رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفن الذى للفلوس.. لا للفن ولا للحياة!

فيما مضى كان الفن إما للفن (كانوا يطلقون على الفن مغلق المعاني أو المصنوع خصيصا لجائزة شديدة التخصص، حتى لو كانت عبارة عن ورقة بسيطة تحوي تقديرا ما، أو المنبني على نظرية فنية محضة، يعرفها الأكاديميون لا الجمهور، إنه فن للفن، والمعنى أنه ينتصر لحقيقته ولا يهتم بشيء آخر البتة)، وإما كان الفن للحياة (هكذا كانوا يصفون الفن الذي يخدم الواقع بصورة واضحة)، ولكن السنين أنتجت نوعا جديدا من الفن بعد ذلك، غايته النقود (الإيرادات)، ولا يعبأ البتة كيف قدم ما قدمه؟ ولا لماذا قدمه أصلا؟ المهم أنه ربح المال، والربح يعني النجاح ولو كان العمل فارغا بكل معنى الكلمة!!
هذا النوع من الفن هو السائد الآن للأسف؛ فليس في الآفاق فن للفن ولا فن للحياة، بالمعنيين السابقين، إلا الندرة، وأما الفن الربحي فطاغ كأنه الحقيقة الوحيدة، والشيء الذي لا يصح أن يزاحمه شيء آخر..
لا ريب في أن مادية الوقت انعكست آثارها السلبية على الفنانين، وما كان يجب أن يؤول الأمر إلى ما آل إليه، فقرر بعضهم أن يعيش مستورا لا مقبورا، وإن كان قراره على الرأس لأن الستر قيمة جميلة ومرغوبة، إلا أن الستر لا يتأتى من الفساد، أعني من اختيار الفن الفاسد الذي أصبح كاسبا، ومهما طال ستر الفنان الذي مكسبه هكذا؛ فإنه زائل لا محالة، فضلا عن خسارة السمعة، وخسارتها موت محقق.
لقد غادر فنانون كثيرون، وهذا يوجب الأسى، مقاعدهم المتقدمة إذ تحولوا عن فنهم الأصيل الراقي إلى ألوان من الفنون لا تتسم بالأصالة ولا بالرقي من أية جهة، ولا تتسم حتى بالاختلاف المدهش المقبول، بل يصعب تحديد هويتها بالأساس، ولكنها ذاعت كما ذاعت الرداءة في معظم المجالات، وكما أصبح النهار ليلا، ونوره صداح، والليل نهارا، وظلامه مدلهم!
نادى المنادون المصلحون أن يا جماعة الفن تمسكوا بالفن الذي يرفع معنوياتكم ببساطته وصدقه، وهما معياران محسوسان عظيمان باقيان دائما أبدا، تمسكوا به ولو قلت منه أرباحكم، فلا قلة مع طيب الربح، بيد أن الأغلبية لم تسمع النداء، وهو الذي انشقت حناجر الرائعين وهم يكررونه لينقذوا الفن من صناعه الأنانيين..
أنا أتفهم الفن المغرق في العجائبية، ذلك الذي يتوخى مخاطبة شريحة واحدة مثقفة مفكرة، وأتفهم الفن الواقعي، ضئيل الخيال، ذلك الذي همه طرح قضايا المجتمع ولو بصور تقريرية، وأتفهم الفن المسلي الظريف بالمثل، وإنما أرفض الخدعة التي صار يتم تقديمها على أنها فن حقيقي، الخدعة الجذابة التي يسعى مقدموها إلى الغنى المالي وحده، الخدعة البائسة المؤذية التي حتى أحوال مقدميها كذلك، فالفن ليس خادعا ولو خلا من الرسالة، والفن أسمى من أن نبتذله هذا الابتذال!