رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مدينة جرفتها السيول.. مَن المسئول عن نكبة "درنة"؟!!

أين أولادي..أين جيراني..أين أهلي وأحبتي، أم ثكلي تبحث عن أولادها بين أطلال "درنة" لعلهم أحياء تحت الأنقاض.. كانت هذه آخر رسائل الصحفيين والإعلاميين من مدينة "درنة" المنكوبة بالشرق الليبي قبل طلب السلطات منهم مغادرة المدينة.. صعوبات تواجه الجميع بعد انتشار رائحة الجثث التي تسببت في بعض الأمراض وأصبح المكان غير مؤهل لاستقبال فرق الإغاثة، رغم أن السلطات الليبية لم تعلن بعد عن إخلاء المدينة من البشر، تواصل فرق الإنقاذ العالمية المدربة والمزودة بأجهزة البحث عن أحياء وانتشال الجثث التي جرفها السيل إلي قاع  البحر.. لم يبق في المدينة من البشر سوي قوات الجيش الليبي، هكذا تكون مهام الجيوش في السلم حماية الأمن القومي الداخلي في حالة تعرض البلاد لكوارث طبيعية  أو انتشار الأمراض ومجابهة الأزمات.
أمام تزايد الاحتجاجات التي شهدتها "درنة" ولاقت صدى كبيرًا في مدن الشرق والغرب الأيام الماضية للمطالبة بمحاسبة المسئولين عن الفيضانات، أعلن النائب العام ومجلس الدولة عن المسئولين عن هذه الأزمة والتي كان من الممكن تداركها إذا اتخذت القرارات السليمة في الوقت المناسب، وأهم هذه القرارات الصيانة الدورية لسدود "درنة"، إلا أن طول الفترة الزمنية  قد يسقط القضية بالتقادم، حيث بدأت الأزمة عام 1986 إبان حكم الرئيس معمر القذافي، تفاقمت الأزمة وبلغت ذروتها قبل أحداث فبراير 2011، إلى أن جاءت حكومة "السراج" 2013 وأوكلت مشروع الصيانة لشركة تركية تعمل في مجال السدود، وأخرى بريطانية، الأخيرة لم تنفذ أي مرحلة من مراحل الصيانة، أما الشركة التركية نفذت نحو 20% من الصيانة وغادرت المدينة، ولم يكترث أحد بإنهاء  صيانة السدود وصولًا إلي كارثة اعصار دانيال. حرصًا علي الصالح العام وكشف الفساد قد يستند النائب العام الليبي إلي الفترة مابعد 2013، لاسيما أنه تم رصد ملايين الدينارات لاتمام عملية الصيانة . 
تزايد أصوات المحتجين والمطالبة بالتحقيق الدولي، تحت إشراف رابطة ضحايا سد درنة تم تأسيسها مؤخرًا،  صدر قرار رئيس الحكومة الليبية المكلف من البرلمان أسامة حماد بإقالة رئيس مجلس بلدية درنة وإحالته  للتحقيق، هذا القرار لم يشف غليل أسر الضحايا بل طالبوا بإقالة الحكومة والبرلمان، والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة  تحت إشراف الأمم المتحدة وتفعيل قرارات لجنة (5+5)، في ظل تزايد مخاوف البعض من التدخل الأجنبي في القرار الليبي  ودعم حكومة عبدالحميد الدبيبة المنتهية ولايتها.
يتساءل الشارع الليبي عن غياب الجامعة العربية من إعصار دانيال؟ أو صدور بيان مؤازرة للشعب الليبي أو فتح حساب للتبرع  تحت إشراف الجامعة، وتقديم حلول للأزمة الليبية في ظل الانقسام السياسي الليبي... هذا ما كان ينتظره الليبيون وإن لم يحدث.. فيما اعتبره البعض موقفًا سلبيًا من الجامعة العربية، في الوقت الذي لم تنقطع فيه جسور المساعدات الإنسانية من أنحاء البلاد العربية والغربية.
قدمت بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية مساعدات مادية فقط ولم تقدم أي دعم من فرق الإنقاذ أو خبرات في مواجهة الكوارث، باستثناء زيارة "ريتشارد نورلاند" المبعوث الأمريكي إلي ليبيا، كانت رسالته مفادها، ستواصل الولايات المتحدة وقوفها إلى جانب الشعب الليبي في دعوته إلى حكومة موحدة تحت قيادة مدنية منتخبة ديمقراطيًا بإمكانها أن تخدم الشعب.. هذه الرسالة لم يرض بها الشارع الليبي، بل فسرها المحلل السياسي بأنها زيارة برجماتية للإطمئنان علي كيف تعمل آبار البترول في ليبيا، ورسالة تحذير من تواجد الجانب الصيني والروسي بخبرته في عمليات  الغوص وانتشال الجثث الغارقة في درنة.
إن كارثة "درنة" كشفت الكثير من الأمور والمشاكل التي تواجهها ليبيا، لاسيما ملف الفساد والانقسامات السياسية، وعدم مبالاة المسئولين، وبرلمان غارق في وحل وادي درنة لايمكن له أن يتخذ قرارًا بتحديد مدة انتخابات رئاسية قبيل أن ينتهي من معالجة نكبة "درنة"، فالبرلمان الليبي الذي تحرك بعد مرور أربعة أيام من أزمة إعصار دانيال هو صاحب القرار وفقًا للدستور الليبي.