رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرقيب سيد رفعت: السادات قال لى «هنحارب».. ورديت عليه: «جاهزين يا فندم».. وفى ساعة العبور دمرنا كل نقاط العدو

العبور
العبور

 

رغم أنه فى الـ٧٥ من عمره، لكنه لا يزال قادرًا على تذكر ما جرى فى كل لحظة، منذ بدء حرب الاستنزاف وحتى التجهيز لحرب أكتوبر والانتصار على العدو الإسرائيلى، كأن تلك الأحداث تقع الآن أمام عينيه بتفاصيلها الدقيقة، هو الرقيب سيد رفعت منصور، المسئول عن أحد مدافع الهاوتزر أثناء الحرب.

وقال الرقيب سيد، ابن محافظة الشرقية، إنه دخل التجنيد عام ١٩٦٩ وبدأ التدريب على سلاح المدفعية فى أحد المعسكرات مصر الجديدة لمدة ١٥ يومًا فقط، ليتحول من مدنى إلى شخص عسكرى بالكامل.

وأضاف أنه تم ترحيله هو وزملاؤه بعد ذلك إلى الجبهة مباشرة فى منطقة المثلث التابعة للفرقة ١٩ بالجيش الثالث الميدانى، متذكرًا أن الجنود الذين سبقوه فى العمل على مدافع الـ ١٠٠ ملم، كانوا قادمين من حرب اليمن.

وواصل: «جهزنا وحفرنا أماكن المدافع فى الصخور وحفرنا خنادق برميلية، وتم اختيارى لكى أكون ناشنجى، خاصة أننى الأول على الفرقة فى النشان، وكنت أحضر المدفع فى ٤٠ ثانية، وبعد التدريب أصبحت أحضر المدفع فى ١٧ ثانية فقط، وكان هذا رقمًا قياسيًا، وتم اختبارى لأكثر من مرة، وكنا لا نزال فى مراحل الإعداد لحرب أكتوبر».

وأكمل أن المنطقة كان بها ٣ مواقع الأول فى المثلث والثانى كان تبادليًا، والثالث كان تحت خطوط السكك الحديدية فى منطقة الجناين، وهى المنطقة التى زارها الرئيس السادات، وفى هذه المنطقة كان أحد مدافع العدو المعروف بمدفع «أبوجاموس» يفتح نيرانه على السويس مع ظهور أول ضوء فى الصباح، لذلك تم تكليف السرية بالتعامل المدفعى مع هذا المدفع وتدميره.

كما تذكر أنه خلال عملية اختباره وضعوا له ٧ قطع من قضبان القطارات، وأطلق عليها قذيفة جوفاء واخترقتها ودمرتها جميعًا فى مشهد شهد له الجميع حينها، وتمت مكافأته بإجارة لمدة ٢٤ ساعة.

ولم ينس الرقيب سيد ما فعله الإسرائيليون حينما تمكن وزملاؤه من استهداف مدفعهم وتدميره، وكرد فعل على ذلك قصفوا قطار السويس فى مشهد لم ينسه، قائلًا: «كانوا كالمسعورين وكثفوا ضرباتهم علينا».

وأشار إلى وقائع أخرى حدثت فى جبل عتاقة حينما كان أول مدفع فى الجيش الثالث يشتبك مع العدو، لتلحقه حزمة نيران من المدافع المعاونة لتدمير أحد المواقع التى كان يجهزها العدو لتكون تمركزًا لهم.

وتابع: «أتت قوات العدو فى طائرتى سكاى هوك ومن على بعد ١٠ كم استهدفوا المدفع وطاقمه ما أدى إلى استشهاد معظم القائمين عليه، لكننى نجوت بأعجوبة، حيث أصبت بحالة إغماء وسمعت صراخ زملائى قائلين (طاقم السيد رفعت استشهد يا ولاد) ذلك لأن الشهداء كانت حالتهم صعبة، وكان القصف مدمرًا ومزق أجزاء من أجسادهم».

وواصل: «نجوت مرارًا من الموت بعدما رأيته بعينى، وأذكر إحدى المرات التى رأيت فيها الموت بعينى، وكنت قد استعدت المدفع بعد إصلاحه وكونت فريقًا آخر، وفى يوم كان الجميع فى دشمة تحت الأرض، وفوجئنا بطائرة فانتوم ألقت علينا قنبلة ضخمة تزن ١٠٠٠ رطل سقطت بين المدفع والدشمة مباشرة فى مساحة ١٠م، و(طربقت) الملجأ على رءوسنا وتمكنا من الخروج بمعجزة، وانطلقنا إلى المدفع خوفًا من التحاق شظايا النيران بالذخيرة وينفجر المكان، وأتى قائد الجيش الثالث اللواء عبدالمنعم واصل وتفقد المكان ليطمئن على رجاله».

أما عن الموقف الذى لا ينساه، وكان قبل الحرب بأقل من عام، فهو حينما كان فى موقع قرية الجناين وتم تبليغ الجنود بأن الرئيس السادات سيتفقد الموقع، وأن عليهم الاستعداد لمقابلته والعرض عليه.

وقال: «وقع الاختيار علىّ بحكم الخبرة لمقابلة الرئيس، ونفذت ضربة تدريبية بذخيرة غير حقيقية أمامه، وبعدما تفقد المدفع ربت على كتفى وقال (تمام يا سيد).. وقد حفظ الاسم فى حينها، ثم نزل إلى مكان المعيشة، وسأل عن أحوالنا وتفقد الذخيرة، وقال بصوت عال لى (هنحارب يا سيد)، وكررها أكتر من مرة (هنحارب يا سيد، هنحارب يا سيد)، وقلت له حينها (جاهزين يا فندم)».

وكشف عن أنه ما زالت كلمات الرئيس الراحل السادات ترن فى أذنيه حتى اليوم، خاصة حينما قال له «هنحارب يا سيد»، ليرد عليه وهو ممسك بمدفع الهاوتزر بقوله «هنحارب يا ريس».

وتابع: «بعدها انتقل الرئيس لتفقد النقاط الحصينة والتى توجد أمامها نقاط العدو، فوجد أن نقاط العدو أعلى من نقاطنا بنحو ٣ أمتار فعنف الموجودين، وفى صباح اليوم التالى علمنا أنه تم تعيين الفريق أحمد إسماعيل وزيرًا للحربية، ثم جاءت مئات السيارات لتحويل الرمال تجاه النقطة القوية وظل العمل لمدة ٦ أشهر حتى باتت النقطة أعلى من نقطة العدو».

وتذكر اليوم الأول فى الحرب، حينما أتاه استدعاء لحضور تدريبات واتضحت فيما بعد أنها تمويه على العدو.

وقال: «فى الثانية إلا عشرة ظهر يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ فوجئنا بأحد المسئولين قد أتى لنا بالطعام، رغم أننا كنا صائمين وطلب منا عدم استكمال الصيام ووجوب الإفطار، لكن الجميع رفض أن يضع شيئًا فى فمه، ونظرنا للسماء فوجدناها سمراء من كثرة الطائرات بها، وهزت كلماتنا (الله أكبر) سماء السويس، وظللنا نضرب ونقصف بالمدافع لتغطية العبور وتدمير كل نقاط العدو، وصنعنا ساترًا نيرانيًا ساحقًا، والمشهد كان لا ينسى تمامًا، خاصة حينما كنا نرى أى طائرة إسرائيلية وصواريخ سام ٦ تطير عليها وتمزقها وتسقطها».

وأضاف: «عبرنا فى السابع من أكتوبر فجرًا، عن طريق الجسور الذى صنعها المهندسون العسكريون، وأول ما عبرنا ظللنا نقبل رمل سيناء وزحفنا لنحو ٤ كيلومترات فى عمق سيناء واستمررنا فى الضرب».

وكشف عن أنه بعد الحرب كان مرشحًا لحضور احتفال النصر مع قادة القوات المسلحة، لكنه لم يحضر لأن أسرته لم تكن تعلم عنه أى شىء منذ ٣ أشهر، وكانت شائعات تسرى بأنه استشهد، لدرجة أن أخاه ذهب لموقع المدفع الذى كان يخدم عليه، فوجد الموقع قد تم تدميره ونقل الخبر لأهله.

وقال الرقيب سيد إنه دائمًا ما يحكى تلك الوقائع لأحفاده وأبنائه الذى يجتمعون حوله دائمًا ويطلبون منه سماع حكايات النصر، لافتًا إلى أنه يحب مصر لدرجة لا يتخيلها أحد.