رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعملة بلدك.. إنفلونسر يدشن صفحة للاستشارات الدينية.. ونشطاء: "ده السيد البدوى بـ20 جنيه"

ياسر ممدوح
ياسر ممدوح

يعد الاتجار بالدين وانتشار المدعين أبرز ما ظهر في عصرنا الحديث لتحقيق مصالح شخصية أو جماعية دنيوية، سواء كانت مادية أو سياسية أو اجتماعية ولا تعد هذه الظاهرة وليدة العصر الحالي، لكن حذرنا الرسول الكريم منها في أحاديث شريفة، لكنها ازدادت خطورة في عصرنا الحالي بسبب تعدد الوسائل والأساليب.

فبعد أن دعا أحد مشايخ وسائل التواصل "أمير.م" إلى تطبيق "عمرة البدل" مقابل نحو 4000 جنيه أثار الآن، شاب صاحب صفحة لصناعة المحتوى جدلًا واسعًا على وسائط التواصل هو تقديم الاستشارات الدينية مقابل مبالغ طائلة.

استشارات دينية: ادفع بعملة بلدك

"لا أقدم فتاوى، وأن الاستشارة هنا فقط دينية"، بهذه الافتتاحية وصف ياسر ممدوح أحد الشباب على السوشيال ميديا صفحته الدينية التي يتربح من خلالها عن طريق الاستشارات الدينية مقابل مبلغ محدد من المال.

وياسر الذي يعمل "يوتيوبر"، اتجه إلى عمل فيديوهات دينية دون دراسة أو إجازة بذلك، انتشر له على مواقع التواصل وصفًا لصفحته أنه يقدم الاستشارات الدينية مقابل مبلغ محدد بعملة كل دولة التي تضمنت تكلفتها "80 فرنك سويسري، 337 ريال سعودي، 327 ريال قطري، 330 درهم إماراتي، 27 دينار كويتي، 37 دينار بحريني، 35 ريال عماني، 74 يورو، 90 دولار أمريكي، 66 جنيه استرليني، 1410 جنيهات مصري".

وشن رواد مواقع التواصل هجومًا كاسحًا من خلال حساباتهم على "فيسبوك" ذلك الشاب: "يتوالى مسلسل التجارة والنصب باسم الدين، المرة اللي فاتت كانت الشيخ حازم وأمير، المرة دي مع شيخ شاب بيقدم استشارات، سعر الاستشارة الواحدة 1400 جنيه، بينوعوا عشان منزهقش".

وكتب آخر على صفحته: "ليه محدش سأله هو إيه وجه تخصصه عشان يقدم استشارات دينية، ودراسته ايه اللي تخليه يقدم استشارات تربوية وأسرية، علمًا بأني بحب اسمع حلقاته اللي بيتكلم فيها، لكن كدة بقت خلطبيطة بالصلصة".

مَن هو ياسر ممدوح وما هى دراسته؟

وياسر شخص لا أحد يعرف من هو ولا يعرف ما هي مؤهلاته، يطلب من الناس دفع مبالغ مالية طائلة مقابل استشارات دينية.

حاولت "الدستور" الوصول لحقيقة الشهادات والإجازات التي حصل عليها الشيخ الشاب، لكن كل ما نُشر عنه أنه محفّظ للقرآن وإنفلونسر إسلامي ولم يكتب له على موقعه أو صفحته أي درجة علمية سوى بعض الكلمات وهى: "ليس هناك ما يمكن أن أقوله عن نفسي، ولا أحب أن أكتب عن دراستي وعملي وكم حفظت من القرآن وكم إجازة حصلت عليها وكيف أنني خارق للطبيعة بل وأحيانًا أطير، لم أكتب ذلك على صفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي ولن أكتبه على موقعي الرسمي.. رغم أن الإنسان بطبعه يحب أن يستعرض إنجازاته، ولكن لا.. لا أريد ربط الناس بشخصي ومن أكون".

الشيخ أحمد كريمة يوضح حقيقة المتاجرين بالدين

وردًا على المتاجرين بالدين، قال الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الأصل في الدين أن الوظائف الدينية هى احتسابًا لوجه الله تعالى، وقد وجد هذا العمل التطوعي منذ عهد النبي (ص)، حتى الآن ويقوم به الأزهر ووزارة الأوقاف ودار الإفتاء، وهذه الخدمات من التوعية والإفتاء تقدم للمواطنين دون أي أعباء مالية.

الشيخ أحمد كريمة

أضاف كريمة، لـ"الدستور"، أنه عند ظهور التيار السلفي بفعل قوة مخابراتية في المنطقة بدأت وقتها المتاجرة بالدين، فوجدنا أناسًا لا مهن لهم وكونوا ثروات طائلة من وراء خدمات دينية من منظورهم السلفي وذلك عن طريق قنوات إعلامية كانوا يبثونها قبل 2011 وتلك القنوات جمعت أموالا من دول عربية بزعم أن الإسلام يضيع من مصر، وأنهم يريدون الحفاظ على التوحيد والإيمان ولا يزالون يتاجرون بالإسلام، وانتقلت الأمور من المنصات الإعلامية إلى مواقع التواصل الاجتماعي ويتربحون من وراء "التريند" وغيره، مشيرًا إلى أنه يجب على مباحث الأموال العامة ومباحث الإنترنت في وزارة الداخلية وهيئة الرقابة الإدارية أن تتصدى لهذا الاحتيال على الناس باسم الدعوة الإسلامية، مؤكدًا أن هذا كسب خبيث لأن الأصل في الوظائف الدينية أنها تؤدى احتسابًا.

وأكد أستاذ الفقه المقارن أن على المواطن دور مهم في ذلك، متسائلًا لماذا أترك علماء الدين وذوي الاختصاص في الأزهر والأوقاف وأذهب لتجار الدين وادفع مبالغ طائلة؟، مشيرًا إلى أن الأزهر والأوقاف ليس من دوره البحث عن النصابين والمحتالين حتى يتفرغ لقضاياه الأساسية.

أشار إلى أن هناك الأخطر من المتاجرين بالدين والمدعين وهم بعض المتصوفة ومن يدعون أنهم مشايخ الطرق الصوفية، مضيفًا أنهم عندهم تألق حيث يذهب إليهم العوام بدعوى نيل البركة وهؤلاء يعيشون عيشة ما فوق الملوك وأسمائهم معروفة.

أضاف أن هؤلاء المتاجرين والمدعين غير مؤهلين دينيًا تمامًا لإلقاء خطبة أو إصدار فتوى أو استشارة دينية، مشيرًا إلى أن هناك على سبيل المثال ميكانيكيا يدعى "م.ع"، يرتدي الغترة والعباءة الخليجية ولا يفعل أي شىء سوى الإفتاء في أمور الدين، وكذلك في إحدى المحافظات الساحلية طبيب "ي.ب" ترك مهنته وتفرغ لإصدار الفتاوى الدينية والتحليل والتحريم.

تساءل كريمة عن ما يحدث في المجتمع الإسلامي بأنه لا يحدث في أي مجتمع آخر، فهل يمكن لأي شخص غير رجل الدين المسيحي أن يفتي في الدين؟، وكذلك في اليهودية، مؤكدًا أن هؤلاء المتاجرين يسيئون إلى الإسلام، مشيرًا إلى أن هناك فخا نصبه المتاجرون بالدين للناس وهي نشر أكاذيب على علماء الأزهر وثقة المواطن اهتزت بالعالم الأزهري فترك المتخصص الرسمي في الأزهر، واتجه إلى التاجر النصاب الذي يخدعه بعقيدة السلف وغيرها، وأوقعه في شراك الشعارات.

واختتم حديثه بقوله تعالى: "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ"، مشيرًا إلى أن الله تعالى قال: "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، فهل أترك أهل الذكر وأذهب إلى تجار الدين؟، مؤكدًا أن الخبث والكيد السلفي وهجومهم على دار الإفتاء والأزهر وعلمائه هو السبب الرئيسي في ذهاب العوام لهؤلاء المرتزقة والمتاجرين بالدين.