق لتبادل 50 رهينة من الرهائن المحتجزين في غزة مقابل وقف القتال لمدة أربعة أيام. ويشمل الاتفاق أيضًا الإفراج عن 150 امرأة وطفلًا فلسطينيًا محتجزين في السجون الإسرائيلية، بالإضافة للسماح بزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأعلن بيان صادر عن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيتم إطلاق سراح 50 امرأة وطفلًا على مدى أربعة أيام، وخلال هذه الفترة "سيتم وقف القتال. كما عرض البيان على حماس حافزًا للإفراج عن مزيد من الرهائن، بالقول: "إن إطلاق سراح كل 10 رهائن إضافيين سيؤدي إلى يوم إضافي من وقف إطلاق النار". وهذا البند يعتبر مهمًا لعائلات الرهائن، الذين قال بعضهم في وقت سابق لـ"بي بي سي" إنهم لا يريدون رؤية اتفاق جزئي. 
وبدخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ فإنه يكون الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد أضاف مجدًا جديدًا إلى سجل أمجاده السابقة بعد طرد الإخوان المسلمين من الحكم، والنهوض بالدولة المصرية، وتقوية الجيش المصري، والوقوف في وجه الأطماع الدولية في ليبيا. والاهتمام بصحة المصريين، والقضاء على فيروس سي، المتوطن في مصر، منذ مئات السنين، والذي كان الهاجس الأعظم لمعظم المرضى من المصريين. 
ويختتم الرئيس مجهوداته التاريخية في النهوض بمصر، بالقضاء على فكرة ما يعرف بمشروع الشرق الوسط الجديد. ويكون قد أجهض مشروع الدولة المدللة من معظم دول العالم، بحل قضية المهجرين الفلسطينيين على حساب مصر، وكتب نهاية هذا المشروع، الذي ظل فترات طويلة الهاجس الأكبر لمصر، والذي يريد اقتطاع جزء من مصر ليتوطن فيه الفلسطينيون، بدلًا من حق العودة الذي يطارد الإسرائيليين، ويهدد دولتهم.