رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

50 سنة نصر أكتوبر.. اللواء درويش حسن: تدربنا على العبور فى ترعة الخطاطبة.. وقواتنا الخاصة سدت فتحات النابالم بمواد أسمنتية

اللواء درويش حسن
اللواء درويش حسن

اللواء أركان حرب درويش حسن درويش، زميل أكاديمية ناصر العسكرية، رجل عسكرى من الطراز الأول، أفنى عمره فى خدمة بلاده وخدمة العسكرية المصرية، فكان أحد أبطال حربى الاستنزاف وأكتوبر، وكان له معهما الكثير من الذكريات. وخلال حواره مع «الدستور»، كشف اللواء درويش عن كيف استطاع الجندى المصرى تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلى، وكيف تجاوز الهزيمة فى نكسة ١٩٦٧، ليتحول إلى بطل قادر على تحقيق النصر فى أكتوبر ١٩٧٣.

رأى أن التدريب مع التحمل المبكر للمسئولية من حيث المحافظة على الأرواح والمعدات العسكرية، لعب دورًا كبيرًا فى نجاح جيل الضباط والقادة فى أثناء الحرب، مضيفًا: «عندنا حكمة عسكرية تقول إن العرق فى السلم يوفر الدم فى الحرب، أى كلما بذلت مجهودًا وتدربت سيكون المردود إيجابيًا عليك وعلى قواتك ووحدتك فى الحرب المقبلة».

وحكى «درويش» عن الفترة ما بعد تخرجه فى الكلية الحربية فى يوليو ١٩٦٩، إذ وجد نفسه قائدًا لفصيلة تدافع عن الضفة الغربية لقناة السويس، إبان حرب الاستنزاف، وهى فترة لم يكن بها نصر أو هزيمة، إنما كانت استنزافًا للطرفين.

وأضاف: «شارك فى هذه الحرب كثيرون، وشاهدوا ما حدث لزملائهم، ومن لم يشاهد سمع القصص من أقرانه، ووقتها كان الشعور السائد هو الرغبة الشديدة فى محو هذا العار الذى حدث فى ١٩٦٧، والاستعداد للحرب المقبلة فى أسرع وقت ممكن، وكان أصعب جانب فى فترة الاستنزاف التحضير لحرب أكتوبر ١٩٧٣».

وتابع: «كانت الحرب يوم ٦ أكتوبر مثل نزهة بالنسبة لنا وأسهل من التدريب الذى خضناه، ففى وقت حرب الاستنزاف، كانت القوات تدافع عن الضفة الغربية لقناة السويس، وتم سحب جزء للتدريب فى منطقة مشابهة لخط بارليف فى ترعة الخطاطبة، وجرى بناء ساتر ترابى ونقاط حصينة مشابهة لخط بارليف، وجرى تدريب القوات على عبور واقتحام هذه النقاط وتدميرها، ليكون تدريبًا محاكيًا لما سيواجهونه فى الحرب المنتظرة ضد العدو الإسرائيلى».

وتابع: «عندما وصلنا إلى يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣، لم يكن أحد يعلم عن قيام الحرب إلا قبلها بسويعات قليلة، ووقتها كنت نقيبًا فى الجيش، وعندما وصلت الساعة إلى الثانية عشرة ظهرًا جاءتنا الأنباء بالحرب، وأن بدايتها ستكون فى الثانية ظهرًا، وكان السبب الرئيسى فى النصر هو إعداد المسرح والفرد والمعدات وكل شىء من التحضيرات التى اتخذتها الدولة للحرب، ما أسهم فى تحقيق النصر السريع فى أول أيام وساعات حرب أكتوبر».

وتحدث عن المشاهد المفرحة بالنسبة له فى أثناء حرب أكتوبر، وأبرزها عند عودة الطائرات القاذفة بعد تنفيذ ضربتها الجوية، فكان الشعور بالفرح غير قابل للوصف؛ لأن من قادها هم زملاؤه وأصدقاؤه وأساتذته من الكلية الجوية، فقد عبروا بها قناة السويس من الغرب إلى الشرق على ارتفاع لا يتجاوز ١٠ أو ٢٠م فوق سطح الأرض، وعادوا بسلامة دون خسائر كبيرة، وانتهت المهمة فى الثانية وعشر دقائق ظهرًا.

وقال: «بعد ذلك بدأ التمهيد النيرانى وعبور القوات وفقًا للخطة، فكانت قوات المشاة هى أول قوات تعبر قناة السويس، وفقًا لخطة عبور محددة على هيئة موجات موجهة أولية تعبر وتعود بواسطة الوسائل التى عبروا بها».

وكشف عن تفاصيل أول حادث استشهاد للجنود فى أثناء العبور، قائلًا: «حدثت مشكلة فى أثناء هذا العبور؛ أن أحد سائقى تلك المركبات التى تعبر وتعود لم يتبع التعليمات الصحيحة لعبور الموانع المائية فى أول محاولة له، وجاء بمركبته ليعبر قناة السويس سباحة بدلًا من المشى على سطح الماء، وغطس إلى قاع قناة السويس مع حمولته من ضابط وأفراد ومعدات وحداتنا، وهكذا جرى تسجيل أول حادث استشهاد لأفراد وحدتنا فى عبور الموجة الأولى قناة السويس فى السادس من أكتوبر، وكان ذلك حوالى الساعة الثانية والربع ظهرًا».

وتحدث عن مفاجأة الجيش المصرى العدو الإسرائيلى فى هذا اليوم، قائلًا: «مفاجأتنا لهم على المستوى الاستراتيجى تحققت بشكل واضح، ولكن على المستوى التكتيكى، فنحن فى حرب برية تكون طبقًا لسيناريو محدد يشمل الطيران، الذى يدخل ويهاجم الأهداف ويطلق ضربات جوية، ثم متابعة إطلاق النيران المدفعية لضرب أهداف العدو، بحيث يتسبب فى أكبر قدر من الخسائر له من أجل تسهيل تقدم المشاة والدبابات إلى مواقع العدو».

وأكمل: «على المستوى التكتيكى لم يُفاجأ عدو مثلما تفاجأت إسرائيل فى بداية الحرب، فنحن نعلم أن طول قناة السويس حوالى ١٦٠- ١٧٠ كم، وعلى طول هذه الجبهة تملك القوات الإسرائيلية، وفقًا لنظرية الدفاع المتحرك التى تبنتها ونفذتها على قناة السويس، نقاطًا حصينة على الحد الأمامى للضفة الشرقية للقناة، هذه النقاط الحصينة تعمل على العرقلة والتحذير من أى هجوم معاد من القوات المصرية وتعطيل القوات الاحتياطية القريبة التى تشن هجمات مضادة لمساعدتها وتقليل الخسائر فى القوات، لذا كانت الخطة ممتازة للغاية، وحققت لنا الحماية الكبيرة وتخفيض الخسائر».

وذكر أن المفاجأة الكبرى كانت نجاح القوات المصرية فى تدمير تلك النقاط الحصينة، متابعًا: «القوات المصرية كانت تنفذ خطة استراتيجية بدفع قوة صغيرة تحاصر هذه النقاط من الخلف، وبالتالى تمنع دخول أو خروج أو إنقاذ هذه النقاط المحصنة فى نفس الوقت، وعندما يعلم العدو أنه محاصر، وأن القوات المصرية أصبحت خلفه، فإن ذلك يضعف من مقاومته ويقلل من عزيمته، لذلك فى الأيام الأولى من الحرب لم نواجه الجنود الإسرائيليين وجهًا لوجه».

وذكر أن عقيدة الإسرائيليين القتالية هى القتال من خلف الجدار أو من خلف نقاط حصينة أو من خلف ساتر، فلا يقاتل فى العراء، إلا أن القوات المدفوعة لحصار هذه النقاط المحصنة استمرت فى حصارها لبضع ساعات، ما أضعف الروح المعنوية والكفاءة القتالية لهذه القوات الموجودة فى تلك النقاط المحصنة، وسهل عملية اقتحامها وقلل من خسائر قواتنا.

وانتقل للحديث عن وقت عبور قناة السويس التى كانت محصنة بالنابالم المتفجر، قائلًا: «من خلال تخطيط قواتنا بشكل جيد، تم دفع قوات خاصة لسد فتحات مواسير النابالم بمواد أسمنتية سريعة التجمد، وبالتالى تم إبطال تأثير خزانات النابالم، وتمت حماية قواتنا من تعرضها للهب المشتعل على سطح قناة السويس».

وأردف: «تمكنت قواتنا من الاستيلاء على النقاط المحصنة تباعًا فى يومى ٦ و٧ أكتوبر حتى سقوط جميع النقاط، سواء فى المواجهة أو فى عمق دفاعات العدو، وهنا شاهدنا الجندى الإسرائيلى الذى كان مرسومًا فى خيالنا أو الذى حاول أن ينشر الرعب فى نفوسنا، أنه جندى لا يُقهر، لكنه فى الحقيقة كان جنديًا عاديًا جدًا وأقل من المتوقع، ولا يقارن بالجندى المصرى فى كفاءته القتالية أو عزيمته وروحه المعنوية أو تسليحه أو قدرته على التحرك أو حبه لبلاده أو فى سعيه لتحرير الأرض». وتذكر الرقيب أول مجند محمد عبدالعاطى عطية شرف، أحد جنود سلاح المشاة، الذى واجه دبابات العدو بشجاعة، حيث تمكن منفردًا من تدمير عدد كبير من الدبابات يصل إلى ٢٠، وحصل على لقب «صائد الدبابات» فى حرب ١٩٧٣.