رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلا مَنّ ولا أذى.. جهد المُقل وأضعف الإيمان

لم تكن مصر يوما ممن يتنكرون لدورهم أو يتجاهلون نداء أهلهم أو يتناسون واجبهم، إذ لم تثبت سجلات التاريخ ولا كتابات المؤرخين نكوصا ولا تراجعا ولا تخليا، ولعل قضية فلسطين خير شاهد على هذا. 
فمنذ تم الكيد للعرب وفُرض هذا الكيان الصهيوني السرطاني على الأراضي العربية في فلسطين، فإن تلك القضية تصدرت قائمة اهتمام المصريين وقادتهم بدءا من عهد الملك فاروق، مرورا بكل قادة مصر من بعده حتى وصل أمر البلاد إلى الرئيس عبدالفتاح السيسي، فامتد عطاء مصر للإخوة في فلسطين بلا وَهَن أو كَلل.
ورغم إدراك الجميع لشراسة العدو حربا أو تفاوضا، فإن موقف مصر ظل ثابتا لا يتلون ولا يتغير ولا يهادن. وما من مناسبة أتت إلا وأكّدت فيها مصر التزامها التاريخي والأخلاقي والعروبي تجاه الإخوة في فلسطين، وفي هذا نذكر ما صرح به الرئيس السيسي مرارا وتكرارا وربما كان أبرزها ما تعهد به من دعم للقضية حين قال: إن مصر لن تسمح بتصفية القضية الفلسطينية على حساب أطراف أخرى.
 ورغم أوضاع مصر الاقتصادية والتي لا تخفى على متابع - إذ لا ينكر منصف أن انشغال مصر بالقضية الفلسطينية وخوض حروب كثيرة دفاعا عن الحق العربي كان سببا رئيسيا في استنزاف مقدراتنا الاقتصادية - إلا أن مصر وعلى الرغم مما عانت ولعقود طويلة ظلت تمد يد العون للإخوة في فلسطين سواء بالدعم المباشر أو غير المباشر. 
وكان آخر ما قدمته مصر في هذا الإطار ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي منتصف مايو 2021 من رصد مبلغ 500 مليون دولار كمبادرة مصرية تخصص لصالح عملية إعادة الإعمار في قطاع غزة نتيجة الأحداث التي وقعت بالقطاع قبل ذلك بأيام.
وفضلا على ذلك وجّه سيادته الشركات المصرية المتخصصة بالاشتراك في تنفيذ عملية إعادة الإعمار، وبالفعل توجهت المعدات والآليات لتنفيذ المهمة، على أن تكون العمالة كلها فلسطينية – كما وجّه الرئيس السيسي - ليستفيد المعطلون من أبناء غزة بفرص عمل توفرها عملية إعادة الإعمار.
أما على الشق الإغاثي، وفي الأثناء ذاتها فقد بادرت مصر بعلاج المصابين من أهلنا في غزة، كما قامت بإرسال 65 طنًا من الأدوية والمستلزمات الطبية.
 ويشهد الجميع أنه ما من مواطن واحد قد اعترض على ما تفعله الدولة وما تبذله في هذا الإطار، فهو واجب علينا وحق لهم. وفي مثل هذه الحالات تجد المصريين يقولون «سامحني، العين بصيرة والإيد قصيرة». 
لكن أيادي المصريين لم تقصر يوما عن العطاء حتى بآخر جنيه في جيوبهم عندما يدعو داعي الجهاد، ولنا فيما فعلوه أيام المجهود الحربي الدرس والعبرة. ومن المهم أن نؤكد أن مصر لم تبذل ما بذلت لتمُن على أحد، ولكنه إيمان راسخ وعقيدة ثابتة من أن هذا جزء من دورها التاريخي وقدرها نحو أشقائها، فما بالكم إذا كان لهذا الجار حق يضاف لحق الأخوة هو حق «الجيرة» التي يعرف أولاد البلد من المصريين قيمتها وقدرها، ويعرفون كيف يصونونها ويحافظون عليها.
 ومع اندلاع الأحداث الدامية التي تشهدها غزة هذه الأيام، كان لمصر وقيادتها موقف حاسم، إذ رهنت السماح بخروج رعايا الدول عبر معبر رفح البري بدخول الإمدادات والمعونات الغذائية والطبية لإغاثة ضحايا الحرب على غزة.
وظلت مصر ثابتة على موقفها إلى أن رضخ المعتدي وقبل بالشرط المصري العادل، فإذا كنت تريد الحياة فليكن ذلك للجميع، وليتمتع الجميع بحق الحياة طالما وجدوا إلى هذا سبيلا لا أن يحرم منها المرضى والجرحى لمجرد كونهم فلسطينيين. 
ويلقى الشق الإنساني الاهتمام الأكبر من القيادة المصرية، فحماية أرواح البشر - لاسيما الأشقاء – حق إنساني نادت به الشرائع السماوية كافة وأقرّته المواثيق الإنسانية كلها. ومنذ الأربعاء الماضي سعدنا بالانفراجة التي حدثت حيث تم السماح بمرور الجرحى وعلاجهم بمستشفيات ميدانية مجهزة. 
قرأت منشورا لشاب فلسطيني اسمه براء أنيس كتب مخاطبا أصدقاءه من المصريين يقول: «اعتدنا أن نفتح أعيننا حين بدأنا الوعي على الكرة المصرية فشجعنا مثلكم إما الأهلي أو الزمالك، وحرصنا على أن نتابع الأفلام والمسلسلات المصرية.. نحن منكم وأنتم منا جزء واحد لا تفصل بيننا إلا الحدود السياسية، ليس لنا غيركم ولا نريد شيئا من أحد، إلا منكم «. ولعل ما نشعر به نحن المصريين من غضب لما يحدث وحزن على من يتعرضون للقصف والقتل والتجويع من الفلسطينيين، هو ترجمة مصرية حرفية لما قاله براء. وإن كنا نحن كمواطنين لا نعرف ماذا بوسعنا أن نفعل تجاه أشقاء يتعرضون للظلم والجور، إلا أن الإدارة المصرية والقيادة السياسية بمواقفها قامت بالواجب وما تزال.
 وفي السياق ذاته، لا نغفل جهد منظمات المجتمع الأهلي وخاصة التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي الذي ظل شبابه منذ الأيام الأولى للعدوان وحتى الساعة في شبه معسكر مفتوح يجمعون المواد الغذائية والإغاثية ويعبئونها ويغلفونها، ومنهم من سعى إلى المعبر ليقيم أياما بلا مأوى في انتظار السماح بعبور الشاحنات في وقفة ستظل تُذكر لكل الشباب المصريين وليس فقط لشباب التحالف. وعلى هامش هذا الموقف الشبابي المشرف شاهدنا جميعا كلمات ومواقف عظيمة لشبابنا حين وقفوا يوقظون ضمائر المراسلين الأجانب الذين باعوا ضمائرهم وتبنوا وجهة نظر واحدة دون إعمال لأي من المعايير المهنية الواجب اتباعها في التغطيات الميدانية. 
وفي ظني أن شعبنا العظيم بكل طوائفه وفئاته سيكون على أهبة الاستعداد لتقديم مزيد من الدعم والتبرعات حين يزيح الله هذه الغمة وينسحب المحتل أو ينسحق عاجلا غير آجل إن شاء الله.