رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنسانية العالم بخير

الإنسانية خلاف البهيمية؛ نقول مشاعر إنسانية وأحاسيس إنسانية ونقول شهوة بهيمية وغريزة بهيمية، ربما لأن الإنسانية لا ترتبط بالشهوة الجسدية والغريزة الجنسية كالارتباط البهيمي بهما، والمعنى أن الإنسان يميز في أثناء الاحتياجات البيولوجية والحيوان لا يميز، كما أن للإنسان أعمالًا مهمة سوى الأكل والشرب والنوم والعلاقة الحميمة، وليس للحيوان غيرها، هذا لا يفضل الإنسان على الحيوان في الحقيقة، لأن الحيوان مخلوق هكذا، ولكنه بالتأكيد يحط من قدر الإنسان إذا صار حيوانًا، أي له ما للحيوان وحسب!
في خضم الأحداث الفظيعة التي تعيشها غزة، ويتأثر بها العرب والعالم الحر؛ ظهرت إنسانية الإنسان الغربي ظهورًا هائلًا، الأمريكي والأوروبي، وطالما نخطئ فنصف هذا الإنسان بالحيوانية؛ لأنه في ظننا مشغول بالجنس صباح مساء، لكنه الوصف غير الدقيق ولا اللائق بالمرة، والذي يجب الاعتذار الشجاع عنه فورًا. لقد اتخذت أمريكا الرسمية موقفًا واضحًا منذ بداية الحرب على غزة، هو مناصرة إسرائيل بوضوح وبكل قوة، واتخذ معظم الأوروبيين نفس الموقف، مع فروق في الإمكانيات ومن ثم الدعم، ولكن الشعب الأمريكي والشعب الأوروبي كانا على النقيض من الحكومات، لا أعني الشعب برمته طبعًا، ولكن أعني كثرة لافتة من الأمريكيين والأوربيين تؤمن بشرعية القضية الفلسطينية وعدالتها وتتعاطف مع الأطفال والنساء والمباني والمعاني المهدرة في الأرض المحتلة دون وجه حق..
لقد رجت المظاهرات تمثال الحرية الأمريكي، وسدت الشوارع الأوروبية، وشارك فيها يهود أيضًا، يهود منصفون، لا يوافقون على بطش الاحتلال وفجره، ويحترمون الإسلام والمسيحية كاحترامهم للتوراة بالضبط، وهؤلاء طوائف لا ينبغي أن نغفل عن مساندة دورها العظيم في الضغط على المعتدي ومحاولة إثنائه عن ظلمه، ولا أن نكف عن شكرها والاعتزاز بإنسانيتها أيضًا!
أحيانًا يدفع هؤلاء ثمنًا باهظًا لمناهضة حكوماتهم، يتعرضون لأخطار في الميادين، ويتم القبض على بعضهم، وأشياء أخرى مؤسفة؛ فالحرية ليست كاملة هناك كالاعتقاد العربي الساذج، إلا أنهم لا يرعوون، بل يواصلون الهتاف لفلسطين والخطابة لفلسطين، والتنديد بمواقف حكوماتهم، وبإسرائيل الوحشية التي ترتكب جرائم حرب علنية ضامنة أنها بمنجى من المساءلة!
إن كثيرًا من الناس في الغرب، لا سيما الشباب، غلبوا الشرقيين أنفسهم في الوقوف بجانب هدوء الحياة واستقرارها في الجهة الأخرى من العالم الفسيح، ولا غرو في الحقيقة؛ فالغربيون، وبالذات الأجيال الجديدة، وجدوا أمامهم وسائل عديدة متقدمة، أبرزها شبكة الإنترنت طبعًا، مكنتهم من كشف الكذب الحكومي المستمر، ذلك الذي عاش آباؤهم دهورًا يعتبرونه الصدق الوحيد لأنهم لا يرون سواه، إلى أن أدمنوا أنه الصدق حتى عندما انكشف أمره!
أشيد بجميع من يناصرون الحقوق في العالم، وأنحني لهم، وفي الوقت نفسه أكون مطمئنًا تمامًا عندما أرى حشودهم الثائرة لأجل خلاصنا في العواصم العالمية؛ لأنهم يجعلونني أستعيد ثقتي بالإنسانية!