رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحد أبطال الصاعقة فى «معركة أبوعطوة».. العريف عباس محمد أبوالعباس: دمرنا 7 دبابات ومنعنا تقدم العدو إلى الإسماعيلية وأجبرناه على الانسحاب للسويس

العريف عباس محمد
العريف عباس محمد أبوالعباس

وثّق العريف عباس محمد أبوالعباس، أحد أبطال «معركة أبوعطوة» فى الإسماعيلية، خلال حرب السادس من أكتوبر، شهادته عن النصر المجيد، وروى كيف شارك فى تدمير دبابات العدو الإسرائيلى خلال هذه المعركة الخالدة فى تاريخ العسكرية المصرية.

وقال العريف «أبوالعباس»، خلال حواره لبرنامج «الشاهد» مع الإعلامى الدكتور محمد الباز، على قناة «إكسترا نيوز»، إن بسالة القوات المصرية فى «أبوعطوة» منعت تقدم العدو الإسرائيلى إلى الإسماعيلية، وأجبرتهم على الانسحاب إلى السويس، وهناك أيضًا «أخذوا عَلْقة» وخرجوا من المدينة.

وكشف بطل «معركة أبوعطوة» عن تفاصيل تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى له ولزملائه فى هذه المعركة، وكيف أنه حرص على التقاط الصور التذكارية معهم، واصفًا هذا التكريم بـ«العظيم».

■ متى التحقت بالقوات المسلحة المصرية؟

- تم تجنيدى يوم ١٥ نوفمبر ١٩٦٩، فى منطقة تجنيد مصطفى كامل بالإسكندرية، تحديدًا فى الدفاع الجوى، ثم جئت إلى حلمية الزيتون، واختارونى ضمن «مدرسة الصاعقة» فى أنشاص.

حضرنا «الفرقة ١٤٩ صاعقة» من نهاية ديسمبر ١٩٦٩ حتى مارس ١٩٧٠، وكان معى شقيق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، واسمه «طارق»، ولم يكن هناك أى فارق فى المعاملة بينه وبين كل المجندين، كلنا كنا فدائيين، وتدربنا سويًا فى «مدرسة الصاعقة» لمدة ٣ أشهر.

■ ما الروح التى ذهبت بها إلى القوات المسلحة قبل الحرب؟

- التحقنا بالجيش وفى داخلنا اعتقاد قوى بضرورة فعل شىء، بعد الهزيمة المنكرة فى ١٩٦٧، التى انسحب فيها الجيش بطريقة عشوائية، كانت نيتنا الحرب منذ التحقنا بالقوات المسلحة.

خرجت من بيتى لمهمة وطنية محددة، هى استرداد أرض سيناء من العدو، والأهل لم يكن لديهم أى مانع أو اعتراض على مشاركتنا فى الحرب، وكانوا يعتبرون هذا شرفًا كبيرًا، لكنهم كانوا يتمنون النصر وعودة أبنائهم إليهم سالمين.

وعلى المستوى الشخصى، تمنيت التحاق أولادى الثلاثة بالجيش المصرى، كى يستكملوا مسيرتى فى القوات المسلحة، لكن لم يحالفهم الحظ.

■ ماذا بعد فرقة الصاعقة حتى حرب أكتوبر ٧٣؟

- بعدما حصلت على فرقة الصاعقة فى مارس ١٩٧٠،أرادوا حصولى على فرقة «قفز وتطبيق مظلات ١٣٤»، فأخذت هذه الفرقة بالفعل، وكان مدربنا فيها نجل وزير المالية آنذاك عبدالمنعم القيسونى.

أردت العودة إلى الصاعقة، وعدت إلى «مدرسة الصاعقة» فى أنشاص بالفعل، وعندما تعرضت المدرسة إلى هجوم فى عام ١٩٧٠، نقلونا إلى منطقة العامرية، وتوزيعى جاء فى «الكتيبة ١٣٣ صاعقة» غرب القناة.

ذهبنا من خلال الكتيبة إلى منطقة «أبوصوير»، ثم إلى فايد والبحيرات المُرة، ثم نُقلنا للتدريب فى منطقة «كوم أوشيم» بالفيوم، وبقينا هناك حوالى ٨ أشهر، ومنها سافرنا إلى مدينة بنغازى فى ليبيا لتدريب أفراد الجيش هناك، ثم عدنا إلى منطقة الهرم فى أبريل ١٩٧٣؛ لتشكيل «المجموعة ١٣٩ صاعقة»، وهناك تدربنا منذ أبريل حتى ١٧ أكتوبر ١٩٧٣.

و«المجموعة ١٣٩ صاعقة» كانت عبارة عن ٤ كتائب، هى «الكتيبة ١٣٣»، و«الكتيبة ١٠٣»، و«الكتيبة ١٨٣»، و«الكتيبة ٢٢٣»، وذلك تحت قيادة اللواء أحمد أسامة إبراهيم، وما زلنا حتى هذه اللحظة نتواصل بصفة مستمرة.

■ ماذا حدث يوم ٦ أكتوبر؟

- قبل يوم ٦ أكتوبر ١٩٧٣ بـ٤ أيام، حصلت المجموعة كلها على إجازة، ومشهد القطارات وهى تحمل العساكر العائدين كان جزءًا من الخداع، ولم نكن نعرف وقتها، لكننا كنا مستعدين للحرب، وبعدما نزلنا الإجازة، فوجئت باستدعاء يوم ٤ أكتوبر، وكان والدى قلقًا بسبب هذا الاستدعاء.

وفى السادسة صباح السادس من أكتوبر مرّ علينا الطيران الثقيل، ووقتها عرفنا بقيام الحرب، ثم تحركت كتيبتى مساء نفس اليوم إلى المطار، من أجل دعم باقى الكتائب، بِتنا فى المطار، وهناك قالوا لنا: «الكتائب أدت مهمتها بنجاح» فانتظرنا دورنا، لكننا عدنا إلى منطقة الهرم مجددًا، وكنت حزينًا جدًا من عدم المشاركة.

كنا نسمع الإذاعة المصرية، وقالوا إن هناك اعتداءً إسرائيليًا على مطار طنطا، فاعتقدت أن أهلى ماتوا هناك، والروح زادت عندنا بشكل أكبر، حتى تلقينا استدعاءً وخرجنا من المنطقة العسكرية فى الهرم، وكان الشعب يُلقى علينا الحلوى من شرفات المنازل، ولم نكن نعلم وجهتنا آنذاك.

سيارة الجيش دخلت بنا إلى منطقة «أنشاص»، وبعدها «بلبيس»، يوم ١٧ رمضان، وكنا صائمين ورفضنا الإفطار رغم وجود فتوى بإباحة ذلك لنا، وفى «بلبيس» تسلمنا وجبة الإفطار، واشترينا «بلح» من الطريق وأفطرنا، ودخلنا بعدها «القصاصين» بعد المغرب، ولم نكن نعرف أين سنذهب، ولا مكان الاشتباك مع العدو.

عند وصولنا «القصاصين»، شاهدنا بالليل «الحرب الحقيقية»، المدفعية الثقيلة، وسيارات قاذفات الصواريخ، ويوم ١٨ دخلنا منطقة «الجناين» فى الإسماعيلية، وقت غروب الشمس، لملاقاة العدو، الذى كان يضرب بشكل عشوائى ودون أهداف، فترجّلنا من السيارات إلى «الجناين» حتى نحتمى من الطلقات الإسرائيلية، ولم يكن هناك استطلاع، فلم نعرف ماذا سنفعل.

قضينا ليل يوم ١٩ فى «الجناين»، وبعدها تجمعنا عند هيئة قناة السويس، وتم إرسال مجموعات من الاستطلاع، منهم من استشهد، ومنهم من كشف وضع الجنود الإسرائيليين وأسلحتهم، وتلقينا تعليمات من الرئيس أنور السادات بـ«إنهاء القوات الإسرائيلية التى دخلت غرب القناة».

■ متى تحركتم بعد الاستطلاع؟

- أقمنا كمائن لملاقاة المتقدمين من العدو تجاه الإسماعيلية، فبعدما كانت الخطة فى البداية هجومية، بعد نتائج الاستطلاع تغيرت إلى إقامة كمائن للعدو.

كنا فى معسكر الجلاء بالإسماعيلية، ولم يكن هناك تقدم للعدو، ويوم ٢٢ أكتوبر فى السادسة صباحًا، قال لى قائد السرية الرائد إبراهيم حسن السنان: «ياللا يا عباس هانبدل المجموعة».

ذهبنا إلى مكان يبعد عن «أبوعطوة» قرابة ٢.٥ كم، سيرًا على الأقدام، وبدلنا مع المجموعة الأخرى، وحفرنا «حُفرًا برميلية» لنحتمى فيها من العدو، وكان معنا ٤ أسلحة «آر بى جى»، والخطة كانت ضرب آخر دبابة لمنع الارتداد، وكان العدو يضرب بشكل عشوائى.

■ هل هذا الضرب العشوائى كان لأنهم مفزوعون؟

- الطيران الإسرائيلى كان يضرب بشكل عشوائى على منطقة «الجناين» فى الإسماعيلية، وكنا نختبئ فى الحفر البرميلية، وهذا الضرب العشوائى كان لأنهم لا يعرفون ماذا ينتظرهم.

العدو اقترب منا وظهرت الدبابات لنا، لكنهم اكتشفوا وجودنا من خلال تحرك أحد الجنود، فبدأت الدبابات تعود إلى الخلف، وحاولت الهروب فى البوص.

أخبرت قائد السرية بهروب الدبابات، فطلب منى الاستقرار فى مكانى، فأخبرته بأننى سأتصدى لهم، وضربت عليهم أنا وزميلى حسن عثمان، وكانت المسافة بيننا ٣٠ مترًا، وانفجرت الدبابات، لكننى أخذت طلقة فى صدرى ووقعت على الأرض.

كنت أتمنى أن آخذ أسيرًا من العدو للثأر لزملائى، وزميلى كان يساعدنى فى الحركة، فطلبت منه أن يتركنى، ووقتها قابلت اللواء حامد محمد الشعراوى، الذى أصبح قائد حرس الرئيس الراحل «مبارك»، وأبلغته بأن قائد السرية استشهد والدبابات تم تفجيرها، وذهبت إلى مقابر «أبوعطوة» ونمت بها، وقلت لنفسى: «لو السر الإلهى خرج أندفن فيها»، قبل أن تعثر علىّ القوات وتنقلنى إلى المستشفى، بعد نصف ساعة من الإصابة.

■ ما تفاصيل رحلة علاجك بعد إصابتك فى معركة «أبوعطوة»؟ 

- كما قلت، بعد إصابتى احتميت فى مقابر «أبوعطوة»، وكنت أظن بأننى سأُدفن فيها، لكن بعدها بنصف ساعة وجدت مجموعة من زملائى فى القوات تحملنى، ومن ثم وضعونى فى سيارة عادت بى إلى المعسكر الميدانى فى الإسماعيلية، حيث خضعت إلى الإسعافات الأولية.

بعدها نُقلت بسيارة إسعاف إلى الزقازيق، ومنها أخذونا بقطار إلى محطة مصر فى رمسيس، ثم نقلونى إلى مستشفى المقطم للتأمين الصحى لتلقى العلاج، وهناك استمرت فترة علاجى شهرًا ونصف الشهر، ثم عدت مرة أخرى إلى سيناء فى ديسمبر ١٩٧٣، فترة وقف إطلاق النار، ولم يكن هناك أى اعتداءات. 

■ ما قصة استشهاد الضابط أحمد نجاتى؟

- بعد تماثلى للشفاء إثر إصابتى فى معركة «أبوعطوة»، ثم علاجى فى مستشفى «المقطم» بالقاهرة، عدت مرة أخرى إلى سيناء فى ديسمبر، خلال فترة وقف إطلاق النار.

شاهدت خطاب الرئيس أنور السادات على شاشة التليفزيون، وهو خطاب خاص بتكريم اللواء بدوى، وكان قد حدث قبل هذا التكريم مشكلة خاصة باستطلاع العدو لدينا، فى معسكر «الجلاء» بالإسماعيلية.

كانت المدفعية تجرى «استطلاعًا» على أحد أبراج الإذاعات فى هذا المعسكر، وكان هناك مجند من المدفعية يجرى استطلاعًا للعدو، فتم ضربه بصاروخ، وكان هناك ضابط حديث فى الخدمة اسمه أحمد نجاتى- رحمه الله- خرج لإنقاذ هذا المجند، كان «نازل إجازة»، لكنه وضع حقيبته جانبًا وصعد لإنقاذ الجندى، لكن العدو ضربه بـ«صاروخ» فاستُشهد فى الحال.

■ فى رأيك هل قرار وقف إطلاق النار كان صائبًا؟ 

- بعد انسحاب العدو الإسرائيلى، عدنا ووجدنا «الجناين» خالية منهم، كنا فى غاية السعادة، وفى حقيقة الأمر الرئيس أنور السادات كان بطلًا فى اتخاذ القرارين؛ قرار الحرب وقرار وقف إطلاق النار.

قرار وقف إطلاق النار جاء فى ظل ضغط أمريكى لوقف إطلاق النار، وأرى أنه قرار صائب، بالنسبة للمقاتلين المصريين على الأرض.

■ بعد مرور الزمن كيف تجمعت مع أصدقائك فى حرب أكتوبر؟ 

- تجمعت أنا ورفاقى فى حرب أكتوبر بعد ظهور الهواتف الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعى، بدأنا نبحث عن بعضنا البعض ونتجمع.

بطل مثل أحمد البدرى، الذى تم تكريمه فى العام الماضى من قِبل الرئيس السيسى، كان من المقربين لى، وكان لى صديق اسمه «سليمان»، من قرية قريبة منى، وكان دائم الزيارة لى، وغيره من رفاقى فى القرى القريبة، كما كان لى رفاق فى الحرب من محافظات أخرى، مثل أسوان وأسيوط والمنيا والشرقية، من كل المحافظات.

وهناك متحف فى غرب القناة يُظهر ٧ دبابات للعدو الإسرائيلى تم تدميرها بشكل كامل، كما توجد به لوحات تضم أسماءنا، أفراد «المجموعة ١٣٩»، و«الكتيبة ٢٢٣»، وكذلك «الكتيبة ١٣٣»، التى كنت أحد أفرادها.

■ ما تفاصيل واقعة ضرب هذه الدبابات فى «أبوعطوة»؟

- بعد إصابتى فى معركة «أبوعطوة»، لم تتقدم دبابات العدو إلا فى غروب شمس هذا اليوم، ٢٢ أكتوبر، فوجدوا كل زملائنا من القوات المصرية فى انتظارهم، من خلال كمائن فى مقابر «أبوعطوة»، تم من خلالها تدمير ٣ دبابات للعدو الإسرائيلى، فى الفترة بين المغرب والعشاء. 

دبابات العدو فى هذه اللحظة انفجرت واحترقت بمن فيها من جنود، وكانت اللحظة الفارقة التى جعلتهم حتى الحادية عشرة لا يتقدمون ناحية الإسماعيلية، بل انسحبوا ناحية السويس نتيجة مقاومتنا، وعندما توجهوا إلى السويس أخذوا «عَلْقة» حتى خرجوا من المدينة.

■ كرم الرئيس بعض زملائك بعد سنوات طويلة من معركة «أبوعطوة».. كيف رأيت التكريم؟ 

- تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى أبطال معركة «أبوعطوة» فى حرب أكتوبر، بعد مرور كل هذه السنوات الطويلة، كان شيئًا عظيمًا.

الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء تكريمه أبطال معركة «أبوعطوة» طلب التقاط صور فوتوغرافية، هو ومجموعة من قادة الجيش، مع أبطال معركة «أبوعطوة»، حتى يصبحوا جزءًا منهم ومما صنعوه، و«لو قالولى تعالى النهارده مرة أخرى للحرب، عندى استعداد ألبس الزى العسكرى وأسبق شباب اليوم إلى الحرب».