رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة استشرافية لـ"مستقبل غزة": مصر لاعب أساسى والحل فى "دولتين لشعبين"

غزة
غزة

يطرح التصعيد الإسرائيلي- الفلسطيني الراهن في قطاع غزة إثر هجوم حركة "حماس" في السابع من أكتوبر الماضي، ضرورة التفكير في مقاربة جديدة للتعامل مع مستقبل القطاع، وذلك ضمن إطار أشمل يتعلق بحل القضية الفلسطينية على أسس السلام العادل والشامل ومقررات الشرعية الدولية.

إذا كان وقف إطلاق النار هو الأولوية التي تشغل التحركات الدبلوماسية الراهنة، لأغراض مساعدة المدنيين ووقف نزيف دمائهم، والخشية من سيناريو الانفلات الإقليمي للحرب؛ فإن سؤال "اليوم التالي" المتعلق بمصير قطاع غزة يؤرق الدوائر السياسية والفكرية في العالم، لأن الإجابة عنه ستحدد ما إذا كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سينفجر ثانية على غرار مرات سابقة، أم ستكون المواجهة الراهنة فرصة لوضع أسس جديدة يمكن عبرها ضمان سلام مستدام.

وسارع العديد من مراكز الفكر الغربية والشخصيات المهتمة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى تقديم مقاربات وتصورات مختلفة لـ"اليوم التالي" بعد توقف إطلاق النار في غزة مفترضة أن "فراغا" سينشأ في قطاع غزة يقتضي التعامل معه إذا حققت إسرائيل هدفها المعلن في القضاء على حركة "حماس"، وهو ما قد يخلق أوضاعًا جديدة، وينهي ما كان قائما في القطاع قبل السابع من أكتوبر.

وبغض النظر عما إذا كانت تلك الفرضية واقعية، أم لا تزال قيد الديناميات العسكرية المشتعلة حاليا في قطاع غزة، بخلاف أنها تعكس انحيازا غربيا جليا للرؤية الإسرائيلية؛ فإن المقاربات الغربية المطروحة حول مستقبل القطاع تستدعي فحصا لمدى واقعيتها وقابليتها للتنفيذ في الواقع الفلسطيني. وفي الوقت نفسه، يطرح مجموعة من الخبراء والمتخصصين في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مقاربة تفكير مغايرة تستند إلى رؤية أشمل للحقوق الفلسطينية العادلة في مرحلة ما بعد الحرب، وعلى أساس أن حل معضلة غزة" هو مسئولية فلسطينية أولًا وأخيرًا.

كل التصورات لا يمكنها محو دور مصر المحورى

لم يستطع معظم التصورات الغربية المطروحة لليوم التالي في قطاع غزة تجاوز الدور المصري وأهميته القصوى باعتباره "العامل المرجح" لأي من هذه السيناريوهات المستقبلية، التي يمكن أن تنتهي إليها الأوضاع في القطاع. ومع ذلك، فإن تلك التصورات لم تتنبه بالقدر الكافي لمحددات ذلك الدور، ليس فقط فيما يتعلق بالأزمة الحالية في غزة، ولكن بتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل عام.

إذ تستهدف مصر حلا عادلا وشاملا يضمن الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، من خلال إقامة دولة فلسطينية على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ولعل عدم الانتباه لمحددات الموقف المصري الثابت والمعلن من القضية الفلسطينية، يعد من أهم أسباب عدم قابلية السيناريوهات الغربية المطروحة لمستقبل غزة للتحقق على أرض الواقع.

لا سبيل إلا حل الدولتين

وترتكز الرؤية المصرية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على الاعتقاد الجازم في أنه لا سبيل لحل القضية الفلسطينية سوى من خلال الدولتين وأن تصورات البعض بشأن جدوى الحل أو الحسم العسكري لهذا الصراع هي خارج إطار الواقع، ولا يمكن القبول بها. وأن السياسة الإسرائيلية القائمة على إغلاق الأفق السياسي أمام الفلسطينيين ستكون عواقبها وخيمة، ومن ثم فلا بديل عن إحياء المسار السياسي.

ويظل إحياء المسار السياسي بندا رئيسيًا على أجندة الدولة المصرية، حتى في ظل اشتمال المواجهات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولم تكن المواجهة الحالية استثناءً من ذلك التوجه، فمنذ اليوم الأول للمواجهات ومع محاولات التحذير والعمل على وقف أو خفض التصعيد، طرحت مصر ضرورة الانتباه للمسار السياسي في هذا الإطار، جاءت دعوتها واستضافتها للمؤتمر الدولي بالقاهرة في  أكتوبر 2023 الذي خصصته للمسار السياسي فكان عنوان المؤتمر "مؤتمر القاهرة للسلام". للتأكيد على ضرورة المقاربة الشاملة للتصعيد الجاري

ومع انسداد الأفق السياسي نتيجة للانحياز الغربي غير المسبوق للجانب الإسرائيلي تبنت القاهرة المسار الإنساني، وسعت لحشد المجتمع الدولي لتبني ذلك المسار وهو ما نتج عنه الاتفاق الذي سمح يفتح معبر رفح من جانبه الفلسطيني لإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين داخل القطاع.

في الوقت نفسه، واجهت مصر المخططات الإسرائيلية لتوظيف هجوم السابع من أكتوبر، حيث أدركت أن الهدف الإسرائيلي من التصعيد هو وضع مخطط التهجير القسري للفلسطينيين باتجاه سيناء لتصدير الأزمة لمصر موضع التنفيذ، من خلال أكبر عملية عسكرية من القصف الموسع على القطاع لتحوله إلى قنبلة بشرية" قابلة للانفجار باتجاه مصر إزاء ذلك المخطط أعلنت مصر بشكل واضح أن التهجير القسري للفلسطينيين مرفوض، وأن محاولات تصفية القضية الفلسطينية مرفوضة، وأن تصدير الأزمة لمصر هو خط أحمر غير قابل للنقاش.