رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سيناء" نحميها بالتعمير.. ونفديها بأرواح الملايين إن لزم الأمر

"لسيناء أطول سجل عسكرى معروف فى التاريخ تقريبا، ولو أننا استطعنا أن نحسب معاملًا إحصائيًا لكثافة الحركة الحربية لن نجد بين صحارى العرب، وربما صحارى العالم، رقعة كالشقة الساحلية من سيناء.. حرثتها الغزوات والحملات العسكرية حرثا".. إنها كلمات الدكتور جمال حمدان عن سيناء، والتي استحوذت على تفكيره وكتاباته، ومن أهم وصاياه «من يسيطر على فلسطين يهدد خط دفاع سيناء الأول، ومن يسيطر على خط دفاع سيناء الأوسط يتحكم فى سيناء، من يسيطر على سيناء يتحكم فى خط دفاع مصر الأخير، كان هناك دائما عدو يشكك بطريقة ما فى مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما، بالضم، بالسلخ، بالعزل».. هذا قدر "سيناء" بوابة مصر الشرقية، مطامع لا تنتهي على مر التاريخ، وشعب مصر وقيادتها، أصحاب هذه الأرض، تعهدوا منذ فجر التاريخ بالحفاظ على كل حبة رمل من أرض الفيروز، إنها مصر للمصريين.. الكتابة عن سيناء لا تتوقف، والاهتمام بها واجب وفرض، المطامع في سيناء عبر التاريخ لا تتوقف ولن تنتهي، وكما أوصانا الدكتور جمال حمدان بين سطور مؤلفه "سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا" «التعمير.. التعمير» هو الرد العملى على أطماع نزع الهوية عن سيناء وأيضًا لحمايتها، آمنت الدولة المصرية بالقرار الاستراتيجي وتعهدت بتنمية سيناء ضمن برنامج التنمية المستدامة للدولة المصرية. كانت البداية بالقضاء على الإرهاب، فالتنمية لا تتحقق إلا في مناخ من الأمن والأمان. 

جاءت زيارة الدكتور مصطفى مدبولي لشمال سيناء اليوم في وقت عصيب وغاية في الأهمية، لكل سكان سيناء، ولا سيما لقبائل البدو من مدينتي رفح والشيخ زويد قبل سكان مدينة العريش. حين تجتمع رؤية وإرادة الدولة مع رغبات ومطالب بدو وحضر سيناء، هنا نستشعر أن استراتيجية التنمية الوطنية في طريقها إلى الانطلاق والتقدم.. في زيارة تاريخية اليوم، أعلن رئيس الوزراء خلال لقائه مشايخ وعواقل سيناء بمقر الكتيبة 101 بالعريش: "نحن مستعدون كمصريين للدفاع عن كل ذرة رمل في شمال سيناء، لن نسمح لأحد بأن يقترب منها"، وأتبع، أن الدولة خصصت 363 مليار جنيه لتنفيذ 303 مشروعات في مختلف مدن شمال سيناء خلال 5 سنوات، لتحسين مستوى المعيشة.. وهذا ما ينتظره أبناء سيناء بعد تطهيرها من الإرهاب.

نكتب هنا عن أهم مطالب بدو سيناء التي كشف عن نتائجها اليوم السيد رئيس الوزراء.... منذ أسابيع التقي ممثلو وعواقل سيناء بالمسئولين في الدولة، حملوا همومهم، وكتبوا مطالبهم في مذكرة شملت نقطتين أساسيتين: سرعة العودة إلى القرى التي غاب عنها سكانها، والمطلب الثاني دمج أبناء سيناء في مشروعات التنمية التي قامت بها الدولة في سيناء.. ناقش الحضور أولوياتهم وأعدوا مذكرة بمطالبهم، وكلفوا الشيخ "الصياح" بأن يكون سفيرا ونائبا عنهم، على أن يحمل هذا الملف ويتوجه به إلى وادي النيل، كما يحلوا لهم القول، والمقصود هنا بالوادي "القاهرة"، وذلك  لعرضه على المسئولين.
عقب هذا اللقاء بأيام عُقد مجلس آخر في القاهرة، انضم إليه المهندس "إبراهيم العرجاني" رجل الأعمال السيناوي الشهير- أبرز الحضور في لقاء اليوم- الذي يعتبره أبناء رفح والشيخ زويد الصوت المعبر عنهم لدى الحكومة والمسئولين. 
جاء اللقاء الذي جمع بين ممثلي قبائل البدو والمسئولين في القاهرة مُرضيا للجميع ومتوجا بالأمل والطمأنينة، كما أسفر عن تحقيق مطالب اعتبرها "البدو" خطوة إصلاح حقيقية واستجابة لمطالبهم.. ومن بين ما تحقق من مطالب تم تخصيص 50 بيتا لكل قرية، تم إعادة تصميمها لتتناسب مع الطراز السيناوي، مساحة البيت 550 مترا مربعا، يحتوي على ثلاث غرف معيشة ومساحة يستغلها أصحاب البيت لأغراض معيشية أخرى. كما وعد المهندس "العرجاني" بتخصيص 20 مولدا كهربائيا لإنارة القرى، وذلك على نفقته الخاصة. فضلا عن مد هذه القرى بباقي مستلزمات الحياة، خاصة تزويدهم بمياه صالحة للشرب.. كما كان ملف التعويضات عن البيوت التي دمرتها الحرب على الإرهاب مكتمل الأركان من حيث بنود التعويض، والحقيقة أن القادرين ماديا من قبائل البدو تعهدوا بإعادة بناء بيوتهم على نفقتهم الخاصة، بينما أكدوا مساعدة الدولة للأسر الفقيرة بأن تكون التكلفة كاملة على الدولة.

الآمال والأحلام عريضة، والتفاوض مع الدولة مستمر، ويؤمن سكان رفح والشيخ زويد بأنه ما ضاع حق وراءه مطالب مشروعة، من هذا المنطلق لا تزال قضية سكان الشريط الحدودي قائمة، والذي يقدر بمساحة 5 كيلو عمق والممتد من قطاع غزة شمالا إلى وسط سيناء، 
الحقيقة أن "البدو" يدركون ويعرفون تماما أن هذه المسألة تتعلق بالأمن القومي المصري، وأنها قضية لها حسابات وتقديرات لا يمكن أن يغفلها الجميع، ومن حق الدولة أن تتخذ ما تراه من قرارت.

نأتي إلى قضية الاستثمار والاستصلاح الزراعي في سيناء، وهو المطلب الثاني ضمن طيات همومهم، تضمنت مطالبهم زراعة ربوع رفح والشيخ زويد بسواعد أبنائهم، لا سيما أن الزراعة في هذه المنطقة تقوم على مياه الأمطار والخزان الجوفي. إضافة إلى مطلب آخر، هو أن يتم السماح لهم بنسبة محددة في المشروعات الزراعية على محور القناة، مؤكدين أن لديهم خبرة كبيرة في زراعة أنواع من الخضر والفاكهة التي تتميز بها سيناء، مثل الخوخ والزيتون وأنواع من النخيل، والدليل على ذلك خروج نحو 400 سيارة نقل يوميا محملة بأجود أنواع الخضر والفاكهة في طريقها إلى العريش والقاهرة.
تعهد أبناء قبائل سيناء بتحمل المسئولية ومساندة الحكومة في تنمية سيناء ليس أمرا غريبا أو جديدا، لقد أثبتت قبائل سيناء حسن نواياها ومساندتها قرارات الدولة، كما نسجل لها موقفها البطولي في القضاء على الإرهاب حين قررت القبائل الدفع بأبنائهم في الحرب على الإرهاب وما تبعه من عمليات تطهير شاملة إلى أن عادت سيناء مرة أخرى بفضل أبنائها المخلصين خالية من الإرهاب وفي طريقها إلى التنمية. 

قاطرة التنمية في سيناء حلم كبير تحقق منه الكثير والكثير، كما أن الدولة وضعت خطة مستقبلية ومدروسة بعناية، شملت التنمية كافة جوانب الحياة من إسكان وتعليم وبنية تحتية، إنها تنمية في كافة المجالات يشهدها أبناء سيناء قبل الجميع، تعودهذه المشروعات بالنماء والخير على الجميع.
التفاوض مع الأجهزة المعنية في الدولة المصرية ليس أمرا صعبا ولا مستحيلا.. إنه الدور الحقيقي لكل مسئول في موقعه يضع استراتيجيات ويتبعها بالحلول وتجاوز المحن والمشكلات.. وها هو الأمل يعود مجددا لمن كان يحمل ملفا مثقلا بالهموم والمعضلات، نجد المشكلة مطروحة والحل موجودا.. حفظ الله مصر.